0 / 0
50,22831/07/2010

تفسير وصف الله عز وجل قوم عاد وثمود أنهم كانوا مستبصرين

السؤال: 151901

عندي إشكال عن قوم عاد ، فقد قال الله عنهم : ( وكانوا مستبصرين ) أي : عقلاء . وقال عنهم سبحانه أنهم قالوا : ( من أشد منا قوة )
كيف كانوا عقلاء وقالوا : مَن أشد منا قوة ، أولم يروا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة ؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

كلمة ” مستبصرين ” بمعنى ” مبصرين “، والسين والتاء للتأكيد ، مثل : استجاب ، واستمسك ، واستكبر ، وهي كلمة تدل على حصول العلم والبيان لصاحبها ، وقد نص علماء اللغة على أن ” المستبصر ” هو : من تبين ما يأتيه من خير وشر .
انظر: ” مفردات ألفاظ القرآن ” للراغب الأصفهاني (1/95)، ” لسان العرب ” لابن منظور (4/64)
وقد وصف الله عز وجل في كتابه الحكيم قوم عاد وثمود بأنهم كانوا ” مستبصرين “، وذلك في قوله عز وجل : ( وَعَادًا وَثَمُودَ وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنْ مَسَاكِنِهِمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ ) العنكبوت/38.

ولكن أهل العلم اختلفوا في تحديد وجه استبصارهم ، والأمور التي أثبت الله لهم عز وجل العلم بها والتبصر فيها ، وذلك إلى أربعة أقوال :
القول الأول : وهو الذي نص عليه أئمة المفسرين من الصحابة والتابعين ؛ أن معنى قوله عز وجل : (وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ ) أي : كانوا على بصيرة في دينهم ، وعلى علم بعقيدتهم ، ولم يكونوا جاهلين بمذاهبهم ، بل كانوا معجبين بما هم عليه ، يحسبون أنهم على الحق والصواب .
يقول ابن عباس رضي الله عنه :
” قوله : ( فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ ) يقول : كانوا مستبصرين في دينهم ” انتهى.
ويقول مجاهد رحمه الله :
” ( وكانُوا مُسْتَبْصِرِينَ ) في الضلالة ” انتهى .
وقال قتادة رحمه الله :
” ( وكانُوا مسْتَبْصِرِينَ ) في ضلالتهم مُعْجَبين بها ” انتهى.
وهذا القول هو ما فسر به الآية الإمام ابن جرير الطبري في ” جامع البيان ” (20/35) – وقد أسند آثار السلف السابقة – ثم قال :
” وكانوا مستبصرين في ضلالتهم ، مُعْجبين بها ، يحسبون أنهم على هدى وصواب ، وهم على الضلال ” انتهى.

القول الثاني : ( وكانُوا مُسْتَبْصِرِينَ ) أي : كانوا على علم أن ما هم عليه باطل ، وأن الحق مع الرسل والأنبياء ، وكانوا على بصيرة بأنهم على الضلالة ، ولكنهم استحبوا الضلالة على الهدى .
وهذا القول هو ترجيح الإمام القرطبي رحمه الله حيث يقول :
” فيه قولان :
أحدهما : وكانوا مستبصرين في الضلالة ، قاله مجاهد .
والثاني : كانوا مستبصرين قد عرفوا الحق من الباطل بظهور البراهين .
وهذا القول أشبه ، لأنه إنما يقال : ” فلان مستبصر ” إذا عرف الشيء على الحقيقة ” انتهى.
” الجامع لأحكام القرآن ” (13/344)
وهو القول الذي قرره العلامة ابن قيم الجوزية رحمه الله في أكثر من كتاب له .
قال رحمه الله :
” ردوا الهدى بعد ما تيقنوه وكانوا مستبصرين به ، قد ثَلِجَت له صدورهم ، واستيقنته أنفسهم ، فاختاروا عليه العمى والضلالة ، كما قال تعالى في وصفهم : ( وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى ) وقال : ( وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً ) أي : موجبة لهم التبصُّرَ واليقين ، وإن كان جميع الأمم المهلكة هذا شأنهم ، فإن الله لم يهلك أمة إلا بعد قيام الحجة عليها ، لكن خصت ثمود من ذلك الهدى والبصيرة بمزيد ، ولهذا لما قرنهم بقوم عاد قال : ( فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً ) ثم قال : ( وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى ) ولهذا أمكن عادا المكابرة وأن يقولوا لنبيهم ( مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ ) ولم يمكن ذلك ثمود وقد رأوا البينة عيانا ، وصارت لهم بمنزلة رؤية الشمس والقمر ، فردوا الهدى بعد تيقنه والبصيرة التامة به ” انتهى.
” التبيان في أقسام القرآن ” (ص/39) ط عالم الفوائد .

القول الثالث : ( وكانُوا مُسْتَبْصِرِينَ ) أي : في أمور الدنيا لا في أمور الدين ، فقد كانوا على علم بكثير من فنون العمارة والصناعة والزراعة وأنواع التجارة ، ولكنهم جاهلون في أمر آخرتهم.

قال العلامة محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله :
” الأظهر في قوله في هذه الآية : ( وكانُوا مُسْتَبْصِرِينَ ) أن استبصارهم المذكور هنا بالنسبة إلى الحياة الدنيا خاصة ; كما دل عليه قوله تعالى : ( يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون ) ، وقوله تعالى : ( وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير ) ، ونحو ذلك من الآيات ” انتهى.
” أضواء البيان ” (6/160)

القول الرابع : ( وكانُوا مُسْتَبْصِرِينَ ) أي : كانوا عقلاء ذوي خبرة وتجربة عقلية مستبصرة ، ولكن عقولهم هذه لم ترشدهم إلى اتباع الحق والهدى ، نقل أهل العلم هذا القول عن الإمام الفراء ، وتابعه عليه بعض المفسرين .
قال الزمخشري رحمه الله :
” ( وَكَانُواْ مُسْتَبْصِرِينَ ) عقلاء متمكنين من النظر والافتكار ، ولكنهم لم يفعلوا .
أو كانوا متبينين أن العذاب نازل بهم ؛ لأن الله تعالى قد بين لهم على ألسنة الرسل عليهم السلام ، ولكنهم لجوا حتى هلكوا ” انتهى.
” الكشاف ” (3/458)، ومثله في ” أنوار التنزيل ” للبيضاوي (ص/316)

والاستشكال الوارد في السؤال إنما يتوجه إذا قيل بالقول الرابع ، أما إن رجحنا أحد الأقوال الثلاثة الأولى فلا يرد الإشكال أصلا ، والذي نميل إليه هو الأخذ بالقول الأول ، المستند إلى آثار الصحابة والتابعين رحمهم الله ، فهم أولى بالاتباع والاقتداء وتفسير القرآن على وجهه الذي أنزله الله عز وجل .
والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android