0 / 0
46,30512/11/2009

الحكمة في اختلاف اللفظ القرآني للحدث أو الموقف

السؤال: 140060

ما هو سبب اختلاف اللفظ القرآني لنفس الحدث أو الموقف على لسان قائليه ، مثال ذلك قصة إبليس عليه لعنة الله ، في سورة الأعراف يقول إبليس : (… قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين ) آية/2، بينما في سورة الحجر يقول : ( قال لم أكن لأسجد لبشر خلقته من صلصال من حمإ مسنون ) آية/33. فلماذا اختلف النصان هنا مع العلم بأن الموقف واحد ؟
وأمثلة هذا كثيرة في القرآن الكريم.

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولا :

لا بد أن نعرف في بداية الجواب أن الكلام المحكي في القرآن الكريم على ألسنة المتكلمين إنما هو بالمعنى وليس باللفظ ، وذلك لدليلين ظاهرين :

1-أن القرآن كلام الله ، وليس كلام أحد من المخلوقين ، ولما كان كذلك كانت الأقوال المحكية على ألسنة المتكلمين بها من الناس والدواب ، هي من كلام الله ، يقص به أخبار الأولين ، وينقل كلامهم . فهي تنسب إليهم باعتبار مضمون الكلام ومعناه .

2-أن لغات الأمم السابقة لم تكن هي العربية الواردة في القرآن الكريم ، وبذلك نجزم أن الكلام المنقول على ألسنتهم إنما هو كلام الله عز وجل ، متضمنا معاني كلام المذكورين من الأمم السابقة .

جاء في ” فتاوى اللجنة الدائمة ” (4/6-7) :

” الكلام يطلق على اللفظ والمعنى ، ويطلق على كل واحد منهما وحده بقرينة .

وناقله عمن تكلم به من غير تحريف لمعناه ولا تغيير لحروفه ونظمه : مُخبِرٌ مُبَلِّغٌ فقط ، والكلام إنما هو لِمَن بدأه .

أمَّا إن غيَّر حروفه ونظمه مع المحافظة على معناه ، فينسب إليه اللفظ : حروفه ومعناه ، وينسب من جهة معناه إلى من تكلم به ابتداءً .

ومن ذلك ما أخبر الله به عن الأمم الماضية ، كقوله تعالى : ( وَقَالَ مُوسَى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ ) غافر/27، وقوله : ( وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ ) غافر/36.

فهاتان تسميان قرآناً ، وتنسبان إلى الله كلاماً له باعتبار حروفهما ونظمهما ؛ لأنهما من الله لا من كلام موسى وفرعون ؛ لأن النظم والحروف ليس منهما .

وتنسبان إلى موسى وفرعون باعتبار المعنى ، فإنه كان واقعاً منهما .

وهذا وذاك قد علمهما الله في الأزل وأمر بكتابتهما في اللوح المحفوظ ، ثم وقع القول من موسى وفرعون بلغتهما طبق ما كان في اللوح المحفوظ ، ثم تكلم الله بذلك بحروف أخرى ونظم آخر في زمن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، فنسب إلى كلٍّ منهما باعتبار .

الشيخ عبد العزيز بن باز ، الشيخ عبد الرزاق عفيفي ، الشيخ عبد الله بن قعود ” انتهى.

 ثانيا :

أسلوب تكرار العبارة والقصة في القرآن الكريم ، ولكن في سياقات مختلفة وألفاظ مترادفة : هو من سمات القصص القرآني الظاهرة ، حيث يتكرر ذكر القصة الواحدة في كثير من السور ، وفي كل مرة يتنوع السياق ، ويتعدد الأسلوب ، وترد القصة بعبارات جديدة ، تفتح آفاقا للمعاني والفوائد ، وأنماطا متنوعة من أساليب البلاغة والبيان ، ولذلك عد العلماء والمفسرون هذا التنوع في اللفظ والعبارة من مظاهر الفصاحة والبيان ، ونصوا على أن من مقاصد القصص القرآني تفريق الحدث الواحد في سياقات مختلفة ، بل وألفوا في هذا الفن مؤلفات خاصة ، منها كتاب ” المقتنص في فوائد تكرار القصص ” لبدر الدين بن جماعة ، كما ذكر ذلك السيوطي في ” الإتقان ” (2/184)

يقول الزركشي رحمه الله :

” إبراز الكلام الواحد في فنون كثيرة وأساليب مختلفة لا يخفى ما فيه من الفصاحة ” انتهى.

” البرهان في علوم القرآن ” (3/26)

وإذا رحنا نعدد الفوائد التي يضفيها هذا الأسلوب على مجمل ما في القرآن الكريم لعددنا شيئا كثيرا ، ولكنا نذكر ههنا بعض هذه الفوائد :

1-زيادة بعض التفاصيل التي لم تذكرها الآيات من قبل ، والمثال الوارد في السؤال واحد من صور هذه الفوائد ، فقد زادت الآيات في سورة الحجر قيدا في وصف الأصل الذي خلق منه آدم عليه السلام ، وهو كونه من صلصال من حمإ مسنون ، في حين لم تذكر ذلك آيات سورة الأعراف المتعلقة بالقصة .

2-تأكيد التحدي الذي جاء به القرآن لمشركي العرب أن يأتوا بشيء من مثله ، فقد كشف هذا التنوع في العبارة عن عجزهم عن الإتيان بمثله بأي نظم جاء ، وبأي عبارة عبَّروا .

3-إذهاب السآمة والملل عن القصة ، وذلك أن العرض الجديد يشد الأسماع ، ويلفت الأنظار ، ويبقي صلة المتعة والفائدة بين القارئ والنص المقدس ، وهذا من المقاصد العظيمة أيضا ، ” فيجد البليغ ميلا إلى سماعها ، لما جبلت عليه النفوس من حب التنقل في الأشياء المتجددة التي لكل منها حصة من الالتذاذ “

4-” ظهور الأمر العجيب في إخراج صور متباينة في النظم بمعنى واحد ، وقد كان المشركون في عصر النبي صلى الله عليه وسلم يعجبون من اتساع الأمر في تكرير هذه القصص والأنباء مع تغاير النظم ، وبيان وجوه التأليف ، فعرفهم الله سبحانه أن الأمر بما يتعجبون منه مردود إلى قدرة من لا يلحقه نهاية ، ولا يقع على كلامه عدد”

5-التناسق مع الموضوع والمناسبة التي وردت القصة لأجلها ، فأحيانا تقتضي هذه المناسبة إبراز معنى في الحوار الدائر لم يكن من الضروري إبرازه في مناسبة أخرى وردت فيها القصة ، وهذه الفائدة باب واسع من أبواب اكتشاف بحور بلاغة القرآن وإعجازه ، وأمثلتها التفصيلية موجودة في بطون كتب التفسير .

يمكن الاطلاع على هذه الفوائد وغيرها في كتاب ” البرهان في علوم القرآن ” (3/26-29)

يقول الدكتور فضل حسن عباس حفظه الله:

” المنهج القصصي في القرآن الكريم هو المنهج البديع المعجز ، حيث ذكرت القصة في سور كثيرة ، وإن خصت بعض السور بذكر حدث واحد ، ثم توزعت هذه المشاهد والأحداث على السور التي ذكرت فيها القصة ، قلت أم كثرت ، بحيث تجد في كل سورة ما لا تجده في غيرها ، وبحيث يذكر في كل سورة ما يتلاءم مع موضوعها وسياقها ، وبحيث تذكر القصة في السورة في الموضع الذي اختيرت له والذي اختير لها ” انتهى.

” القصص القرآني ” (ص/81)

والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android