هل تعدّ الفتاة العزباء إذا ماتت شهيدة؟
الشهداء ثلاثة أقسام مختلفة المراتب والأحكام، ذكرها الإمام النووي رحمه الله في "شرح صحيح مسلم" (2/ 164)، قال:
"الشهيد ثلاثة أقسام:
أحدها: المقتول في حرب الكفار، بسبب من أسباب القتال؛ فهذا له حكم الشهداء في ثواب الآخرة، وفي أحكام الدنيا، وهو أنه لا يغسل ولا يصلَّى عليه.
والثاني: شهيد في الثواب، دون أحكام الدنيا؛ وهو المبطون، والمطعون، وصاحب الهدم، ومن قتل دون ماله، وغيرهم ممن جاءت الأحاديث الصحيحة بتسميته شهيدًا؛ فهذا يغسل ويصلى عليه، وله في الآخرة ثواب الشهداء، ولا يلزم أن يكون مثل ثواب الأول.
والثالث: من غلَّ في الغنيمة، وشبهُهُ، ممن وردت الآثار بنفي تسميته شهيدًا، إذا قُتِل في حرب الكفار؛ فهذا له حكم الشهداء في الدنيا، فلا يغسل، ولا يصلى عليه، وليس له ثوابهم الكامل في الآخرة"، انتهى.
وممن جاء ذكره في الأحاديث أن له ثواب الشهيد: (المرأة تموت بجُمْعٍ):
فقد روى أبو داود (3111)، والنسائي في "الكبرى" (7529)، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (الشهادة سبع سوى القتل في سبيل الله: المطعون شهيد، والغرق شهيد، وصاحب ذات الجنب شهيد، والمبطون شهيد، وصاحب الحريق شهيد، والذي يموت تحت الهدم شهيد، والمرأة تموت بجُمْعٍ: شهيد)، وصححه الألباني.
وروى ابن ماجه (2803) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (القتل في سبيل الله شهادة، والمطعون شهادة، والمرأة تموت بجُمْع شهادة - يعني الحامل -، والغرق، والحرق، والمجنوب، - يعني ذات الجنب – شهادة)، وصححه الألباني في "صحيح ابن ماجه" (2279).
وقد ذكر العلماء في شرح (المرأة تموت بجُمْع) معنيين:
الأول: أنها المرأة الحامل التي تموت وفي بطنها ولدها، وهو تفسير بعض رواة الحديث كما في رواية ابن ماجه السابقة، وحكاه أبو عبيد في "غريب الحديث" (1/ 125) عن أبي زيد والكسائي من أهل اللغة، وهو ما صححه النووي في "شرح مسلم" (13/ 63).
وقريب منه قول بعض الرواة: هي التي تموت في النفاس، كتفسير بعضهم في روايةٍ في مسند أحمد (22685)، فالمقصود أن الولد أو الولادة هو سبب موتها.
الثاني: أنها العذراء التي ماتت ولم يمسسها رجل، وهي التي يقال لها: لم تطمث.
ونقله أبو عبيد أيضًا في "غريب الحديث" (1/ 125)، قال: "وقال غيرهما [يعني غير أبي زيد والكسائي]: وقد تكون التي تموت بجُمْعٍ: أن تموت ولم يمسسها رجل؛ لحديثٍ آخر يُروى عن النبي صلي الله عليه وسلم مرفوعًا: أيما امرأة ماتت بجُمْع لم تطمث؛ دخلت الجنة"، انتهى.
لكن هذا الحديث الذي ذكره لا يصح، و(غطيف بن أبي سفيان) راويه عن النبي صلى الله عليه وسلم: تابعيٌّ وليس صحابيًا، كما قال أبو حاتم وأبو زرعة، فهو حديث مرسل، وينظر "الإصابة" لابن حجر (5/264).
ولخَّص هذين القولين (الحامل) و(العذراء): الهرويُّ في "الغريبين" (1/ 366)، ثم زاد: "ومثله قول امرأة العجاج: إني منه بجُمْعٍ، أي: عذراء لم يفتضّني"، انتهى.
وقال ابن الأثير في "النهاية" (1/296): "والمعنى: أنها ماتت مع شيءٍ مجموعٍ فيها، غير منفصل عنها، من حملٍ، أو بكارة"، انتهى.
وذكر ابن منظور في "لسان العرب" (8/ 56) شواهد على المعنيين.
وقال الإمام البغوي في "شرح السنة" (5/ 435): "قوله: (تموت بجُمْعٍ): هي أن تموت وفي بطنها ولد، و[قد] تكون التي تموت ولم يمسها رجل"، انتهى.
ونحو ذلك قال ابن عبد البر في "التمهيد" (19/ 207)، وابن الملقن في "التوضيح" (17/ 460)، وغيرهم.
فالحاصل:
أنه جاء في الحديث أن ممن يؤتيه الله أجر الشهادة: (المرأة تموت بجُمْع)، وفي كلام العرب وشراح الحديث ما يفسر ذلك بأنها التي تموت بسبب الحمل، أو التي تموت عزباء لم يمسسها رجل، وفضل الله واسع لا حجر عليه، ولا راد لفضله تعالى، فإذا ماتت المرأة وهي موصوفة بأحد الوصفين، وكانت محتسبة صابرة مطيعة لله؛ فيرجى لها ثواب الشهداء إن شاء الله.
والله أعلم.