0 / 0
125,12610/07/2011

اختلاف المفسرين في الرسل المذكورين في سورة يس

السؤال: 170943

هل هؤلاء الرسل الثلاث الذين ذُكروا في سورة ” يس ” في قصة أصحاب القرية – هم من رسل الله -، قال تعالى : ( وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلاً أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ . إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُم مُّرْسَلُونَ ) ؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

اختلف المفسرون في هؤلاء الرسل الثلاثة الذين ضرب الله بقصتهم مثلا في سورة ” يس “، هل هم من رسل الله عز وجل ، أم من أصحاب المسيح عيسى بن مريم عليه السلام ، وذلك على قولين :
القول الأول : أنهم رسل الله تعالى ، ورسله عز وجل كثيرون ، كما قال تعالى : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ ) غافر/78.
يروى هذا القول عن ابن عباس وكعب الأحبار ووهب بن منبه ، لكن الإسناد إليهم لا يصح ، حيث يرويه الطبري في ” جامع البيان ” (20/500) وفي إسناده انقطاع ظاهر ، ونقله ابن تيمية في ” الجواب الصحيح ” (2/247) من كلام أبي العالية حيث قال عنهم : ” قالوا : نحن رسل رب العالمين “
واختار هذا القول من المحققين شيخ الإسلام ابن تيمية ، والحافظ ابن كثير ، واعتمده أيضا العلامة السعدي في ” تيسير الكريم الرحمن ” (ص/693)
ويمكن أن يستدل له بما يأتي :
أولا : جواب أهل القرية لهؤلاء المرسلين كان بقولهم : ( ما أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا )، وهذا الجواب حكاه القرآن الكريم عن تكذيب الكفار لرسل الله ، فقد كانوا يريدون إرسال الملائكة بدلا من البشر ، ولو كانوا رسلا لعيسى عليه السلام لم ينكر أصحاب القرية رسالتهم بهذه الحجة .
ثانيا : ظاهر القرآن الكريم يدل على أنهم رسل الله مباشرة ، وذلك في قوله تعالى : ( إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ ) فنسب الإرسال إلى نفسه عز وجل بضمير الجمع ( أرسلنا ) .

القول الثاني : أنهم رسل المسيح عيسى بن مريم ، بعثهم إلى مدينة ” أنطاكية “، وقد روى هذا القول جماعة من العلماء عن قتادة فيما بلغه ، واعتمده أكثر المفسرين وقدموه في تفسيرهم للآيات ، بل قال ابن كثير: “هو الذي لم يذكر عن واحد من متأخري المفسرين غيره” انتهى من ” تفسير القرآن العظيم” (6/573)
انظر : ” تفسير البغوي ” (7/10)، ” الكشاف ” (4/7)، ” التسهيل لعلوم التنزيل ” لابن جزي (2/180)، “إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم” لأبي السعود (7/161)، “أنوار التنزيل وأسرار التأويل” للبيضاوي (4/ 264)، “مفاتيح الغيب” للرازي (26/260)، “فتح القدير ” للشوكاني (4/417)
قال قتادة رحمه الله :
” ذُكر لنا أن عيسى ابن مريم بعث رجلين من الحواريين إلى أنطاكية -مدينة بالروم- فكذبوهما فأعزهما بثالث ” انتهى رواه الطبري بإسناده في ” جامع البيان ” (20/500)

ودليل هذا القول هو النقل عن قتادة فقط ، وإلا فليس في سياق القصة في القرآن الكريم تصريح ولا تلميح بذلك .
ثم أجابوا عن أدلة القول الأول بما يأتي :
أولا : اعتراض أصحاب القرية بكون الرسل بشرا هو من التعنت الذي اعتاده المكذبون ، والمتعنت لا فرق عنده بين رسل الله المباشرين ورسل عيسى عليه السلام ، فهو يبحث عن الجدال العقيم ، ويتذرع بأي شبهة ليكذب بها الرسل ، فيستعمل هذا الجواب الداحض لكل من ذكَّره بالله ، وأَمَرَه بالإيمان به وحده لا شريك له .
ثانيا : أما الإسناد إلى ضمير الجمع ( إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ ) قالوا هو على سبيل المجاز ، فإن رسل عيسى هم رسل الله عز وجل أيضا ، ولكن بالواسطة ، فجاز في اللغة نسبتهم إلى المرسِل الأول .
وقد أطال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله مناقشة هذا الموضوع في كتابه العظيم ” الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح “، وذلك في معرض الجواب عن دعوى من يقول إن الحواريين أصحاب عيسى عليه السلام كانوا من الرسل أو من الأنبياء ، وبعضهم يستدل بهذه الآيات في سورة يس ، فبين بوجوه كثيرة أن الرسل الثلاثة الوارد ذكرهم في سورة يس هم رسل الله أرسلوا إلى تلك القرية قبل بعث المسيح عليه السلام .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
” بعضهم يقول : إن المسيح أرسلهم في حياته .
لكن المعروف عند النصارى أن أهل أنطاكية آمنوا بالحواريين واتبعوهم ، لم يهلك الله أهل أنطاكية ، والقرآن يدل على أن الله أهلك قوم هذا الرجل الذي آمن بالرسل .
وأيضا فالنصارى يقولون : إنما جاءوا إلى أهل أنطاكية بعد رفع المسيح ، وأن الذين جاءوا كانوا اثنين لم يكن لهما ثالث ، قيل : أحدهما شمعون الصفا ، والآخر بولص ، ويقولون إن أهل أنطاكية آمنوا بهم ، ولا يذكرون حبيب النجار ، ولا مجيء رجل من أقصى المدينة ، فالأمر المنقول عند النصارى أن هؤلاء المذكورين في القرآن ليسوا من الحواريين ، وهذا أصح القولين عند علماء المسلمين وأئمة المفسرين ، وذكروا أن المذكورين في القرآن في سورة يس ليسوا من الحواريين بل كانوا قبل المسيح ، وسموهم بأسماء غير الحواريين ; كما ذكر محمد بن إسحاق .
وهذا القول هو الصواب ، وأن هؤلاء المرسلين كانوا رسلا لله قبل المسيح ، وأنهم كانوا قد أرسلوا إلى أنطاكية ، وآمن بهم حبيب النجار ، فهم كانوا قبل المسيح ، ولم تؤمن أهل المدينة بالرسل ؛ بل أهلكهم الله تعالى كما أخبر في القرآن ، ثم بعد هذا عمرت أنطاكية وكان أهلها مشركين حتى جاءهم من جاءهم من الحواريين ، فآمنوا بالمسيح على أيديهم ، ودخلوا دين المسيح .
ويقال إن أنطاكية أول المدائن الكبار الذين آمنوا بالمسيح – عليه السلام – وذلك بعد رفعه إلى السماء ، ولكن ظن من ظن من المفسرين أن المذكورين في القرآن هم رسل المسيح وهم من
الحواريين ، وهذا غلط لوجوه :
منها : أن الله قد ذكر في كتابه أنه أهلك الذين جاءتهم الرسل ، وأهل أنطاكية لما جاءهم من دعاهم إلى دين المسيح آمنوا ولم يهلكوا .
ومنها : أن الرسل في القرآن ثلاثة ، وجاءهم رجل من أقصى المدينة يسعى ، والذين جاءوا من أتباع المسيح كانوا اثنين ، ولم يأتهم رجل يسعى ، لا حبيب ، ولا غيره .
ومنها : أن هؤلاء جاءوا بعد المسيح ، فلم يكن الله أرسلهم .
ومعلوم عند الناس أن أهل أنطاكية لم يصبهم ذلك بعد مبعث المسيح ، بل آمنوا قبل أن يبدل دينه ، وكانوا مسلمين مؤمنين به على دينه إلى أن تبدل دينه بعد ذلك .
ومما يبين ذلك أن المعروف عند أهل العلم أنه بعد نزول التوراة لم يهلك الله مكذبي الأمم بعذاب من السماء يعمهم ; كما أهلك قوم نوح وعاد وثمود وقوم لوط وفرعون وغيرهم ، بل أمر المؤمنين بجهاد الكفار ; كما أمر بني إسرائيل على لسان موسى بقتال الجبابرة ، وهذه القرية أهلك الله أهلها بعذاب من السماء ، فدل ذلك على أن هؤلاء الرسل المذكورين في يس كانوا قبل موسى عليه السلام .
وأيضا فإن الله لم يذكر في القرآن رسولا أرسله غيرُه ، وإنما ذكر الرسل الذين أرسلهم هو .
وأيضا فإنه قال : ( إذ أرسلنا إليهم اثنين فكذبوهما فعززنا بثالث ) يس/14، فأخبر أنه أرسلهم ; كما أخبر أنه أرسل نوحا وموسى وغيرهما .
وفي الآية : ( قالوا ما أنتم إلا بشر مثلنا وما أنزل الرحمن من شيء ) يس/15، ومثل هذا هو خطاب المشركين لمن قال : إن الله أرسله وأنزل عليه الوحي لا لمن جاء رسولا من عند رسول .
وقد قال بعد هذا : ( يا حسرة على العباد ما يأتيهم من رسول إلا كانوا به يستهزئون ) يس/30.
وهذا إنما هو في الرسل الذين جاءوهم من عند الله ، لا من عند رسله .
وأيضا فإن الله ضرب هذا مثلا لمن أرسل إليه محمدا صلى الله عليه وسلم يحذرهم أن ينتقم الله منهم ; كما انتقم من هؤلاء ، ومحمد إنما يضرب له المثل برسول نظيره ، لا بمن أصحابه أفضل منهم ، فإن أبا بكر وعمر وعثمان وعليا أفضل من الحواريين باتفاق علماء المسلمين ، ولم يبعث الله بعد المسيح رسولا ، بل جعل ذلك الزمان زمان فترة .
وأيضا فإنه قال تعالى : ( إذ أرسلنا إليهم اثنين فكذبوهما فعززنا بثالث فقالوا إنا إليكم مرسلون قالوا ما أنتم إلا بشر مثلنا ) يس/14 ، ولو كانوا رسل رسول ، لكان التكذيب لمن أرسلهم ، ولم يكن في قولهم : ( إن أنتم إلا بشر مثلنا شبهة ) فإن أحدا لا ينكر أن يكون رسل رسل الله بشرا ، وإنما أنكروا أن يكون رسول الله بشرا .
وأيضا : فلو كان التكذيب لهما وهما رسل الرسول ، لأمكنهما أن يقولا : فأرسلوا إلى من أرسلنا أو إلى أصحابه ، فإنهم يعلمون صدقنا في البلاغ عنه ، بخلاف ما إذا كانا رسل الله .
وأيضا فقوله : ( إذ أرسلنا إليهم اثنين ) يس/14، صريح في أن الله هو المرسل ، ومن أرسلهم غيره إنما أرسلهم ذلك لم يرسلهم الله ; كما لا يقال لمن أرسله محمد بن عبد الله إنهم رسل الله ، فلا يقال لدحية بن خليفة الكلبي أن الله أرسله ، ولا يقال ذلك للمغيرة بن شعبة وعبد الله بن حذافة وأمثالهما ممن أرسلهم الرسول .
ومعلوم أنه لا يقال في هؤلاء : إن الله أرسلهم ، ولا يسمون عند المسلمين رسل الله ، ولا يجوز باتفاق المسلمين أن يقال هؤلاء داخلون في قوله : ( لقد أرسلنا رسلنا بالبينات ) الحديد/25.
فإذا كانت رسل محمد صلى الله عليه وسلم لم يتناولهم اسم ” رسل الله ” في الكتاب الذي جاء به ، فكيف يجوز أن يقال : إن هذا الاسم يتناول رسل رسول غيره ” انتهى باختصار من ” الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح ” (2/245-255)، وقد اختصر ابن كثير كلام شيخه ابن تيمية ، وأعاد صياغة الردود ، وذلك في ” تفسير القرآن العظيم ” (6/573-574) .

وبهذا يتبين صحة القول الأول الذي هو ” ظاهر القرآن ” كما قال ابن الجوزي رحمه الله في ” زاد المسير ” (3/521)، وإن رجح في ” المنتظم ” (2/31) القول الثاني .
والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android