تفسير قوله تعالى : ( فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمناً قليلاً )
السؤال: 141772
فيما يتعلق بالآية/79 من سورة البقرة ( فويل للدين يكتبون الكتاب بأيديهم …)، ما الذي كانوا يجنونه من تغيير وتحريف الكتب بعد نزولها ، وهل المعنى المقصود من كلمة ( بيع ) أنهم كانوا يبيعون تلك الكتب المحرفة للناس ليتكسبوا منها أرباحا من بيعها ؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
توعد الله تعالى في هذه الآية أولئك المحرفين للكتاب ، المبدلين للشرائع ، الخائنين
لأمانة العلم والدين : بالويل والعذاب والهلاك يوم القيامة ، فقد حرفوا بالزيادة
والنقصان ، وقالوا هذا من عند الله كذبا وزورا ، وغرضهم بذلك التحريف أن ينالوا من
حطام الدنيا الفانية، وذلك يتمثل بأمور عدة :
أولا : جاه الدنيا بالاحتفاظ بمناصب الرئاسة التي كان يتمتع بها كبراء اليهود
وأحبارهم ، فقد علموا أنهم إن آمنوا وأسلموا فقد أقروا بزعامة النبي الجديد ،
وفقدوا بذلك ما كانوا يتكبرون ويتعالون به على الناس ، وانصرف عنهم أتباعهم لاتباع
النبي الجديد ، فحذفوا من كتبهم كل بشارة بمحمد صلى الله عليه وسلم ، وكتموا ما
لديهم من علم في هذا الشأن ، فاشتروا الدنيا الفانية بالآخرة الباقية .
قال
البغوي رحمه الله :
”
وذلك أن أحبار اليهود خافوا ذهاب مأكلتهم ، وزوال رياستهم ، حين قدم النبي صلى الله
عليه وسلم المدينة ، فاحتالوا في تعويق اليهود عن الإيمان به ، فعمدوا إلى صفته في
التوراة ، وكانت صفته فيها : حسن الوجه ، حسن الشعر ، أكحل العينين ، ربعة ،
فغيروها وكتبوا مكانها : طوال ، أزرق ، سبط الشعر ، فإذا سألهم سفلتهم عن صفته
قرءوا ما كتبوا فيجدونه مخالفا لصفته ، فيكذبونه وينكرونه ، قال الله تعالى : (
فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ ) يعني ما كتبوا ” انتهى.
”
معالم التنزيل ” (1/115)
وقال القرطبي رحمه الله :
”
قال ابن إسحاق والكلبي : كانت صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في كتابهم ربعة
أسمر ، فجعلوه آدم سبطا طويلا ، وقالوا لأصحابهم وأتباعهم : انظروا إلى صفة النبي
صلى الله عليه وسلم الذي يبعث في آخر الزمان ليس يشبهه نعت هذا ، وكانت للأحبار
والعلماء رياسة ومكاسب ، فخافوا إن بينوا أن تذهب مآكلهم ورياستهم ، فمن ثم غيروا ”
انتهى.
”
الجامع لأحكام القرآن ” (2/9)
ثانيا : المال القليل مقابل صحف وكتب كتبها بعض أحبار أهل الكتاب بأيديهم لبيعها
على بعض جهلة الناس فيتكسبوا من وراء ذلك ، وكان من بخلهم وخيانتهم أن غشوهم في
كلام الله عز وجل ، فقالوا هذه الكتب من عند الله وما هي من عند الله .
قال
قتادة رحمه الله :
”
كان ناس من بني إسرائيل كتبوا كتابا بأيديهم ليتأكلوا الناس ، فقالوا : هذا من عند
الله ، وما هو من عند الله ” انتهى.
ويقول السدي رحمه الله :
”
كان ناس من اليهود كتبوا كتابا من عندهم يبيعونه من العرب ، ويحدثونهم أنه مِن عند
الله ، ليأخذوا به ثمنا قليلا ” انتهى.
”
جامع البيان ” (2/270-271)
وذكر العلامة الطاهر بن عاشور رحمه الله وجهين آخرين من أوجه الأطماع الدنيوية التي
حملت بعض أهل الكتاب على تحريف كتبهم ، فقال رحمه الله :
”
الثمن المقصود هنا هو إرضاء العامة ، بأن غيروا لهم أحكام الدين على ما يوافق
أهواءهم . أو انتحال العلم لأنفسهم مع أنهم جاهلون ، فوضعوا كتبا تافهة من القصص
والمعلومات البسيطة ليتفيهقوا بها في المجامع ؛ لأنهم لما لم تصل عقولهم إلى العلم
الصحيح ، وكانوا قد طمعوا في التصدر والرئاسة الكاذبة ، لفقوا نتفا سطحية ، وجمعوا
موضوعات وفراغات لا تثبت على محك العلم الصحيح ، ثم أشاعوها ، ونسبوها إلى الله
ودينه ، وهذه شنشنة الجهلة المتطلعين إلى الرئاسة عن غير أهلية ، ليظهروا في صور
العلماء لدى أنظار العامة ومن لا يميز بين الشحم والورم ” انتهى.
”
التحرير والتنوير ” (1/577)
والله أعلم .
المصدر:
الإسلام سؤال وجواب
هل انتفعت بهذه الإجابة؟