0 / 0

ما وجه ندب الصحابيات من قُتل من آبائهن في بدر مع النهي عن ندب الميت؟

السؤال: 535762

كيفية الجمع بين حديث تحريم الندب والنياحة للميت، وحديث عَنْ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذٍ رضي الله عنها قَالَتْ : “دَخَلَ عَلَيَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَدَاةَ بُنِيَ عَلَيَّ، فَجَلَسَ عَلَى فِرَاشِي كَمَجْلِسِكَ مِنِّي، وَجُوَيْرِيَاتٌ يَضْرِبْنَ بِالدُّفِّ ، يَنْدُبْنَ مَنْ قُتِلَ مِنْ آبَائِهِنَّ يَوْمَ بَدْرٍ”.

ملخص الجواب

أقر النبي صلى الله عليه وسلم هؤلاء الجويريات على الندب وسماع الكبار لهن، إما لأنه ليس من الندب المنهي عنه، بل هو شعر على وجه الرثاء، وإما لكونه وقع قبل النهي عن النياحة.

موضوعات ذات صلة
الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

روى البخاري (4001) عَنِ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذٍ، قالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم غَداةَ بُنِيَ عَلَيَّ، فَجَلَسَ على فِراشِي كَمَجْلِسِكَ مِنِّي، وَجُوَيْرِياتٌ يَضْرِبْنَ بِالدُّفِّ، يَنْدُبْنَ مَنْ قُتِلَ مِنْ آبائِهِنَّ يَوْمَ بَدْرٍ، حَتَّى قالَتْ جارِيَةٌ:

وَفِينا نَبِيٌّ يَعْلَمُ ما فِي غَدٍ …

فَقالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: لَا تَقُولِي هَكَذا، وَقُولِي ما كُنْتِ تَقُولِينَ .

قد يستشكل هذا الحديث بأنه ورد في هذا الحديث: ( يَنْدُبْنَ مَنْ قُتِلَ مِنْ آبائِهِنَّ يَوْمَ بَدْرٍ ) والنبي صلى الله عليه وسلم أقرّهن عليه وأقر سماعه ولم ينههن، وأهل العلم يذكرون النهي عن الندب.

جاء في “الموسوعة الفقهية الكويتية” (40 / 128):

” يحرم ندب الميت بتعديد شمائله، وهي: ما اتصف به الميت من الطبائع الحسنة، كقولهم: واكهفاه، واجبلاه، ونحو ذلك لحديث: ( مَا مِنْ مَيِّتٍ يَمُوتُ فَيَقُومُ بَاكِيهِ فَيَقُولُ: وَاجَبَلَاهْ! وَاسَيِّدَاهْ! أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ، إِلَّا وُكِّلَ بِهِ مَلَكَانِ يَلْهَزَانِهِ: أَهَكَذَا كُنْتَ؟ ) ” انتهى.

ويزول هذا الاشكال بأحد وجهين:

الوجه الأول:

أن الندب المنهي عنه، هو ما كان على وجه النياحة، من رفع الصوت بنداء الميت والبكاء، وإظهار الجزع وعدم الصبر أو الكذب في وصف الميت.

قال ابن قدامة رحمه الله تعالى:

” وأمّا النّدب: فهو تعداد محاسن الميّت، وما يلقون بفقده بلفظ النّداء؛ إلّا أنّه يكون بالواو مكان الياء، وربّما زيدت فيه الألف والهاء، مثل قولهم: وارَجُلَاه واجبلاه، واانقطاع ظهراه. وأشباه هذا.

والنّياحة، وخمش الوجوه، وشقّ الجيوب، وضرب الخدود، والدّعاء بالويل والثّبور.

فقال بعض أصحابنا: هو مكروه…

وظاهر الأخبار تدلّ على تحريم النّوح، وهذه الأشياء المذكورة؛ لأنّ النّبي صلى الله عليه وسلم نهى عنها في حديث جابر؛ لقول اللّه تعالى: ( وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ ). قال أحمد: هو النّوح.

ولَعَنَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم النَّائِحَةَ والمُسْتَمِعَةَ. وقالت أمّ عطيّة: ( أخَذَ علينا رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عندَ البَيْعَةِ أنْ لا نَنُوحَ ). متّفق عليه. وعن أبي موسى: ( أنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم بَرِئَ من الصَّالِقَةِ، والحالِقَةِ، والشَّاقَّةِ ). والصَّالِقة: التي ترفع صوتها. وعن ابن مسعودٍ: أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ( لَيْسَ مِنَّا مَنْ ضَرَبَ الخُدُودَ، وشَقَّ الجُيُوبَ، ودَعَا بِدَعْوَى الجَاهِليَّةِ ). متّفق عليه. ولأنّ ذلك يشبه التّظلّم والاستغاثة والسّخط بقضاء الله ” انتهى. “المغني” (3 / 489 — 492).

وأما وضع الشعر في الميت، على وجه ذكر محاسنه ومناقبه، من غير بكاء ولا لطم، ولا تهييج للبكاء والحزن ولا كذب، فهذا من الرثاء المشروع المشهور بين المسلمين على مر القرون ولم يثبت فيه نهي، كما سبق بيانه في جواب السؤال رقم: (82357).

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى:

“قوله: ( يَنْدُبْنَ مَنْ قُتِلَ مِنْ آبائِهِنَّ يَوْمَ بَدْرٍ ): أي يرثينهم، والنُّدبة: تُختص بالثناء على الميت ” انتهى. “هدي الساري” (ص194).

ويدل على أنه على وجه شعر الرثاء لا الندب المنهي عنه، أنهن كن ينشدن شعرا في عرس، والعرس من شأنه الفرح، لا البكاء والصياح.

فيتلخص من ذلك: أنهن كنت يتغنين بهذه الأشعار التي يعرفنها، ويستحسن ما فيها من القول والمعنى؛ من غير قصد خصوص النوح بذلك؛ لأن المجلس لم يكن مجلس نوح، ولا مما يلائمه حال النائحات. وهذا ظاهر، إن شاء الله.

الوجه الثاني:

لو فرض أن هذا الندب كان على وجه النياحة وتهييج الحزن المنهي عنه، فإن هذا كان بعد غزوة بدر، و النهي عن الندب متأخر بعد غزوة أحد، كما روى ابن ماجه (1591): عن عَبْد اللَّهِ بْن وَهْبٍ، أَخبَرنَا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ: ” أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَرَّ بِنِسَاءِ عَبْدِ الْأَشْهَلِ يَبْكِينَ هَلْكَاهُنَّ يَوْمَ أُحُدٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: لَكِنَّ حَمْزَةَ لَا بَوَاكِيَ لَهُ، فَجَاءَ نِسَاءُ الْأَنْصَارِ يَبْكِينَ حَمْزَةَ، فَاسْتَيْقَظَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: وَيْحَهُنَّ، مَا انْقَلَبْنَ بَعْدُ؟ مُرُوهُنَّ فَلْيَنْقَلِبْنَ، وَلَا يَبْكِينَ عَلَى هَالِكٍ بَعْدَ الْيَوْمِ .

قال الشيخ شعيب رحمه الله تعالى في تعليقه على “السنن” (2/525):

” إسناده حسن، أسامة بن زيد -وهو الليثي- صدوق حسن الحديث إلا عند المخالفة، وقد روى له مسلم في الشواهد، مما يرويه عنه ابن وهب، وهي نسخة صالحة كما ذكر ابن عدي ” انتهى.

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى:

” ونقل ابن قدامة، عن أحمد رواية: أنّ بعض النّياحة لا تحرم. وفيه نظر، وكأنّه أخذه من كونه صلى الله عليه وسلم لم ينه عمّة جابر، لمّا ناحت عليه … وفيه نظر، لأنّه صلى الله عليه وسلم إنّما نهى عن النّياحة بعد هذه القصّة؛ لأنّها كانت بأُحُد …

وذلك بيّن، فيما أخرجه أحمد وابن ماجه وصحّحه الحاكم من طريق أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: ( إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَرَّ بِنِسَاءِ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ يَبْكِينَ هَلْكَاهُنَّ يَوْمَ أُحُدٍ … وَلَا يَبْكِينَ عَلَى هَالِكٍ بَعْدَ الْيَوْمِ.

وله شاهد أخرجه عبد الرّزّاق من طريق عكرمة مرسلا، ورجاله ثقات ” انتهى. “فتح الباري” (3/161).

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

answer

موضوعات ذات صلة

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android