كيف ينتسب الأشراف إلى النبي صلى الله عليه وسلم ولم يكن له ولد ذكر؟
السؤال: 138509
لقد سمعت أن الأسياد من نسل النبي محمد صلى الله عليه وسلم ، من فضلك : اشرح لي كيف أن النبي محمدا صلى الله عليه وسلم لم يكن له ولد ، وأنا أعرف أن النسب يكون من الابن وليس من البنت ؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولا :
أحفاد الرسول صلى الله عليه وسلم وذريته الموجودون الآن كلهم من نسل ابنته فاطمة
رضي الله عنها ، ولكون الرسول صلى الله عليه وسلم سيد البشر وأشرفهم والنسبة إليه
شرف بلا شك ، صارت ذريته ينتسبون إليه ، ولا ينسبون إلى آبائهم ، وقد ذكر العلماء
أن ذلك من خصائصه صلى الله عليه وسلم .
واستدلوا على ذلك بعدة أدلة ، منها :
قوله صلى الله عليه وسلم : (فَاطِمَةُ بَضْعَةٌ مِنِّي) رواه البخاري (3714) ومسلم
(2449) .
قال
الشريف السمهودي :
“معلوم أن أولادها بضعة منها ، فيكونون بواسطتها بضعة منه صلى الله عليه وسلم ،
وهذا غاية الشرف لأولادها” انتهى .
نقله الألوسي في “روح المعاني” (26/165) .
ومنها : قول النبي صلى الله عليه وسلم عن الحسن بن علي رضي الله عنهما : (إِنَّ
ابْنِي
هَذَا
سَيِّدٌ
،
وَلَعَلَّ
اللَّهَ
أَنْ
يُصْلِحَ
بِهِ
بَيْنَ
فِئَتَيْنِ
عَظِيمَتَيْنِ
مِنْ
الْمُسْلِمِين) رواه البخاري (2704) .
فسمَّاه “ابنه” وهو ابن بنته فاطمة رضي الله عنهما .
قال
ابن القيم رحمه الله :
“المسلمون مجمعون على دخول أولاد فاطمة رضي الله عنها في ذرية النبي صلى الله عليه
وسلم المطلوب لهم من الله الصلاة ؛ لأن أحدا من بناته لم يعقب غيرها ، فمن انتسب
إليه صلى الله عليه وسلم من أولاد ابنته فإنما هو من جهة فاطمة رضي الله عنها خاصة
، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحسن ابن ابنته : (إن ابني هذا سيد)
فسماه ابنه ، ولما أنزل الله سبحانه آية المباهلة : (فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ
بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا
وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ
نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ ) آل عمران/61، دعا
النبي صلى الله عليه وسلم فاطمة وحسنا وحسينا وخرج للمباهلة ….
إلى
أن قال :
وأما دخول أولاد فاطمة رضي الله عنها في ذرية النبي صلى الله عليه وسلم فلشرف هذا
الأصل العظيم والوالد الكريم ، الذي لا يدانيه أحد من العالمين ، سرى ونفذ إلى
أولاد البنات لقوته وجلالته وعظيم قدره ، ونحن نرى من لا نسبة له إلى هذا الجناب
العظيم من العظماء والملوك وغيرهم تسري حرمة إيلادهم وأبوتهم إلى أولاد بناتهم ،
فتلحظهم العيون بلحظ أبنائهم ، ويكادون يضربون عن ذكر آبائهم صفحا ، فما الظن بهذا
الإيلاد العظيم قدره ، الجليل خطره ؟ ” انتهى باختصار.
”
جلاء الأفهام ” (ص/299-301) .
وجاء في “مغني المحتاج” (3/63) :
“فَائِدَةٌ : مِنْ خَصَائِصِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ أَوْلَادَ
بَنَاتِهِ يُنْسَبُونَ إلَيْهِ ، وَهُمْ الْأَشْرَافُ الْمَوْجُودُونَ ، وَمِنْهُمْ
الْهَاشِمِيُّونَ” انتهى .
وجاء في “الموسوعة الفقهية” (2/640) :
“ممّا اختصّ به رسول اللّه صلى الله عليه وسلم دون النّاس جميعاً أنّ أولاد بناته
ينتسبون إليه في الكفاءة وغيرها ، لقوله صلى الله عليه وسلم : (إنّ ابني هذا سيّد)”
انتهى .
وقال الحافظ ابن حجر الهيتمي الفقيه الشافعي :
“ثم
معنى الانتساب إليه الذي هو من خصوصياته صلى الله عليه وسلم : أنه يطلق عليه أنه أب
لهم ، وأنهم بنوه ، حتى يعتبر ذلك في الكفاءة ، فلا يكافىء شريفة هاشمية غير شريف .
[وهذا عند من اعتبر الكفاءة في النسب في النكاح ، فلا تتزوج شريفة بغير شريف إلا
برضاها ورضا جميع أوليائها . [وقد سبق الكلام على الكفاءة في النسب في جواب السؤال
رقم (65510)
وبيَّنَّا أن الصحيح من أقوال العلماء أنها غير معتبرة] .
ثم
قال ابن حجر : وقولهم : “إن بني هاشم والمطلب أكفاء” محله فيما عدا هذه الصورة .
وحتى يدخلوا في الوقف على أولاده والوصية لهم ، [ وهذه مسألة افتراضية ، لو أوقف
الرسول صلى الله عليه وسلم مالاً أو أوصى به وقال : هذا لأولادي ، دخل في أولاده
صلى الله عليه وسلم أولاد فاطمة وأولاد الحسن والحسين رضي الله عنهم، وهذا من فوائد
أنهم ينسبون إليه] .
وأما أولاد بنات غيره فلا تجري فيهم مع جدهم لأمهم هذه الأحكام .
نعم
، يستوي الجد للأب والأم في الانتساب إليهما من حيث تطلق الذرية والنسل والعقب
عليهم . ومن فوائد ذلك أيضاً : أنه يجوز أن يقال للحسنين : أبناء رسول الله صلى
الله عليه وسلم ، وهو أب لهما اتفاقا ، لقول الرسول صلى الله عليه وسلم في الحسن :
(إن ابني هذا سيد)” انتهى باختصار .
“الصواعق المرسلة” (4/462) لابن حجر الهيتمي .
وقد
استدل السيوطي رحمه الله على ذلك بأحاديث أخرى في كتابه “الخصائص الكبرى” (2/381) ،
غير أنها ضعيفة ، كما بَيَّن ذلك الحافظ ابن حجر رحمه الله في “التلخيص” (3/142) ،
والألباني في “السلسلة الضعيفة” (801 ، 4104 ، 4324) .
ثانياً :
هذا
الحكم ، وهو أن أحفاد النبي صلى الله عليه وسلم ينسبون إليه ، إنما هو لأولاد بناته
، ثم أولاد الحسن والحسين ، أما أولاد بنات بناته فإنهم لا ينسبون إليه صلى الله
عليه وسلم ، وإنما ينسبون إلى آبائهم .
قال
السيوطي رحمه الله :
“هل
يشاركون – يعني أولاد زينب بنت فاطمة – أولاد الحسن والحسين في أنهم ينسبون إلى
النبي صلى الله عليه وسلّم ؟
والجواب : لا . وإن كانوا جميعاً يدخلون في “ذرية النبي صلى الله عليه وسلم” وفي
“أولاده” .
وقد
فَرَّق الفقهاء بين مَن يُسَمَّى ولداً للرجل ، وبين مَن ينسب إليه :
ولهذا قالوا : لو قال : وقفت على أولادي : دخل ولد البنت .
ولو
قال : وقفت على مَن يُنسب إلي مِن أولادي : لم يدخل ولد البنت .
وقد
ذكر الفقهاء من خصائصه صلى الله عليه وسلّم : أنه ينسب إليه أولاد بناته ، ولم
يذكروا مثل ذلك في أولاد بنات بناته ، فالخصوصية للطبقة العليا فقط ، فأولاد فاطمة
الأربعة ينسبون إليه ، وأولاد الحسن والحسين ينسبون إليهما فينسبون إليه ، وأولاد
زينب وأم كلثوم [بنات فاطمة] ينسبون إلى أبيهم عمر وعبد الله ، لا إلى الأم ، ولا
إلى أبيها صلى الله عليه وسلّم ؛ لأنهم أولاد بنت بنته ، لا أولاد بنته ، فجرى
الأمر فيهم على قاعدة الشرع في أن الولد يتبع أباه في النسب لا أمه ، وإنما خرج
أولاد فاطمة وحدها للخصوصية التي ورد الحديث بها ، وهو مقصور على ذرية الحسن ،
والحسين ….
ولهذا جرى السلف والخلف على أن ابن الشريفة لا يكون شريفاً ، ولو كانت الخصوصية
عامة في أولاد بناته وإن سفلن لكان ابن كل شريفة شريفاً تحرم عليه الصدقة وإن لم
يكن أبوه كذلك كما هو معلوم .
ولهذا حكم صلى الله عليه وسلّم بذلك لفاطمة دون غيرها من بناته ، لأن أختها زينب
بنت رسول الله صلى الله عليه وسلّم لم تعقب ذكراً حتى يكون كالحسن والحسين في ذلك ،
وإنما أعقبت بنتاً ، وهي أمامة بنت أبي العاصي بن الربيع ، فلم يحكم لها صلى الله
عليه وسلّم بهذا الحكم مع وجودها في زمنه ، فدل على أن أولادها لا ينسبون إليها
لأنها بنت بنته ، وأما هي فكانت تنسب إليه بناء على أن أولاد بناته ينسبون إليه ،
ولو كان لزينب ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلّم ولدٌ ذكر لكان حكمه حكم الحسن
والحسين في أن ولده ينسبون إليه صلى الله عليه وسلّم .
هذا
تحرير القول في هذه المسألة” انتهى باختصار .
“الحاوي” (2/31) .
ومثل ذلك قاله الحافظ ابن حجر الهيتمي الفقيه الشافعي في “الفتاوى الحديثة” (ص 67)
.
والله أعلم .
المصدر:
الإسلام سؤال وجواب
هل انتفعت بهذه الإجابة؟