عندما قرأت كتاب “الرحيق المختوم” صادفني شيء محير، أي: “هم أول من هاجر في سبيل الله بعد إبراهيم ولوط”، عند الحديث عن هجرة عثمان ورقية إلى الحبشة، المرجع لهذا الحديث هو زاد المعاد، أنا في حيرة؛ لأن موسى جاء بعد إبراهيم، وهاجر وبني إسرائيل، وغيرهم أعتقد أنهم جاءوا بعده، الرجاء توضيح صحّة هذا الحديث وسياقه.
هل صحيح أن عثمان أول من هاجر بعد إبراهيم ولوط عليهما السلام؟
السؤال: 497762
ملخص الجواب
لم يرد خبر صحيح في كون عثمان رضي الله عنه أول من هاجر بأهله بعد لوط عليه السلام، والأخبار الواردة في هذا ضعيفة الأسانيد.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
كون عثمان رضي الله عنه أول من هاجر بأهله بعد لوط عليه السلام، ورد في هذا بعض الأخبار.
فروى ابن أبي عاصم في “السنة” (2 / 596)، والطبراني في “المعجم الكبير” (1 / 90)، والفسوي في “المعرفة والتاريخ” (3 / 255)، وغيرهم: عن بَشَّار بْنِ مُوسَى الْخَفَّاف، حدثنا الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ الْبُرْجُمِيُّ، إِمَامُ مَسْجِدِ مُحَمَّدِ بْنِ وَاسِعٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ النَّضْرِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه، قَالَ: ( خَرَجَ عُثْمَانُ رضي الله عنه مُهَاجِرًا إِلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ وَمَعَهُ رُقَيَّةُ بِنْتُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَاحْتُبِسَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم خَبَرُهُمْ، وَكَانَ يَخْرُجُ يَتَوَكَّفُ عَنْهُمُ الْخَبَرَ ” فَجَاءَتْهُ امْرَأَةٌ فَأَخْبَرَتْهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: ( إِنَّ عُثْمَانَ أَوَّلُ مَنْ هَاجَرَ إِلَى اللهِ بِأَهْلِهِ بَعْدَ لُوطٍ ).
وهذا خبر إسناده ضعيف.
قال الهيثمي رحمه الله تعالى:
” رواه الطبراني، وفيه الحسن بن زياد البرجمي، ولم أعرفه، وبقية رجاله ثقات ” انتهى. “مجمع الزوائد” (9 / 81).
وفي إسناده أيضا بَشَّار بْن مُوسَى الْخَفَّاف، وقد ضعّفه عدد من أئمة الحديث.
قال الذهبي رحمه الله تعالى:
” بشار بن موسى الخفاف عن يزيد بن زريع.
قال البخاري وغيره: منكر الحديث. وقال النسائي: ليس بثقة. وقال ابن عدي: ارجو انه لا بأس به ” انتهى من “المغني في الضعفاء” (1 / 104).
وقال الشيخ الألباني رحمه الله تعالى:
” ( إن عثمان لأول من هاجر إلى الله بأهله بعد لوط ).
ضعيف…
وقال ابن عدي:
“وبشار رجل مشهور بالحديث، ويروي عن قوم ثقات، وأرجو أن لا بأس به، وأنه قد كتب الحديث الكثير، وقد حدث عنه الناس، ولم أر في حديثه شيئاً منكرا، وقول من وثقه أقرب إلى الصواب ممن ضعفه “.
كذا قال. وفيه نظر؛ فإن البخاري ممن ضعفه جدا بعد أن عرفه، فقال:
” منكر الحديث، قد رأيته، وكتبت عنه، وتركت حديثه “.
ولذلك قال الحافظ في “التقريب”:
“ضعيف، كثير الغلط، كثير الحديث”.
وأورده الذهبي في “الضعفاء والمتروكين”. ” انتهى. “السلسلة الضعيفة” (7 / 164).
ورواه الدولابي في “الأسماء والكنى” (2/741)، والطبراني في “المعجم الكبير” (5/ 139 — 140): عن عُثْمَان بْن خَالِدٍ الْعُثْمَانِيّ، حدثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ وَهْبٍ، مَوْلَى زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ أَبِيهِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( مَا كَانَ بَيْنَ عُثْمَانَ وَرُقَيَّةَ وَبين لُوطٍ مِنْ مُهَاجِرٍ ).
وهذا إسناد ضعيف جدا.
قال الهيثمي رحمه الله تعالى:
” رواه الطبراني، وفيه عثمان بن خالد العثماني، وهو متروك ” انتهى من “مجمع الزوائد” (9 /81).
وقال الشيخ الألباني رحمه الله تعالى:
” موضوع…
وهذا سند ضعيف؛ عثمان هذا هو العثماني الأموي، قال البخاري:
“ضعيف عنده مناكير”. وقال أبو حاتم: “منكر الحديث”.
وقال الحاكم وأبو نعيم:
“حدث عن مالك وغيره بأحاديث موضوعة”.
قلت: وهذا من موضوعاته الظاهرة الوضع؛ كما لا يخفى ” انتهى من “السلسلة الضعيفة” (9 / 452).
وورد أيضا بإسناد آخر ضعيف وبمتن منكر.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى:
” وأخرج ابن مندة بسند واهي، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن أسماء بنت أبي بكر، قالت: ( كنت أحمل الطعام إلى أبي وهو مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بالغار، فاستأذنه عثمان في الهجرة، فأذن له في الهجرة إلى الحبشة، فحملت الطعام، فقال لي: ما فعل عثمان ورقيّة؟ قلت. قد سارا. فالتفت إلى أبي بكر، فقال: والّذي نفسي بيده، إنّه أوّل من هاجر بعد إبراهيم ولوط ).
قلت: وفي هذا السياق من النكارة أن هجرة عثمان إلى الحبشة كانت حين هجرة النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، وهذا باطل … ” انتهى من “الإصابة” (13 / 388 – 389).
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب