0 / 0

شبهات لنصراني يطعن بها في آيات قرآنية يزعم أن فيها تناقضاً وتعارضاً

السؤال: 170649

طرح عليّ أحد المسيحيين هذا السؤال فأريد إجابة له حتى أرسله إليه : لماذا تربطون حياتكم وأقداركم بكتاب مليء بالتناقضات والأخطاء – ويقصد بذلك القرآن – ؟! إن هذا المسيحي يواصل ويقول : تقولون إن الله يقول ( ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً ) ، وهو فعلاً مليء بالاختلافات والتناقضات ، لذلك فهو ليس من عند الله ، وإليك بعض الأمثلة على ذلك : فنحن نجده ـ مثلا ـ في سورة " الشعراء " يذكر أن فرعون هلك بالغرق ، بينما يذكر في سورة يونس ( فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية .. ) فأيهما الصحيح .. ؟! .

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولاً:
ليست هذه هي أول محاولة للنيل من كتاب الله تعالى والطعن في آياته بالتناقض والتعارض ، فقد سبق من هذا كثير ، وجميع من فعل ذلك باء بالخسران المبين ، ولو كان كتابنا الذي آمنّا بأنه منزَّل من عند ربنا تعالى فيه بعض ما في كتب اليهود والنصارى من التحريف والتعارض والتناقض لكنّا أول الكافرين به ، ولكن أنَّى له ذلك وقد تكفَّل الله تعالى نفسه بحفظ كتابه الكريم إلى قيام الساعة ليكون حجة على الناس بما فيه من حق وصدق .
ولو أن ذلك النصراني – وغيره – قرأ وتأمل أول الآية التي ساقها في عدم وجود اختلاف في القرآن الكريم لما احتاج إلى تجميع تلك الشبهات ليطعن من خلالها بالقرآن الكريم ، والعرب الأوائل والمعاصرون منهم فيهم علماء وعقلاء وأدباء وبلغاء وهم يقرؤون القرآن الكريم ولم تكن مثل هذه الآيات عندهم متعارضة متناقضة ، وقد يقفون عند بعضها مستشكلين لبعض معانيها ، لكن سرعان ما يزول هذه الإشكال إذا تدبَّر أحدهم بآيات القرآن أو رجع إلى المفسرين والراسخين في العلم ، وأول الآية التي ساقها ذاك النصراني أولاً يحث الله تعالى فيها على تدبر آياته إذ يقول ( أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ ) ثم قال الله تعالى بعدها ( وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً ) النساء/ 82 ، ولذا فلو أنه تدبَّر آيات القرآن لما وجد بينها اختلافاً لا كثيراً ولا قليلاً ، ولو كلَّف نفسه ورجع إلى كلام الراسخين في العلم لما وجد في القرآن تناقضاً أو تعارضاً .
ولذا فكل مَن خلت قراءته للقرآن من تدبر – وبخاصة إذا كان صاحب هوى – فمِن الطبيعي أن يجد ما يظنه تعارضاً أو تناقضاً بين آياته . ولكن الحقيقة والواقع أن هذا التعارض والتناقض إنما هو في ذهنه وفي فهمه لا أنه في آيات الله تعالى المُحكمة ، وكل أحد يكتب كتاباً لا يستطيع إلا أن يعتذر في أوله بأن من وجد نقصاً فليعذر مؤلفه ، ومن وجد خطأ فليستر عليه ولينبه مؤلفه ، ولذا تجد المنصفين الجادين من الكتاب ، يطبع أحدهم كتابه أكثر من مرة ، فتجد فيه عبارة " مزيدة ومنقحة " ! أما كتاب الله تعالى فإن من يفتح الصفحة الأولى منه يجد قوله تعالى ( الم . ذَلِكَ الكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ ) البقرة/ 1 ، 2 ، وقد كانت هذه الافتتاحية سبباً في إسلام بعض عقلاء من النصارى لما رآه من افتتاحية جليلة تدل على أن قائل حروفها ليس من البشر ، وأنه لا يمكن لبشر أن يقول مثل هذا الكلام في كتاب ألَّفه ، فعلموا بعد قراءتهم لآيات القرآن أنه كلام رب العالِمين ، ولذا فإن الخلل هو في نقص التدبر ، وبه نعلم أن ذِكر الحث عليه في أول هذه الآية ليس لغواً إنما كان لحكمة جليلة .
قال ابن القيم – رحمه الله – : " ولهذا ندب الله عز وجل عباده إلى تدبر القرآن ؛ فإنَّ كلَّ مَن تدبره : أوجب له تدبرُه علماً ضروريّاً ويقيناً جازماً أنه حق وصدق بل أحق كل حق وأصدق كل صدق ، وأن الذي جاء به : أصدقُ خلق الله وأبرهم وأكملهم علماً وعملاً ومعرفة ، كما قال تعالى ( أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً ) ، وقال تعالى ( أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ) محمد/ 24 ، فلو رفعت الأقفال عن القلوب : لباشرتها حقائق القرآن واستنارت فيها مصابيح الإيمان وعلمت علما ضروريّاً يكون عندها كسائر الأمور الوجدانية من الفرح والألم والحب والخوف أنه من عند الله ، تكلَّم به حقّاً وبلَّغه رسولُه جبريل عنه إلى رسوله محمد صلى الله عليه وسلم " . انتهى من " مدارج السالكين " ( 3 / 471 ، 472 ) .
والقرآن الكريم – لمن تدبَّره – خال من اختلاف التعارض والتناقض ، وما كان ظاهره الاختلاف فهو من " اختلاف التلاؤم " ، وهو لاختلاف الحال أو الزمان أو الشخص ، وهو ما يمكن الجمع بين آياته بكل يسر وسهولة وعندما يفعل الباحث ذلك سيتبين له وجه جديد في إعجاز كتاب الله الحكيم .
قال أبو بكر الجصاص – رحمه الله – : " فإن الاختلاف على ثلاثة أوجه : اختلاف تناقض : بأن يدعو أحد الشيئين إلى فساد الآخر ، واختلاف تفاوت : وهو أن يكون بعضه بليغاً وبعضه مرذولاً ساقطاً ، وهذان الضربان من الاختلاف منفيان عن القرآن ، وهو إحدى دلالات إعجازه ؛ لأن كلام سائر الفصحاء والبلغاء إذا طال – مثل السور الطوال من القرآن – لا يخلو من أن يختلف اختلاف التفاوت ، والثالث : اختلاف التلاؤم ، وهو أن يكون الجميع متلائماً في الحُسن كاختلاف وجوه القراءات ومقادير الآيات واختلاف الأحكام في الناسخ والمنسوخ ، فقد تضمنت الآية الحض على الاستدلال بالقرآن لما فيه من وجوه الدلالات على الحق الذي يلزم اعتقاده والعمل به " . انتهى من " أحكام القرآن " ( 3 / 182 ) .
وأوضح مثال على هذا الاختلاف المتلائم – ولعله لو وقف عليه ذاك النصراني لأضافه إلى قائمته ! – أن الله تعالى ذكر في كتابه خلق آدم ، فمرَّة يذكر أنه خلقه من ماء ، ومرة من تراب ، وثالثة من طين ، ورابعة من صلصال ، فهل هذا من التناقض والتعارض ؟! بل هي مراحل في خلق آدم – وقد فصَّلنا فيها القول في جواب السؤال رقم ( 4811 ) – ولو كان ذلك تناقضاً لسبق إلى الطعن فيه أئمة اللغة والبلاغة من الكفار في زمن نزول الوحي ، ولكنهم احترموا عقولهم فلم يتعرضوا للقرآن من ناحية بلاغته وإعجاز نظمه ، بل كانت آياته سبباً في إسلام كثيرين ، وكيف لا وهو ( هُدى للنَّاس ) .

ثانياً:
2. ما ظنه هذا المجادل من أن هناك تعارضاً أو تناقضاً بين إخبار الله تعالى عن فرعون أنه مات غرقاً وبين قوله تعالى ( فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ ) يونس/ 92 : فهو عجيب ، فغرق فرعون يقين لا شك فيه ، وقد مات في هذا الغرق وهلك هلاكاً بيِّناً ، والسؤال لذاك النصراني : هل كل من يهلك في البحر غرقاً تأكله أسماك القرش وتضيع جثته في قاع البحر أم يمكن أن يموت غرقاً ثم تطفو جثته وتنجو من التحلل والضياع ؟ والجواب اليقيني منه هو الثاني وهو الواقع المشاهد في غرقى الطائرات التي تقع في البحار وغرقى السفن وغيرهما ، ونقول له : هذا ما حصل بالضبط لفرعون ، فقد مات غرقاً في البحر وجعل الله تعالى جثته تطفو على البحر ليتأكد بنو إسرائيل من هلاكه ، وهي حكمة بالغة حيث كان يدعي ذاك الأفَّاك أنه ربهم الأعلى ! فكان من المناسب إظهار تلك الجيفة للناس حتى يتأكد لهم حقيقة هذا الرب المزعوم ، وحتى ينقطع الخوف من قلوب ضعاف الناس الذين يمكنهم تصديق أنه غاب ليعود بعد فترة من الزمن ، وما أكثر تصديق الناس ضعاف الدين والعقول لهذا ، ومعنى ( نُنَجِّيك ) في الآية : الرفع والطفو ، وهي من " النجو " ، ولو كانت بمعنى النجاة فليست هي النجاة من الموت يقيناً وإنما هي نجاة البدن من الضياع في قاع البحر أو من أكل حيواناته له ، ولو تدبَّر قوله تعالى ( نُنَجِّيْكَ بِبَدَنِكَ ) لعلم أن هذا الجملة لا تُستعمل في النجاة من الموت بل هي تستعمل لنجاة البدن نفسه ، ولو كانت نجاة فرعون من موت لكان ذِكر ( ببدنك ) لغوا ، وليس هذا حال كلام الله تعالى .
وانظر – للمزيد – جواب السؤال رقم ( 72516 ) .

والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android