0 / 0

متزوجة من آخر وترغب بالاستقرار في بلاد الكفر فهل لها حق حضانة ابنتها ؟

السؤال: 96716

لدي طفلة تبلغ من العمر 5 سنوات ، وأنا ووالدها منفصلان ، لقد قمت بتنشأتها منذ ولادتها ؛ لأن والدها لم يكن موجوداً معنا كثيراً ، أنا الآن متزوجة من أمريكى ، وأعيش بكندا ، وأرغب في الذهاب لأمريكا مصطحبة معي طفلتي ، لكن زوجي السابق يريد أن يأخذها مني ، وللأسف فقد أحيل الأمر الآن للقضاء ؛ لأنه كان يعاقبني دائما عندما أرغب فى السفر مع ابنتى ، ولابد أن أقوم دائما بالحصول على إذن من القاضي ، يساورني قلق شديد حيال ما إذا كنت أقوم بالأمر السديد ، لأنني لا أرغب في أن أفرِّق بين ابنتي ووالدها ، ولكني أعتقد أيضا أن ابنتي في حاجة أكبر إلى وجودها معي ؛ لأنه لم يكن دائم الوجود معها ، هو يقول الآن إنه لا يريد أن يقوم غرباء بتنشئة ابنته ، زوجي لديه ابن عم يبلغ من العمر 12 عاماً ، ويقوم بتربيته نظراً لوفاة والديه ، أشعر بحيرة شديدة ، ولا أعرف ماذا أفعل ، ربما يكون عليَّ الاختيار بين ابنتي وزوجي لأنه لا يريد أن ينتقل إلى هنا .
أرجو الرد في أسرع وقت ممكن ، وجزاك الله خيراً .

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولاً :
الإقامة في بلاد الكفر لمن كان له بلد مسلم يستطيع الإقامة فيها : لا تجوز ؛ لما نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم من الإقامة بين أظهر المشركين ؛ ولما فيه من مفاسد لا تُحصى على الدين والنفس والأهل والأولاد ، ومن يعش من المسلمين هناك فلا بدَّ أن يتأثر سلباً بتلك الديار إذا خالط أولئك الكفار في سكناهم وأعمالهم .
لذا فإنه يجب عليكِ السعي إلى ترك تلك الديار ، والهجرة إلى ديار الإسلام – على ما فيها من نقص – وقد ندم كثيرٌ من المسلمين على تفريطهم في هذا الأمر ، وطال عليهم الأمد فقست قلوبهم ، وكبر أولادهم فلم يفلحوا في تربيتهم ، ولا في إرجاعهم لبلاد المسلمين .

ثانياً :
أما بخصوص ابنتكِ : فاعلمي أن الشرع قد أعطى حضانة الأولاد بعد انفصال والديهم لأحسنهم ديناً وخُلقاً وقدرة على تربيتهم التربية الإسلامية الحسنة ، وهذا هو الراجح من أقوال أهل العلم ، ولا يُبحث عن الحنان والعاطفة دون غيرهما ، ولا على رجاحة العقل والحزم دون غيرهما ، بل لا بدَّ لمن يقوم بالحضانة أن يجمع مع هذا كله القدرة على تربية أولاده تربية إسلامية ، ومن كان عطوفاً على أولاده ، وتحمله رأفته بهم على أن يمنعهم من الصلاة أو الصيام ـ مثلا ـ فإنه لا يستحق أن يكون حاضناً ، ومن يربيهم في بيئة مختلطة ، ويمكِّنهم من مشاهدة وسماع المحرَّمات فلا يستحق الحضانة ، ما دام قادرا على أن يجنبهم ذلك ، وينقلهم إلى بيئة أخرى يأمنون فيها على أديانهم .
قال ابن القيم رحمه الله :
وسمعت شيخنا رحمه الله – أي : ابن تيمية – يقول :
تنازع أبوان صبيّاً عند بعض الحكام ، فخيَّره بينهما فاختار أباه ، فقالت له أمه : سله لأي شيء يختار أباه فسأله ، فقال : أمي تبعثني كل يوم للكتَّاب والفقيه يضربني ، وأبي يتركني للعب مع الصبيان ، فقضى به للأم قال : أنت أحق به .
قال شيخنا : وإذا ترك أحدُ الأبوين تعليم الصبي وأمره الذي أوجبه الله عليه : فهو عاص ، فلا ولاية له عليه، بل كل من لم يقم بالواجب في ولايته : فلا ولاية له عليه ، بل إما أن تُرفع يده عن الولاية ويقام من يفعل الواجب ، وإما أن يُضم إليه من يقوم معه بالواجب ، إذ المقصود : طاعة الله ورسوله بحسب الإمكان .
قال شيخنا : وليس هذا الحق من جنس الميراث الذي يحصل بالرحم والنكاح والولاء ، سواء كان الوارث فاسقاً أو صالحاً ؛ بل هذا من جنس الولاية التي لا بد فيها من القدرة على الواجب ، والعلم به ، وفعله بحسب الإمكان .
قال : فلو قُدِّر أن الأب تزوج امرأة لا تراعي مصلحة ابنته ، ولا تقوم بها ، وأمها أقوم بمصلحتها من تلك الضرَّة : فالحضانة هنا للأم قطعاً .
قال : ومما ينبغي أن يعلم أن الشارع ليس عنه نص عام في تقديم أحد الأبوين مطلقاً ، ولا تخيير الولد بين الأبوين مطلقاً ، والعلماء متفقون على أنه لا يتعين أحدهما مطلقاً بل لا يقدم ذو العدوان والتفريط على البَرِّ العادل المحسن ، والله أعلم .
” زاد المعاد ” ( 5 / 475 ، 476 ) .
وقال الشيخ محمد بن إبراهيم :
البنت الصغرى حضانتها لأمها ما لم تتزوج ، أو يكمل لها سبع سنين ؛ فتكون حضانتها لأبيها بشرط أن لا يلحقها ضرر ببقائها عند أبيها .
وأما الكبرى فحضانتها لأبيها ، ما لم يلحقها ضرر من بقائها عند ضرَّة أمها .
” فتاوى المرأة المسلمة ” ( 2 / 874 ) .
وبما أننا لا نعلم شيئاً عن حال زوجك : فإننا نُعلمك بالصواب من الأمر لتعلمي المستحق لحضانة ابنتك ، وظروفك التي ذكرتيها لا نراها تؤهلك لحضانة ابنتك ؛ فإن كانت ظروف والدها خيراً من ظروفك فهو أولى بالحضانة منك ، ويجب أن يكون الحكَم بينكما في ذلك على علم واطلاع على أحوال معيشتكما ، وطريقة تربيته لابنته .
على أنه ينبغي ـ أيضا ـ أن يكون للولد الذي ذكرت في السؤال أن زوجك يربيه اعتبار في شأن ابنتك ؛ فإن كنت تقصدين أن زوجك الأول ـ والد البنت ـ هو الذي يربيه ؛ فينبغي أن يكون في الاعتبار اختلاط ابنتك به ، فهو أجنبي عنها ، وإن كنت تقصدين أنه زوجك الحالي هو الذي يربي هذا الفتى ( ابن العم ) فهو مرجح آخر لأن تكون حضانة ابنتك لوالدها ؛ لأن اختلاطها بهذا الفتى الأجنبي عنها ـ وعنك أنت أيضا ـ فيه خطورة عليها وعلى تربيتها .

وهذا الذي ذكرناه وفصَّلناه هنا هو باعتبار خلو حالتك من موانع أخرى تمنعك من حضانة ابنتك ، والذي يظهر من حالتك هو وجود بعض تلك الموانع .

ثالثاً :
لو قيل بأنكِ الأولى من زوجك : فإن ذلك يقيَّد بكونكِ لم تتزوجي ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لتلك المرأة التي طلبت حضانة ولدها من زوجها – بعد أن طلقها – : ( أَنْتِ أَحَقُّ بِهِ مَا لَمْ تَنْكِحِي ) رواه أبو داود ( 2276 ) من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنه ، وحسَّنه الألباني في ” صحيح أبي داود ” .
وأمرٌ آخر يمنعكِ من الحضانة : وهو سفرك وانتقالك عن مكان سكنى زوجك السابق ، وهو والد ابنتك ، وعلى هذا اتفقت المذاهب .
ففي ” الموسوعة الفقهية ” ( 17 / 308 ، 309 ) :
مكان الحضانة هو المسكن الّذي يقيم فيه والد المحضون إذا كانت الحاضنة أمّه ، وهي في زوجيّة أبيه ، أو في عدّته من طلاق رجعيّ أو بائن ؛ ذلك أنّ الزّوجة ملزمة بمتابعة زوجها والإقامة معه حيث يقيم ، والمعتدّة يلزمها البقاء في مسكن الزّوجيّة حتّى تنقضي العدّة سواء مع الولد أو بدونه ؛ لقوله تعالى : ( لا تخرجوهنّ من بيوتهنّ ولا يخرجن إلاّ أن يأتين بفاحشة مبيّنة ) .
وإذا انقضت عدّة الأمّ : فمكان الحضانة هو البلد الّذي يقيم فيه والد المحضون أو وليّه ، وكذلك إذا كانت الحاضنة غير الأمّ ؛ لأنّ للأب حقّ رؤية المحضون ، والإشراف على تربيته ، وذلك لا يتأتّى إلاّ إذا كان الحاضن يقيم في بلد الأب أو الوليّ .
هذا قدر مشترك بين المذاهب ، وهو ما صرّح به الحنفيّة وتدلّ عليه عبارات المذاهب الأخرى .
أمّا مسألة انتقال الحاضن ، أو الوليّ إلى مكان آخر : ففيه اختلاف المذاهب ، وبيان ذلك كما يلي :
يفرّق جمهور الفقهاء – المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة – بين سفر الحاضنة ، أو الوليّ للنّقلة والانقطاع والسّكنى في مكان آخر ، وبين السّفر لحاجة كالتّجارة والزّيارة ، فإن كان سفر أحدهما ( الحاضنة أو الوليّ ) للنّقلة والانقطاع : سقطت حضانة الأمّ ، وتنتقل لمن هو أولى بالحضانة بعدها ، بشرط أن يكون الطّريق آمناً ، والمكان المنتقل إليه مأموناً بالنّسبة للصّغير ، والأب هو الأولى بالمحضون سواء أكان هو المقيم أم المنتقل ؛ لأنّ الأب في العادة هو الّذي يقوم بتأديب الصّغير ، وحفظ نسبه ، فإذا لم يكن الولد في بلد الأب ضاع ، لكن قيّد الحنابلة أولويّة الأب بما إذا لم يرد مضارّة الأمّ وانتزاع الولد منها ، فإذا أراد ذلك لم يجب إليه ، بل يعمل ما فيه مصلحة الولد .
انتهى
وعليه :
فإن سقوط حضانتك لابنتك له أسباب متعددة :
أولها : زواجكِ ، وقد سبق دليل ذلك .
وثانيها : سفرك سفر نقلة بعيداً عن والدها ، وقد سبق كلام الفقهاء في ذلك .
وثالثها : البيئة التي ستنتقلين إليها ، والتي لا يؤمن فيها تربية ابنتك تربية إسلامية صحيحة .
وانظري – لمزيدٍ من الفائدة – :
جواب السؤال رقم ( 20705 ) وفيه بيان : أنه إذا تزوجت المطلقة فليس لها حقٌ في الحضانة ، وفيه ترجيح قول شيخ الإسلام ابن تيمية أن الأب أولى بالحضانة بعد الأم .
وجواب السؤال رقم ( 5234 ) وفيه بيان : أن الأم أحق به من الأب ، ما لم يقم بالأم مانع من تقديمها .
وجواب السؤال رقم ( 9463 ) وفيه :
” وإن حصلت الفرقة فعلى المرأة أن تختار بين أولادها أو زوج آخر ، وتستخير الله في ذلك ، وتستعين به وتلجأ إليه بالدعاء والتضرع أن يهديها الصواب في ذلك ، وهذا هو حكم الإسلام في هذه المسألة .
وأما إن كان القانون في بلادكم يحكم بحضانة الأولاد للأم حتى لو تزوجت فهذا مخالف لحكم الشرع ولا يجوز ذلك … ” .

والفائدة الأخيرة هي ما كنا نود قوله لك ، وهو أنه لا يمكنك الجمع بين زوجٍ آخر ، وبتلك الظروف – السفر والبيئة – وبين ابنتك ، فاستخيري الله تعالى ، فإما أن تُبقي على زواجك الجديد ، وتتركي ابنتك عند والدها إن كان مأموناً موثوقاً ، أو تختاري ابنتك ويحصل طلاق من الثاني ، وقيام على تربية ابنتك التربية السليمة ، مع تمكين والدها من رؤيتها .

والله أعلم

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android