0 / 0

كيف يجمع بين الإيمان بعظمة يد الله تعالى وبين حديث (وضع كفه بين كتفي)؟

السؤال: 454829

خلق الله سبحانه وتعالى آدم بيديه، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (… فَرَأَيْتُهُ وَضَعَ كَفَّهُ بَيْنَ كَتِفَيَّ، حَتَّى وَجَدْتُ بَرْدَ أَنَامِلِهِ بَيْنَ ثَدْيَيَّ، فَتَجَلَّى لِي كُلُّ شَيْءٍ، ..). بما أن الله كامل العظمة، وله يد يقبض بها السماوات يوم القيامة، أجد صعوبة في التخيل كيف أمكن أن يسع كف الله كما في الحديث بين كتفي الرسول أو يخلق بها آدم من تراب؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولا:

لله تعالى يدان عظيمتان كما أخبر في كتابه، وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، وأجمع عليه السلف، فيجب الإيمان بذلك دون تشبيه أو تمثيل، ودون تأويل أو تعطيل.

قال تعالى: (بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ) المائدة/64، وقال سبحانه: (وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ) الزمر/67.

وروى مسلم (2788) عن عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ يَحْكِي رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( يَأْخُذُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ سَمَاوَاتِهِ وَأَرَضِيهِ بِيَدَيْهِ، فَيَقُولُ: أَنَا اللهُ – وَيَقْبِضُ أَصَابِعَهُ وَيَبْسُطُهَا – أَنَا الْمَلِكُ) حَتَّى نَظَرْتُ إِلَى الْمِنْبَرِ يَتَحَرَّكُ مِنْ أَسْفَلِ شَيْءٍ مِنْهُ، حَتَّى إِنِّي لَأَقُولُ: أَسَاقِطٌ هُوَ بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟”.

فيده سبحانه عظيمة، لا يعلم قدر عظمتها إلا هو سبحانه؛ لا يبلغ ذلك علمُ عالم، ولا وهم واهم.

وقد أخبر أنه خلق آدم بيديه، فقال: (قَالَ يَاإِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ) ص/75.

فوجب الإيمان بذلك والتصديق به، لا ندخل في ذلك بعقولنا، ولا نتوهم، ولا نكيّف ولا نشبه، فلا يقال: كيف خلقه بيده؟ ولا نضرب كتاب الله بعضه ببعض؛ بل نؤمن به جميعا: ( كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا) آل عمران/7.

وأخبر نبيه صلى الله عليه وسلم أن الله يقبل التمرة ويربيها بيمينه، فلا يقال كيف؟ فالكيف عنه مرفوع.

روى مسلم (1014) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: (لَا يَتَصَدَّقُ أَحَدٌ بِتَمْرَةٍ مِنْ كَسْبٍ طَيِّبٍ، إِلَّا أَخَذَهَا اللهُ بِيَمِينِهِ، فَيُرَبِّيهَا كَمَا يُرَبِّي أَحَدُكُمْ فَلُوَّهُ، أَوْ قَلُوصَهُ، حَتَّى تَكُونَ مِثْلَ الْجَبَلِ، أَوْ أَعْظَمَ).

قال ابن قدامة رحمه الله: ” لا تمثله العقول بالتفكير، ولا تتوهمه القلوب بالتصوير، لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [الشورى: 11] ” انتهى من لمعة الاعتقاد، ص 5.

وفي حكاية الإجماع على إثبات اليدين:

قال أبو الحسن الأشعري رحمه الله في “رسالة إلى أهل الثغر” ص 225: ” وأجمعوا على أنه عَزَّ وجَلَّ يسمع ويرى، وأنَّ له تعالى يدين مبسوطتين ” انتهى.

وقال ابن أبي زيد القيرواني رحمه الله في كتابه: الجامع في السنن والآداب، ص107: “فمما أجمعت عليه الأمة من أمور الديانة، ومن السنن التي خلافُها بدعة وضلالة: أن الله تبارك اسمه له الأسماء الحسنى والصفات العلى… وأن الله عز وجل كلم موسى بذاته، وأسمعه كلامه، لا كلاماً قام في غيره، وأنه يسمع ويرى، ويقبض ويبسط، وأن يديه مبسوطتان، والأرض جميعاً قبضته يوم القيامة والسموات مطويات بيمينه، وأنه يجئ يوم القيامة – بعد أن لم يكن جائيًا – والملك صفًا صفًا لعرض الأمم وحسابها وعقوبتها وثوابها، فيغفر لمن يشاء من المذنبين، ويعذب منهم من يشاء، وأنه يرضى عن الطائعين ويحب التوابين ويسخط على من كفر به، ويغضب فلا يقوم شيء لغضبه، وأنه فوق سماواته، على عرشه دون أرضه، وأنه في كل مكان بعلمه” انتهى.

ثانيا:

أما حديث: (فَرَأَيْتُهُ وَضَعَ كَفَّيهُ بَيْنَ كَتِفَيَّ) فهذه رؤيا منام، والمنام يكون بضرب المثال، فلا يؤخذ منه أن كفه سبحانه بقدر ما بين كتفيه صلى الله عليه وسلم، بل كفه سبحانه يقبض بها الأرض كلها، ويطوي بها السموات، تبارك ربنا وتعالى وتقدس.

روى أحمد (22109)، والترمذي (3235) عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ: ” احْتُبِسَ عَنَّا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ غَدَاةٍ مِنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ حَتَّى كِدْنَا نَتَرَاءَى عَيْنَ الشَّمْسِ، فَخَرَجَ سَرِيعًا فَثُوِّبَ بِالصَّلَاةِ، فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَتَجَوَّزَ فِي صَلَاتِهِ، فَلَمَّا سَلَّمَ دَعَا بِصَوْتِهِ فَقَالَ لَنَا:  عَلَى مَصَافِّكُمْ كَمَا أَنْتُمْ ، ثُمَّ انْفَتَلَ إِلَيْنَا فَقَالَ:  أَمَا إِنِّي سَأُحَدِّثُكُمْ مَا حَبَسَنِي عَنْكُمُ الغَدَاةَ: أَنِّي قُمْتُ مِنَ اللَّيْلِ ، فَتَوَضَّأْتُ ، فَصَلَّيْتُ مَا قُدِّرَ لِي ، فَنَعَسْتُ فِي صَلَاتِي فَاسْتَثْقَلْتُ، فَإِذَا أَنَا بِرَبِّي تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي أَحْسَنِ صُورَةٍ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ . قُلْتُ: لَبَّيْكَ رَبِّ، قَالَ: فِيمَ يَخْتَصِمُ المَلَأُ الأَعْلَى؟ قُلْتُ: لَا أَدْرِي رَبِّ. قَالَهَا ثَلَاثًا  ” . قَالَ:   فَرَأَيْتُهُ وَضَعَ كَفَّهُ بَيْنَ كَتِفَيَّ،  حَتَّى وَجَدْتُ بَرْدَ أَنَامِلِهِ بَيْنَ ثَدْيَيَّ، فَتَجَلَّى لِي كُلُّ شَيْءٍ ، وَعَرَفْتُ. فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، قُلْتُ: لَبَّيْكَ رَبِّ، قَالَ: فِيمَ يَخْتَصِمُ المَلَأُ الأَعْلَى؟ قُلْتُ: فِي الكَفَّارَاتِ، قَالَ: مَا هُنَّ؟ قُلْتُ: مَشْيُ الأَقْدَامِ إِلَى الجَمَاعَاتِ، وَالجُلُوسُ فِي المَسَاجِدِ بَعْدَ الصَّلَوَاتِ، وَإِسْبَاغُ الوُضُوءِ فِي المَكْرُوهَاتِ، قَالَ: ثُمَّ فِيمَ؟ قُلْتُ: إِطْعَامُ الطَّعَامِ، وَلِينُ الكَلَامِ، وَالصَّلَاةُ بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ. قَالَ: سَلْ. قُلْتُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ فِعْلَ الخَيْرَاتِ، وَتَرْكَ المُنْكَرَاتِ، وَحُبَّ المَسَاكِينِ، وَأَنْ تَغْفِرَ لِي وَتَرْحَمَنِي، وَإِذَا أَرَدْتَ فِتْنَةً فِي قَوْمٍ فَتَوَفَّنِي غَيْرَ مَفْتُونٍ، وَأَسْأَلُكَ حُبَّكَ وَحُبَّ مَنْ يُحِبُّكَ، وَحُبَّ عَمَلٍ يُقَرِّبُ إِلَى حُبِّكَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّهَا حَقٌّ فَادْرُسُوهَا ثُمَّ تَعَلَّمُوهَا) .

قال الترمذي: “هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ” سَأَلْتُ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ هَذَا الحَدِيثِ، فَقَالَ: “هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ”.

فهذه رؤيا منام، والإنسان قد يرى الله في منامه على صورة شيخ أو غيره، على قدر إيمان الرائي، وليس الله كذلك، ولا يُرى الله على الحقيقة إلا في الآخرة.

قال الشيخ ابن باز رحمه الله: ” ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وآخرون أنه يمكن أنه يرى الإنسان ربه في المنام، ولكن يكون ما رآه ليس هو الحقيقة؛ لأن الله لا يشبهه شيء سبحانه وتعالى، قال تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ فليس يشبهه شيء من مخلوقاته، لكن قد يرى في النوم أنه يكلمه ربه، ومهما رأى من الصور فليست هي الله جل وعلا؛ لأن الله لا يشبهه شيء سبحانه وتعالى، فلا شبيه له ولا كفو له.

وذكر الشيخ تقي الدين رحمه الله في هذا أن الأحوال تختلف بحسب حال العبد الرائي، وكلما كان الرائي من أصلح الناس وأقربهم إلى الخير، كانت رؤيته أقرب إلى الصواب والصحة، لكن على غير الكيفية التي يراها، أو الصفة التي يراها؛ لأن الأصل الأصيل أن الله لا يشبهه شيء سبحانه وتعالى” انتهى من “فتاوى ابن باز” (6/367).

والحاصل:

أنه يجب الإيمان بما وصف الله به نفسه ووصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم، ومن ذلك أن له يدين كريمتين، وأنه خلق آدم بيديه، نؤمن بذلك دون تكييف أو تشبيه؛ وأن نؤمن بكتاب الله كله، وما صح عن نبيه، صلى الله عليه وسلم؛ لا نضرب بعضه ببعض.

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android