عمي أعزب، ولا معيل له، فهل إذا مرض أو احتاج نقودا أكون ملزما أنا ابن أخيه أن أعيله وأعتني به؟
هل تجب النفقة على العم والقيام بمصالحه؟
السؤال: 501061
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولاً:
العم من أقرب الأرحام الذين أمر الله بصلتهم والإحسان إليهم.
ومن الحقوق المتقررة لهم: حق النفقة لمن كان منهم عاجزا عن الاكتساب، ولا مال له.
قال الله تعالى: وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ الآية النساء/36.
وقال تعالى: وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا الإسراء/26.
وعن أبي هريرة. قال: قال رجل: يا رسول الله! من أحق بحسن الصحبة؟ قال “أمك. ثم أمك. ثم أمك. ثم أبوك. ثم أدناك أدناك” رواه البخاري ومسلم .
قال ابن القيم رحمه الله:
“جعل سبحانه حق ذي القربى يلي حق الوالدين كما جعله النبي – صلى الله عليه وسلم – سواء بسواء، وأخبر سبحانه أن لذي القربى حقا على قرابته، وأمر بإيتائه إياه؛ فإن لم يكن ذلك حق النفقة فلا ندري أي حق هو.
وأمر تعالى بالإحسان إلى ذي القربى، ومن أعظم الإساءة أن يراه يموت جوعا وعُرْيًا، وهو قادر على سد خلته، وستر عورته؛ ولا يطعمه لقمة ولا يستر له عورة إلا بأن يقرضه ذلك في ذمته.
وهذا الحكم من النبي – صلى الله عليه وسلم – مطابق لكتاب الله تعالى حيث يقول: والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف لا تكلف نفس إلا وسعها لا تضار والدة بولدها ولا مولود له بولده وعلى الوارث مثل ذلك البقرة/233.
فأوجب سبحانه على الوارث مثل ما أوجب على المولود له، وبمثل هذا الحكم حكم أمير المؤمنين عمر بن الخطاب. فروى سفيان بن عيينة عن ابن جريج عن عمرو بن شعيب عن سعيد بن المسيب أن عمر حبس عصبة صبي على أن ينفقوا عليه، الرجال دون النساء” انتهى من “زاد المعاد” (6/147).
ثانياً:
النفقة على الأقارب تجب على كل من كان وراثاً لشخص؛ إن كان فقيراً، وكان المنفق قادراً على الإنفاق.
ثم هم على في وجوب النفقة، على قدر منزلتهم من القرابة، الأقرب فالأقرب.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في باب نفقة الأقارب:
“الأصول: مَنْ تفرعت منهم من آباء وأمهات.
والفروع: مَنْ تفرعوا منك من أبناء وبنات”
ثم قال:
“واعلم أن هذا الباب -باب النفقة- كباب تحريم النكاح، لا يفرق فيه بين جهة الأبوة وجهة الأمومة، فالأصول والفروع سواء كانوا من ذوي الأرحام، أو عصبة، أو أصحاب فروض، تجب النفقة لهم، لكن بشروط” انتهى من “الشرح الممتع” (13/498-499).
وقد نص العلماء على شروط النفقة الواجبة على الأقارب
قال ابن قدامة رحمه الله: “ويشترط لوجوب الإنفاق ثلاثة شروط:
أحدها: أن يكونوا فقراء، لا مال لهم، ولا كسب يستغنون به عن إنفاق غيرهم، فإن كانوا موسرين بمال أو كسب يستغنون به، فلا نفقة لهم؛ لأنها تجب على سبيل المواساة، والموسر مستغن عن المواساة.
الثاني: أن يكون لمن تجب عليه النفقة ما ينفق عليهم، فاضلا عن نفقة نفسه، إما من ماله، وإما من كسبه. فأما من لا يفضل عنه شيء، فليس عليه شيء؛ لما روى جابر، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: “إذا كان أحدكم فقيرا، فليبدأ بنفسه، فإن فضل، فعلى عياله، فإن كان فضل، فعلى قرابته.
الثالث: أن يكون المنفق وارثا؛ لقول الله تعالى: وعلى الوارث مثل ذلك. ولأن بين المتوارثين قرابة تقتضى كون الوارث أحق بمال الموروث من سائر الناس، فينبغي أن يختص بوجوب صلته بالنفقة دونهم” انتهى من “المغني” (11/ 374) .
وفي اشتراط أن يكون المنفق وارثا خلاف بين العلماء؛ فمنهم من أوجب النفقة للقريب المحتاج، ولو لم يكن بينهما توارث.
قال الشيخ ابن باز رحمه الله : “في القرآن حث على النفقة مطلقًا، فالأقارب المحتاجون ينفق عليهم من دون شرط الإرث، فلو كان له أخ وله أولاد، فهو لا يرثه لأجل أولاده البنين، ولكن إذا كان فقيرًا وأولاده فقراء، وأخوه موسر وعنده فضل وجب عليه أن ينفق ، هذا من صلة الرحم، والله جل وعلا أمر بصلة الرحم وتوعد من قطع الرحم قال: فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ (22) أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ محمد/22-23، وقال النبي عليه الصلاة والسلام: (لا يدخل الجنة قاطع رحم) ، فالقطيعة من كبائر الذنوب، وهل أشد من أن يراه فقيرًا عاجزًا ولا ينفق عليه، أي قطيعة فوق هذه القطيعة أن يرى أخاه أو عمه أو أباه أو أمه فقراء ضعفاء عاجزين وعنده مال وعنده سعة وعنده فضل ولا ينفق عليهم ، هذا من أكبر القطيعة ومن أظهر القطيعة” موقع الشيخ ابن باز.
ثالثاً:
الاعتناء بعمك إذا مرض من أعظم البر والصلة للأرحام الذين أمر الله بصلتهم والإحسان إليهم في قوله تعالى: وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ الآية النساء/36.
وقال صلى الله عليه وسلم: (ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليصل رحمه) رواه البخاري (5787).
وقال أبو العباس القرطبي، رحمه الله، في قوله تعالى: ( فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ ) محمد/22:
” قال قتادة: معنى الآية: فلعلكم – أو يخاف عليكم – إن أعرضتم عن الإيمان أن تعودوا إلى الفساد في الأرض بسفك الدماء.
قلت: وعلى هذا؛ فتكون الرحم المذكورة هنا: رحم دين الإسلام والإيمان، التي قد سماها الله: إخوة بقوله: إِنَّمَا المُؤمِنُونَ إِخوَةٌ.
وقال الفراء: نزلت هذه الآية في بني هاشم وبني أمية.
وعلى هذا؛ فتكون رحم القرابة.
وعلى هذا؛ فالرحم المحرم قطعها، المأمور بصلتها على وجهين؛ عامة، وخاصة.
فالعامة: رَحِمُ الدين. وتجب مواصلتها بملازمة الإيمان، والمحبة لأهله، ونصرتهم، والنصيحة لهم، وترك مضارَّتِهم، والعدل بينهم، والنَّصَفة في معاملتهم، والقيام بحقوقهم الواجبة، كتمريض المرضى، وحقوق الموتى؛ من غسلهم، والصلاة عليهم، ودفنهم، وغير ذلك من الحقوق المترتبة لهم.
وأما الرحم الخاصة: فتجب لهم الحقوق العامة، وزيادة عليها؛ كالنفقة على القرابة القريبة، وتفقد أحوالهم، وترك التغافل عن تعاهدهم في أوقات ضروراتهم.
وتتأكد في حقهم حقوق الرحم العامة، حتى إذا تزاحمت الحقوق، بدئ بالأقرب فالأقرب” انتهى، من “المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم” (6/526).
وقال النووي رحمه الله: “صلة الرحم: هي الإحسان إلى الأقارب على حسب الواصل والموصول، فتارة تكون بالمال، وتارة تكون بالخدمة، وتارة تكون بالزيارة، والسلام، وغير ذلك” انتهى من ” شرح مسلم” (2/201).
وخلاصة القول: فإنّ النفقة على العم واجبة إن لم يكن له مال ولا يستطيع التكسب، أو لم يجد وسيلة إليه، وليس لديه منفق أقرب منك من حيث القرابة. أو قصّر من هو أقرب منك في النفقة.
كما أن القيام بمصالح الأرحام من أعظم البر والصلة التي أمر الله بها ورسوله.
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب