هل تصح قصة رسول الله عليه الصلاة والسلام مع بحيرى الراهب ؟
هل تصح قصة بحيرا الراهب؟
السؤال: 442054
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
الاجابة
قصة بحيرا الراهب رواها مسندة الترمذي (3620)، وابن أبي شيبة في “المصنف” (17 / 451)، والبيهقي في “دلائل النبوة” (2 / 24)، والحاكم في “المستدرك” (2 / 615 — 616)، وغيرهم: عن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ غَزْوَانَ قراد أبي نوح، قَالَ: أَخْبَرَنَا يُونُسُ بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ:
( خَرَجَ أَبُو طَالِبٍ إِلَى الشَّامِ وَخَرَجَ مَعَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَشْيَاخٍ مِنْ قُرَيْشٍ، فَلَمَّا أَشْرَفُوا عَلَى الرَّاهِبِ هَبَطُوا فَحَلُّوا رِحَالَهُمْ، فَخَرَجَ إِلَيْهِمُ الرَّاهِبُ وَكَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ يَمُرُّونَ بِهِ فَلَا يَخْرُجُ إِلَيْهِمْ وَلَا يَلْتَفِتُ.
قَالَ: فَهُمْ يَحُلُّونَ رِحَالَهُمْ، فَجَعَلَ يَتَخَلَّلُهُمُ الرَّاهِبُ حَتَّى جَاءَ فَأَخَذَ بِيَدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: هَذَا سَيِّدُ العَالَمِينَ، هَذَا رَسُولُ رَبِّ العَالَمِينَ، يَبْعَثُهُ اللَّهُ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ.
فَقَالَ لَهُ أَشْيَاخٌ مِنْ قُرَيْشٍ: مَا عِلْمُكَ؟
فَقَالَ: إِنَّكُمْ حِينَ أَشْرَفْتُمْ مِنَ العَقَبَةِ لَمْ يَبْقَ شَجَرٌ وَلَا حَجَرٌ إِلَّا خَرَّ سَاجِدًا وَلَا يَسْجُدَانِ إِلَّا لِنَبِيٍّ، وَإِنِّي أَعْرِفُهُ بِخَاتَمِ النُّبُوَّةِ أَسْفَلَ مِنْ غُضْرُوفِ كَتِفِهِ مِثْلَ التُّفَّاحَةِ.
ثُمَّ رَجَعَ فَصَنَعَ لَهُمْ طَعَامًا، فَلَمَّا أَتَاهُمْ بِهِ وَكَانَ هُوَ فِي رِعْيَةِ الإِبِلِ، قَالَ: أَرْسِلُوا إِلَيْهِ، فَأَقْبَلَ وَعَلَيْهِ غَمَامَةٌ تُظِلُّهُ، فَلَمَّا دَنَا مِنَ القَوْمِ وَجَدَهُمْ قَدْ سَبَقُوهُ إِلَى فَيْءِ الشَّجَرَةِ، فَلَمَّا جَلَسَ مَالَ فَيْءُ الشَّجَرَةِ عَلَيْهِ، فَقَالَ: انْظُرُوا إِلَى فَيْءِ الشَّجَرَةِ مَالَ عَلَيْهِ.
قَالَ: فَبَيْنَمَا هُوَ قَائِمٌ عَلَيْهِمْ وَهُوَ يُنَاشِدُهُمْ أَنْ لَا يَذْهَبُوا بِهِ إِلَى الرُّومِ، فَإِنَّ الرُّومَ إِنْ رَأَوْهُ عَرَفُوهُ بِالصِّفَةِ فَيَقْتُلُونَهُ، فَالتَفَتَ فَإِذَا بِسَبْعَةٍ قَدْ أَقْبَلُوا مِنَ الرُّومِ فَاسْتَقْبَلَهُمْ، فَقَالَ: مَا جَاءَ بِكُمْ؟
قَالُوا: جِئْنَا أَنَّ هَذَا النَّبِيَّ خَارِجٌ فِي هَذَا الشَّهْرِ، فَلَمْ يَبْقَ طَرِيقٌ إِلَّا بُعِثَ إِلَيْهِ بِأُنَاسٍ، وَإِنَّا قَدْ أُخْبِرْنَا خَبَرَهُ فَبُعِثْنَا إِلَى طَرِيقِكَ هَذَا.
فَقَالَ: هَلْ خَلْفَكُمْ أَحَدٌ هُوَ خَيْرٌ مِنْكُمْ؟
قَالُوا: إِنَّمَا أُخْبِرْنَا خَبَرَهُ بِطَرِيقِكَ هَذَا.
قَالَ: أَفَرَأَيْتُمْ أَمْرًا أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَقْضِيَهُ هَلْ يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ رَدَّهُ؟
قَالُوا: لَا.
قَالَ: فَبَايَعُوهُ وَأَقَامُوا مَعَهُ.
قَالَ: أَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ أَيُّكُمْ وَلِيُّهُ؟
قَالُوا: أَبُو طَالِبٍ، فَلَمْ يَزَلْ يُنَاشِدُهُ حَتَّى رَدَّهُ أَبُو طَالِبٍ، وَبَعَثَ مَعَهُ أَبُو بَكْرٍ بِلَالًا وَزَوَّدَهُ الرَّاهِبُ مِنَ الكَعْكِ وَالزَّيْتِ ).
وهذا الخبر رواته ثقات.
قال الترمذي: ” هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ هَذَا الوَجْهِ “.
وقال الحاكم: ” هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه “.
ومدار إسناد هذه القصة على عبد الرّحمن بن غزوان قراد أبي نوح، ومع كونه ثقة إلا أنه تفرّد بهذه الرواية المتصلة فلم يشاركه أحد في روايتها.
قال البيهقي رحمه الله تعالى:
” قال أبو العبّاس: [محمّد بن يعقوب]، سمعت العبّاس [بن محمّد الدوري]، يقول: ليس في الدّنيا مخلوق يحدّث به غير قراد ” انتهى. “دلائل النبوة” (2 / 26).
ومع هذا التفرّد فقد اشتمل هذا الخبر على أمور منكرة، ولذا تعقب الذهبي تصحيح الحاكم بقوله: ” أظنه موضوعا، وبعضه باطل ” انتهى.
وقد فصل هذه الأمور الباطلة في “سير أعلام النبلاء / سيرة” (1/ 58)، وفي “تاريخ الإسلام” (1 / 503 – 504)، حيث قال رحمه الله تعالى:
” تفرد به قراد، واسمه عبد الرحمن بن غزوان، ثقة، احتج به البخاري والنسائي؛ ورواه الناس عن قراد، وحسنه الترمذي. وهو حديث منكر جدا؛ وأين كان أبو بكر؟ كان ابن عشر سنين، فإنه أصغر من رسول الله صلى الله عليه وسلم بسنتين ونصف؛ وأين كان بلال في هذا الوقت؟ فإن أبا بكر لم يشتره إلا بعد المبعث، ولم يكن ولد بعد؟!
وأيضا، فإذا كان عليه غمامة تظله، كيف يتصور أن يميل فيء الشجرة؟ لأن ظل الغمامة يعدم فيء الشجرة التي نزل تحتها، ولم نر النبي صلى الله عليه وسلم ذكَّر أبا طالب قط بقول الراهب، ولا تذاكرته قريش، ولا حكته أولئك الأشياخ، مع توفر هممهم ودواعيهم على حكاية مثل ذلك، فلو وقع لاشتهر بينهم أيما اشتهار، ولبقي عنده صلى الله عليه وسلم حس من النبوة؛ ولما أنكر مجيء الوحي إليه أولا بغار حراء وأتى خديجة خائفا على عقله، ولما ذهب إلى شواهق الجبال ليرمي نفسه صلى الله عليه وسلم.
وأيضا فلو أثر هذا الخوف في أبي طالب ورده، كيف كانت تطيب نفسه أن يمكنه من السفر إلى الشام تاجرا لخديجة؟
وفي الحديث ألفاظ منكرة، تشبه ألفاظ الطرقية… ” انتهى.
لكن الذهبي – مع ذلك – لم يقطع ببطلان القصة من أصلها، فقد قدم للحديث بقوله: “سفره مع عمه، إن صح”.
ثم ساق عقب الحديث روايات مرسلة لأهل السير حول الحادثة، مما يشير إلى أنها حادثة مشهورة عندهم.
قال البيهقي رحمه الله تعالى:
” فأمّا القصّة فهي عند أهل المغازي مشهورة ” انتهى. “دلائل النبوة” (2 / 26).
وقال الدكتور أكرم ضياء العمري:
” ويمكن أن تطمئن النفس إلى إثبات سفره صلى الله عليه وسلم مع عمه إلى بُصرى، وتحذير الراهب بحيرا لعمه من يهود والروم، بالاعتماد على رواية الترمذي، والاستئناس بالروايات الضعيفة الأخرى، مثل رواية ابن إسحاق عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري، (ت135 هـ)، وهو من التابعين المعنيين بالسيرة. ولكن إسناد ابن إسحاق هذا معضل ضعيف رغم اعتماد معظم المؤلفين على هذه الرواية في قصة بحيرا.
وكذلك رواية أبي مِجلز لاحق بن حميد (ت106 هـ) بإسناد صحيح إليه لكنه مرسل.
وكذلك مرسل الزهري، وكذلك فإن ثمة روايتين من طريق الواقدي أوردهما ابن سعد وأبو نعيم الأصبهاني.
ومثل الواقدي يُستأنس بمروياته إذا لم يخالَف، وإن كانت مروياته لا تنهض للاحتجاج، بل ولا يعتبر بها في تقوية الضعيف عند علماء الحديث ” انتهى. “السيرة النبوية الصحيحة” (1 / 106).
فالحاصل: أن أصل القصة مشهور عند أهل السير، وهذه الشهرة من الأمور التي يستأنس بها في أخبار السيرة.
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب