0 / 0

هل النساء والأغنياء أكثر أهل النار؟

السؤال: 457734

سمعت في أحد الأيام مقطعاً، فيه: أن أكثر أهل الجنة الرجال والفقراء، وأكثر أهل النار النساء والأغنياء، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم ذكر في الحديث الصحيح أن أكثر أهل الجنة الفقراء، ولم يذكر الرجال، وأكثر أهل النار النساء، ولم يذكر الأغنياء، فاللذي أعرفه أن النساء أيضا أكثر أهل الجنة، وهذا قول كثير من العلماء الثقات منهم إبن تيمية، وإبن كثير، وإبن حجر، والنووي، والحافظ العراقي، والقاضي عياض، رحمهم الله، وأن الأغنياء يدخلون الجنة بعد الفقراء؛ لأن نعيمهم أكثر، فيسئلون أكثر، كما قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح ( وأصحاب الجد محبوسون)، لكن لم يذكر أنهم أكثر أهل النار، فهل يلزم من كون أكثر أهل النار النساء أن يكون أكثر أهل الجنة الرجال؟ وهل يلزم من كون أكثر أهل الجنة الفقراء أن يكون أكثر أهل النار الأغنياء؟

ملخص الجواب

أما كون الأغنياء أكثر أهل النار فلا يعلم في هذا نص صحيح. وأما كون النساء أقل أهل الجنة، فإن أريد بهن نساء الدنيا فليس في هذا نص قاطع الدلالة، وهذا محل خلاف. وأما إن أريد بهن جميع نساء الجنة مع الحور، فلا شك أن النساء أكثر في الجنة بهذا المعنى كما في حديث أبي هريرة، فيكون الرجال أقل. والصواب في هذا أن هذه النصوص في الأغنياء والنساء، وردت للتحذير من الفتن، وأن على الغني وعلى المرأة: أن يحتاطا أكثر للنجاة، والظاهر أنها لم تَرد لإحصاء أهل الجنة وأهل النار، فلا ينبغي التعمق في هذا الاحصاء فهو لا ينبني عليه عمل.

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولا:

بالنسبة للأغنياء، فغاية ما ورد في الصحيح، هو ما ورد عند البخاري (4850)، ومسلم (2847) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: ( تَحَاجَّتِ ‌الْجَنَّةُ ‌وَالنَّارُ، فَقَالَتِ النَّارُ: أُوثِرْتُ بِالْمُتَكَبِّرِينَ وَالْمُتَجَبِّرِينَ، وَقَالَتِ الْجَنَّةُ: مَا لِي لَا يَدْخُلُنِي إِلَّا ضُعَفَاءُ النَّاسِ وَسَقَطُهُمْ، قَالَ اللهُ تبارك وتعالى لِلْجَنَّةِ: أَنْتِ رَحْمَتِي أَرْحَمُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ مِنْ عِبَادِي، وَقَالَ لِلنَّارِ: إِنَّمَا أَنْتِ عَذَابٌ أُعَذِّبُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ مِنْ عِبَادِي، وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مِلْؤُهَا، فَأَمَّا النَّارُ: فَلَا تَمْتَلِئُ حَتَّى يَضَعَ رِجْلَهُ فَتَقُولُ: قَطْ قَطْ قَطْ، فَهُنَالِكَ تَمْتَلِئُ وَيُزْوَى بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ، وَلَا يَظْلِمُ اللهُ عز وجل مِنْ خَلْقِهِ أَحَدًا، وَأَمَّا الْجَنَّةُ: فَإِنَّ اللهَ عز وجل يُنْشِئُ لَهَا خَلْقًا ).

وهذا الحديث لا يتناول جميع الأغنياء، وإنما فئة خاصة منهم وهم المتكبرون المتجبرون.

وكذا ما ورد عند البخاري (5196)، ومسلم (2736): عن أُسَامَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( قُمْتُ عَلَى بَابُ الجَنَّةِ، فَكَانَ عَامَّةَ مَنْ دَخَلَهَا المَسَاكِينُ، وَأَصْحَابُ الجَدِّ مَحْبُوسُونَ، غَيْرَ أَنَّ أَصْحَابَ النَّارِ قَدْ أُمِرَ بِهِمْ إِلَى النَّارِ، وَقُمْتُ عَلَى بَابُ النَّارِ فَإِذَا عَامَّةُ مَنْ دَخَلَهَا النِّسَاءُ ).

ففي هذا الخبر ليس فيه إلا حبس الأغنياء، وذلك لطول الحساب، وليس فيه اثبات أنهم من أهل النار؛ بل فيه إشارة كذلك إلى أن “حبس” أهل الجد (المال والثراء): إنما هو حبس للحساب، وليس للعذاب، ولذلك قال: ( وَأَصْحَابُ الجَدِّ مَحْبُوسُونَ، غَيْرَ أَنَّ أَصْحَابَ النَّارِ قَدْ أُمِرَ بِهِمْ إِلَى النَّارِ )؛ ففرق بين “أصحاب الجد”، الذين هم مؤخرون لأجل الحساب عما كان عندهم من الحظوظ والنعم، وبين “أصحاب النار” الذين هم أهلها؛ فهؤلاء قد أمر بهم إلى النار.

وهذا كما في حديث أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ( يَدْخُلُ ‌فُقَرَاءُ ‌الْمُسْلِمِينَ الْجَنَّةَ قَبْلَ أَغْنِيَائِهِمْ بِنِصْفِ يَوْمٍ؛ وَهُوَ خَمْسُ مِائَةِ عَامٍ ) رواه الترمذي (2354)، وقال: “هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ”.

وقد ورد عند الإمام احمد في “المسند” (11/ 182): عن شَرِيك، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ السَّائِبِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ( اطَّلَعْتُ فِي الْجَنَّةِ، فَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا الْفُقَرَاءَ، وَاطَّلَعْتُ فِي النَّارِ، فَرَأَيْتُ أَكْثَرَ ‌أَهْلِهَا ‌الْأَغْنِيَاءَ وَالنِّسَاءَ ).

وكلمة: ( الْأَغْنِيَاءَ )، ليست بثابتة في الحديث، فقد تفرد بها هذا السند، وفيه شريك، وهو سيء الحفظ.

قال محققو المسند: ” حديث صحيح دون قوله ” الأغنياء “؛ فإنها لم ترد في الشواهد والمتابعات “.

وقال الشيخ الألباني رحمه الله تعالى:

“(اطلعت في الجنة فرأيت أكثر أهلها الفقراء، واطلعت في النار فرأيت أكثر ‌أهلها ‌الأغنياء والنساء):

ضعيف. أخرجه أحمد، وابنه عبد الله في “زوائد المسند” (2 / 173) كلاهما من طريق شريك، عن أبي إسحاق، عن السائب بن مالك، عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره.

قلت: وهذا إسناد ضعيف من أجل شريك – وهو ابن عبد الله القاضي – وهو سيئ الحفظ. وأبو إسحاق – هو السبيعي – وهو مختلط مدلس وقد عنعنه. وجوّد المنذري (4 / 85) إسناده؛ فوهم.

نعم الحديث صحيح، لكن بدون قوله: ” الأغنياء “، فقد ثبت عن جمع من الصحابة حاشا هذه الزيادة…

فالحديث بهذه الزيادة منكر؛ لتفرد هذا الإسناد الضعيف بها ” انتهى من “سلسلة الأحاديث الضعيفة ” (6 / 315 – 316).

ثانيا:

وأما النساء، فقد صح في الحديث أنهن أكثر أهل النار، كما في حديث أسامة السابق.

وكما في حديث ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( أُرِيتُ النَّارَ، فَإِذَا أَكْثَرُ أَهْلِهَا النِّسَاءُ، يَكْفُرْنَ).

قِيلَ: أَيَكْفُرْنَ بِاللَّهِ؟

قَالَ: (يَكْفُرْنَ العَشِيرَ، وَيَكْفُرْنَ الإِحْسَانَ، لَوْ أَحْسَنْتَ إِلَى إِحْدَاهُنَّ الدَّهْرَ، ثُمَّ رَأَتْ مِنْكَ شَيْئًا، قَالَتْ: مَا رَأَيْتُ مِنْكَ خَيْرًا قَطُّ ) رواه البخاري (29)، ومسلم (884).

وكما في حديث عِمْرَان بْنِ حُصَيْنٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: ( اطَّلَعْتُ فِي الجَنَّةِ فَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا الفُقَرَاءَ، وَاطَّلَعْتُ فِي النَّارِ فَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا النِّسَاءَ ) رواه البخاري (3241).

وقد ورد ما ينص على أنهن أقل أهل الجنة.

فروى الإمام مسلم (2738) من حديث عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: ( إِنَّ أَقَلَّ سَاكِنِي الْجَنَّةِ النِّسَاءُ ).

لكن بعض أهل العلم رأى أنه يحتمل أن حديث عمران بن الحصين هذا، هو نفسه السابق: ( اطَّلَعْتُ فِي النَّارِ فَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا النِّسَاءَ )، لكن اختصره بعض رواته ورواه بالمعنى.

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى:

” في الحديث الآخر: ( اطلعت في الجنة فرأيت أقل ساكنها النساء )، ويحتمل أن يكون الراوي رواه بالمعنى الذي فهمه من أن كونهن أكثر ساكني النار، يلزم منه أن يكن أقل ساكني الجنة؛ وليس ذلك بلازم ” انتهى من “فتح الباري” (6 / 325).

والمسألة محل خلاف بين أهل العلم، وبعض من يرى أن النساء في الجنة أكثر استدل بما رواه الإمام مسلم (2834) عَنْ مُحَمَّدٍ ابْنِ سِيرِينَ، قَالَ: إِمَّا تَفَاخَرُوا وَإِمَّا تَذَاكَرُوا: الرِّجَالُ فِي الْجَنَّةِ أَكْثَرُ أَمِ النِّسَاءُ؟ فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ : أَوَ لَمْ يَقُلْ أَبُو الْقَاسِمِ صلى الله عليه وسلم: ( إِنَّ أَوَّلَ زُمْرَةٍ تَدْخُلُ الْجَنَّةَ عَلَى صُورَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ، وَالَّتِي تَلِيهَا عَلَى أَضْوَءِ كَوْكَبٍ دُرِّيٍّ فِي السَّمَاءِ، لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ زَوْجَتَانِ اثْنَتَانِ، يُرَى مُخُّ سُوقِهِمَا مِنْ وَرَاءِ اللَّحْمِ، وَمَا فِي الْجَنَّةِ أَعْزَبُ ).

لكن ليس فيه نص على أن الزوجتين من نساء الدنيا.

قال القرطبي رحمه الله تعالى:

” قال علماؤنا: لم يختلفوا في جنس النساء، وإنما اختلفوا في نوع من الجنس، وهو نساء الدنيا ورجالها: أيهما أكثر في الجنة؟ فإن كانوا اختلفوا في المعنى الأول وهو جنس النساء مطلقاً، فحديث أبي هريرة حجة، وإن كانوا اختلفوا في نوع من الجنس وهم أهل الدنيا، فالنساء في الجنة أقل.

قلت: يحتمل أن يكون هذا في وقت كون النساء في النار، وأما بعد خروجهن بالشفاعة وبرحمة الله تعالى، حتى لا يبقى فيها أحد ممن قال: لا إله إلا الله، فالنساء في الجنة أكثر، والله أعلم، وحينئذ يكون لكل واحد منهم زوجتان من نساء الدنيا، وأما الحور العين فقد يكون لكل واحد منهم الكثير منهن ” انتهى من “التذكرة” (2 / 983).

وقال الحافظ العراقي رحمه الله تعالى:

” فإن قلت: كيف اقتصر في هذا الحديث على ذكر زوجتين؟

قلت: الزوجتان من نساء الدنيا، والزيادة على ذلك من الحور العين.

وقال أبو العباس القرطبي: بهذا يعلم أن نوع النساء المشتمل على الحور والآدميات: في الجنة أكثر من نوع الرجال من بني آدم، ورجال بني آدم أكثر من نسائهم، وعن هذا قال عليه الصلاة والسلام : ( أقل ‌ساكني ‌الجنة النساء، وأكثر ساكني جهنم النساء )، يعني نساء بني آدم هن أقل في الجنة وأكثر في النار.

قلت: وإذا قلنا بالأول إن لكل واحد منهم زوجتين من نساء الدنيا فيشكل على ذلك قوله: ( أقل ‌ساكني ‌الجنة النساء )، ولعل راويه رواه بالمعنى في فهمه فأخطأ؛ فَهِم من كونهن أكثر ساكني جهنم أنهن ‌أقل ‌ساكني ‌الجنة؛ وقد تقدم أن ذلك لا يلزم، وأنهن أكثر ساكني الجهتين معا، لكثرتهن. والله أعلم ” انتهى. انتهى من “طرح التثريب” (8/ 270).

وقال ابن رجب رحمه الله تعالى:

” والصحيح أن أبا هريرة أراد أن جنس النساء في الجنة أكثر من جنس الرجال، لأنّ كل رجل منهم له زوجتان، ولم يرد أن النساء من ولد آدم أكثر من الرجال.

ويدل عَلَى هذا، أنّه ورد في بعض روايات حديث أبي هريرة هذا الصحيحة: ( لكل واحد منهم زوجتان من الحور العين ). كذلك رواه يونس، عن محمد، عن أبي هريرة، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم خرّجه من طريقه الإمام أحمد ” انتهى من “مجموع رسائل ابن رجب” (4/ 374).

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android