أريد أن أسأل هل كان النبي صلى الله عليه وسلم أقرن الحاجبين أم لا، مع ما يدل على ذلك في صحيح الأحاديث؟
هل كان الرسول صلى الله عليه وسلم أقرن الحاجبين؟
السؤال: 539234
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولا:
ورد في صفة حاجبي النبي صلى الله عليه وسلم حديثان بينهما اختلاف في صفة حاجبيه صلى الله عليه وسلم.
الحديث الأول: حديث أم معبد رضي الله عنها، في قصة الهجرة، فقد قالت في وصفه صلى الله عليه وسلم أنه كان: "أزجَّ أقرَن"، فمعنى أقرن: أن حاجبيه كانا مقرونَين متصلَين، صلى الله عليه وسلم.
وقد رواه الحاكم في "المستدرك" (3/9-10)، والطبراني في "الكبير" (4/48)، والبغوي في "شرح السنة" (13/261) وغيرهم.
وللحديث طرق مختلفة، لا يخلو طريق منها من ضعف، وبين الطرق بعض اختلاف أيضا. قال الشيخ الألباني، رحمه الله، في "تخريج المشكاة" (5934) بعد أن أشار إلى ضعف الحديث: "وقد يرتقي الحديثُ إلى الحُسن أو الصحة بطرقٍ ساقها الحاكم" انتهى.
والحديث الثاني: حديث هند بن أبي هالة في وصف النبي صلى الله عليه وسلم، وفيه قال هندُ: (أزجَّ الحواجب، سوابغَ من غير قرَن، بينهما عِرق يدِرُّه الغضب)، ففيه أن الحاجبين غيرُ مقرونَين ولا متصلين.
رواه الترمذي في "الشمائل" (7)، والطبراني في "المعجم الكبير" (22/155)، وأبو نعيم في "الدلائل" (565) والبيهقي في "الدلائل" (1/285) وغيرهم، وقال الألباني في "مختصر الشمائل" (6): "ضعيف جدًّا"، وبيَّن علته في "الصحيحة" (5/85).
قال البغوي رحمه الله في "شرح السنة" (13/267) في شرح حديث أم معبد:
"قولها: (أزجَّ أقرنَ) فالزّج في الحاجب: تقوس فيها مع طول في أطرافها وسبوغ فيها، والقرَن: التقاء الحاجبين، ويُروى في صفته عليه السلام خلافُه، عند هند بن أبي هالة: (أزجّ الحواجب، سوابغ من غير قرن)". انتهى.
والحديثان ضعيفان عند عدد من المحققين من أهل العلم، لكنهما حديثان مشهوران في كتب السيرة والشمائل، ولا حرج في ذلك، حيث لا يتعلقان بالحلال ولا الحرام، ولا ينبني عليهما اعتقاد ولا عمل، فالعلماء يروون ذلك، لأنه المشهور الوارد إذا لم يكن فيه معنى منكر.
ثانيًا:
رجَّح عدد من العلماء وصفَ هند بن أبي هالة لحاجبي النبي صلى الله عليه وسلم السابق في الحديث الثاني، وفيه أن الحاجبَين منفصلان غير مقرونين، وذلك لأن اقتران الحاجبين واتصالهما لم يكن محمودًا عند العرب، ويبعد أن يكون شيء من صفته صلى الله عليه وسلم كذلك.
وحاول بعض العلماء الجمع بين الوصفين بأن الفرجة بين الحاجبين كانت يسيرة لا تَظهر إلا للمتحقق.
قال الأصمعي في "خلق الإنسان" (ص180): "وفي الحاجبَين القرَن؛ وهو أن يطول الحاجبان حتى يلتقي طرفاهما، … وفي الحاجبين البلَج؛ وهو أن ينقطع الحاجبان، فيكون ما بينهما نفِيًّا من الشعر … والعرب تستحبُّ البلج وتمدح به، ويكرهون الغمَم" انتهى باختصار.
فلذلك قال ابن قتيبة في "غريب الحديث" (1/491) عن حديث هند بن أبي هالة: "… ثم وصف الحواجب فقال: (سوابغ في غير قرَن)، والقرَن: أن يطول الحاجبان حتى يلتقي طرفاهما، وهذا خلاف ما وصفَتْه به أم معبد، لأنها قالت في وصفه: (أزجَّ أقرن)، ولا أراه إلا كما ذكر ابنُ أبي هالة.
وقال الأصمعيُّ: كانت العرب تكره القرَن، وتستحب البلَج، والبلج أن ينقطع الحاجبان فيكون ما بينهما نفيًّا"، انتهى.
وقال الحافظ ابن ناصر الدين في شرحه لحديث أم معبَد:
"وقولها (أقرَن): … هو المقرون الحاجبين، ومعناه معنى الأقرن، وهو المتصل رأسي حاجبيه مما يلي أعلى الأنف، وهو غير محمودٍ عند العرب.
ووَصْفه صلى الله عليه وسلم بالقرن في هذا؛ غيرُ المعروف من صفته صلى الله عليه وسلم، قال أبو عبيد: ولم نسمع بهذه الكلمة في شيء من صفته صلى الله عليه وسلم إلا في هذا الحديث، إنما صفته في الحاجبين البلج. انتهى.
ونفي القرَن في صفته صلى الله عليه وسلم هو الصحيح، كما جاء في حديث هند بن أبي هالة وغيره.
قيل: ويمكن الجمع بينهما على أنه لم يكن بالأقرن ظاهرًا، ولا بالأبلج إذا تحقق، بل كان بين حاجبيه فرجة يسيرة، لا يتبين اتصال شعر الحاجبين فيها إلا لمن حقَّق النظر إليها، كما ذكر في صفة أنفه صلى الله عليه وسلم فقال: يحسبه من لم يتأمله أشم، ولم يكن أشم، قاله بعضهم بنحوه"، انتهى من "جامع الآثار" (4/340) باختصار يسير، وينظر "سبل الهدى والرشاد" (2/22).
وكون حاجبي رسول الله صلى الله عليه وسلم غير مقرونين، هو ما صححه ابن الأثير أيضًا، كما في "النهاية في غريب الحديث" (4/54).
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب