قال صلى الله عليه وسلم: ( ما من رجلٍ يسلِّمُ عليَّ إلَّا ردَّ اللَّهُ عليَّ روحي حتَّى أردَّ عليهِ السَّلامَ)، هل هذا خاص عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم، أو في أي مكان، حتى في التشهد في الصلاة؟
وهل قولنا اللهم صل وسلم على محمد يدخل في هذا الحديث، أم هذا خاص بالسلام؟
أولا:
السلّام على النبي صلى الله عليه وسلم الذي يردّ عليه: لا يختص بسلام من يقف عند قبره صلى الله عليه وسلّم، ويسلم عليه؛ بل هو عام في سلام كل مسلم عليه من المسلمين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، في أي مكان كان من الأرض.
ففي حديث أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( مَا مِنْ أَحَدٍ يُسَلِّمُ عَلَيَّ، إِلَّا رَدَّ اللَّهُ عَلَيَّ رُوحِي حَتَّى أَرُدَّ عَلَيْهِ السَّلَامَ).
رواه أبو داود (2041)، وجوّد اسناده العراقي في "تخريج الإحياء" (2 / 764)، وحسنه الشيخ الألباني في "السلسلة الصحيحة" (5/338).
ولم يقيد في لفظ الحديث، كما هو ظاهر، بكون السلام عند قبره الشريف.
وجاء ما ينص على أن سلام البعيد يبلغه، صلى الله عليه وسلم:
فقد روى الإمام أحمد في "المسند" (7/260)، والنسائي (1282)، وابن حبان "الإحسان" (3 / 195): عَنْ سُفْيَانَ ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ السَّائِبِ ، عَنْ زَاذَانَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ( إِنَّ لِلهِ مَلَائِكَةً سَيَّاحِينَ فِي الْأَرْضِ، يُبَلِّغُونِي مِنْ أُمَّتِي السَّلَامَ ).
وقال محققو المسند: " إسناده صحيح، رجاله ثقات رجال الصحيح " انتهى.
قال عبد الحق الدهلوي رحمه الله تعالى:
" قد اختلفوا في أن هذا الردَّ مخصوص بزائري القبر الشريف، يدخلون في حضرته ويسلمون، كالداخل في المجلس، أو عام لكل من يُسلِّم كما في التشهد وغيره؟
والظاهر: العموم، وهو القول الصحيح …" انتهى. "لمعات التنقيح" (3/62).
وقال الشوكاني رحمه الله تعالى:
" ولكن ليس فيه ما يدل على اعتبار كون المسلم عليه على قبره، بل ظاهره أعم من ذلك " انتهى. "نيل الأوطار" (9/415).
فالأمر كما قال المناوي رحمه الله تعالى:
" ومن خص الرد بوقت الزيارة: فعليه البيان" انتهى. "التيسير بشرح الجامع الصغير" (2/ 357).
ولهذا روى سعيد منصور في "سننه" قال: حدثنا عبد العزيز بن محمد أخبرني سهيل بن أبي سهيل قال:
رآني الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب عند القبر، فناداني وهو في بيت فاطمة يتعشى، فقال: هلم إلى العشاء، فقلت: لار أريده.
فقال: ما لي رأيتك عند القبر؟
فقلت: سلمت على النبي صلى الله عليه وسلم.
فقال: إذا دخلت المسجد، فسلم عليه.
ثم قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا تتخذوا بيتي عيداً ولا بيوتكم قبوراً لعن الله اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد، وصلوا علي فإن صلاتكم تبلغني حيثما كنتم).
ثم قال الحسن للرجل في تمام تعليمه وبيانه له: "ما أنتم ومن بالأندلس منه إلا سواء"!!
نقله بإسناده، عن سنن سعيد بن منصور: ابن عبد الهادي في "الصارم المنكي" (122)، وشيخه شيخ الإسلام في "اقتضاء الصراط المستقيم" (2/172). وانظر: "أحكام الجنائز" للألباني (220).
ثانيا:
الردّ ورد مختصا بالسلام، وهذا في حديث أبي هريرة السابق.
أما الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم فلها فضل آخر، فعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ( إِذَا سَمِعْتُمُ الْمُؤَذِّنَ، فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ ثُمَّ صَلُّوا عَلَيَّ، فَإِنَّهُ مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى الله عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا ...) رواه مسلم (384).
لكن الذي يبلغه صلى الله عليه وسلم هو السلام والصلاة جميعا.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:
" والأحاديث عنه بأن صلاتنا وسلامنا تعرض عليه: كثيرة " انتهى. "اقتضاء الصراط المستقيم" (2/173).
كما في حديث أَوْسِ بْنِ أَوْسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( إِنَّ مِنْ أَفْضَلِ أَيَّامِكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ: فِيهِ خُلِقَ آدَمُ، وَفِيهِ قُبِضَ، وَفِيهِ النَّفْخَةُ، وَفِيهِ الصَّعْقَةُ، فَأَكْثِرُوا عَلَيَّ مِنَ الصَّلَاةِ فِيهِ، فَإِنَّ صَلَاتَكُمْ مَعْرُوضَةٌ عَلَيَّ.
قَالَ: قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ! وَكَيْفَ تُعْرَضُ صَلَاتُنَا عَلَيْكَ وَقَدْ أَرِمْتَ - يَقُولُونَ: بَلِيتَ -؟ فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ حَرَّمَ عَلَى الْأَرْضِ أَجْسَادَ الْأَنْبِيَاءِ).
رواه أبو داود (1047)، والنسائي (1374) وابن ماجه (1085)، وصححه الألباني في "صحيح سنن أبي داود" (4 / 214)، وقال: " إسناده صحيح على شرط مسلم... وصححه ابن حبان أيضا والنووي " انتهى.
وكما في حديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نَافِعٍ، أَخْبَرَنِي ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ( لَا تَجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قُبُورًا، وَلَا تَجْعَلُوا قَبْرِي عِيدًا، وَصَلُّوا عَلَيَّ فَإِنَّ صَلَاتَكُمْ تَبْلُغُنِي حَيْثُ كُنْتُمْ ) رواه الإمام أحمد في "المسند" (14 / 403)، وأبو داود (2042)، وصحح إسناده الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (6 / 488)، وحسنه محققو المسند.
ثم الجمع بينهما هو الأفضل، لجمع القرآن بينهما في الأمر.
قال الله تعالى:
( إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ) الأحزاب /56.
والله أعلم.