قرأت مؤخرا: قال أَبو كريب، قال: ثنا عبد الله بن موسى، عن إسرائيل، عن السدي، عن أَبي صالح، عن أم هانئ، قالت: " خطبني النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم فاعتذرت له بعذري، ثم أنـزل الله عليه ( إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ ...) إلى قوله ( اللاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ ) قالت: فلم أُحل له؛ لم أهاجر معه، كنت من الطلقاء"؟
فلم أفهم هل هذا بعد نزول اية ٥٢ من سورة الأحزاب: ( لَّا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِن بَعْدُ وَلَا أَن تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ ۗ وَكَانَ اللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ رَّقِيبًا (52)، التي في معناها أن الله تعالى منع نبيه صلي الله عليه وسلم من التزوج علي زوجاته رضي الله عنهن وقتها.
فسؤالي هو:
متي كانت خطبة أم هانئ هل كانت قبل الآية ٥٢ من سورة الأحزاب، أم بعدها، أم بعد الآية ٥٠ من سورة الأحزاب؟
هذا الحديث رواه الترمذي (3214) والطبري في "التفسير"، والحاكم في "المستدرك" (2 / 420) و (4 / 53)، وغيرهم:
عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنِ السُّدِّيِّ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أُمِّ هَانِئٍ بِنْتِ أَبِي طَالِبٍ، قَالَتْ: خَطَبَنِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَاعْتَذَرْتُ إِلَيْهِ، فَعَذَرَنِي، ثُمَّ أَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى: ( إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالاتِكَ اللاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ ) الْآيَةَ قَالَتْ، فَلَمْ أَكُنْ أَحِلُّ لَهُ، لِأَنِّي لَمْ أُهَاجِرْ؛ كُنْتُ مِنَ الطُّلَقَاءِ.
وقال الترمذي: " هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ، لَا أَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مِنْ حَدِيثِ السُّدِّيِّ " انتهى.
وقال الحاكم: " هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ " انتهى.
لكن هذا الخبر تفرّد به إِسْرَائِيل، عَنِ السُّدِّيِّ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ.
وأبو صالح هو باذام مولى أم هانئ، وقد ضُعِّف.
قال الذهبي رحمه الله تعالى:
" باذام أبو صالح، ضعفه البخاري، وقال يحيى القطان: لم أر أحدا من أصحابنا تركه " انتهى. "المغني" (1 / 100).
وقال أيضا:
" أبو صالح مولى أم هانئ اسمه باذام، ترك ابن مهدي حديثه، وقال أبو أحمد الحاكم: ليس بالقوي عندهم " انتهى. "المغني" (2 / 791).
ولخّص حاله الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى، بقوله:
" باذام أبو صالح، مولى أم هانئ، ضعيف يرسل " انتهى. "تقريب التهذيب" (ص 120).
ولذا نص على ضعف هذا الخبر جمع من أهل العلم.
قال ابن العربي رحمه الله تعالى:
" وهو ضعيف جدا، ولم يأت هذا الحديث من طريق صحيح يحتج في مواضعها بها " انتهى. "أحكام القران" (3 / 1553).
وقال الذهبي رحمه الله تعالى، بعد ذكره للحديث:
" قلت: أبو صالح باذام متكلم فيه " انتهى. "المهذب في اختصار السنن الكبير" (5 / 2619).
ثانيا:
ومما ينبغي التنبه إليه أن ما ورد في قول الله تعالى:
( لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلَا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيبًا ) الأحزاب (52): قد اختلف أهل التفسير في تأويل قوله تعالى (مِنْ بَعْدُ).
قال ابن الجوزي رحمه الله تعالى: "وفي قوله تعالى: ( مِنْ بَعْدُ )، ثلاثة أقوال:
أحدها: من بعد نسائك اللواتي خيرتَهُنَّ فاخترن الله تعالى ورسولَه، قاله ابن عباس، والحسن، وقتادة في آخرين، وهنّ التّسع، فصار مقصورا عليهنّ، ممنوعا من غيرهن. وذكر أهل العلم أن طلاقه لحفصة، وعزمه على طلاق سودة كان قبل التخيير.
والثاني: من بعد الذي أحللنا لك، فكانت الإِباحة بعد نسائه، مقصورة على المذكور في قوله تعالى: ( إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ )، إِلى قوله تعالى: ( خَالِصَةً لَكَ )، قاله أُبيُّ بن كعب، والضحاك.
والثالث: لا تحلّ لك النساء غير المسلمات كاليهوديّات والنصرانيّات والمشركات، وتحلّ لك المسلمات، قاله مجاهد " انتهى. "زاد المسير" (6 / 409).
وعلى القول الأول، بأن (مِنْ بَعْدُ) المقصود بها بعد نسائه اللواتي عقد عليهن، وأصبحن في عصمته قبل نزول هذه الآية، فقد ذهب جمع من أهل العلم إلى أن هذه الآية حكمها قد نسخ، كما سبق بيانه في جواب السؤال رقم: (118492).
الخلاصة:
خبر أبي صالح هذا لا يصح لضعف راويه.
ثم إن مسألة هل كان محرما على النبي صلى الله عليه وسلم أن يتزوّج امرأة بعد نسائه اللاوتي كن في عصمته وهنّ تسع؟ هي محل خلاف بين أهل العلم، لاختلافهم في توجيه آية: ( لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ )، ولاختلافهم في نسخها.
والله أعلم.