أعلم أن الله عز وجل هو خالق الأرض والسماء وكل ما في الكون ، وأؤمن بذلك ، أي أن كل ما في الكون من بشر وحيوانات وكواكب وقمر وشمس وغيرها من خلق الله عز وجل .
شاهدت منذ أيام فيلمًا وثائقيًا عن مدار الأرض ، حيث يوضح هذا الفيلم أن القمر تكوّن نتيجة اصطدام كوكب صغير بالأرض ، وكان أثر هذا الاصطدام الهائل أن تناثرت أجزاء هذا الكوكب وجزء من هذه الأجزاء أصبح القمر الذي يدور حول الأرض .
على حد علمي المتواضع، أن الله عز وجل خلق القمر والشمس ، ليضيء لأهل الأرض ، وليكون الليل والنهار، وعلمت معجزة شق القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم والتي كانت لتثبت للمشركين نبوة الرسول صلى الله عليه وسلم .
فما رأي الشرع فيما شاهدته في هذا الفيلم الوثائقي ؟ وهل الرأي الشرعي يتناسب مع هذا الكلام ؟
هل ثبت بالشرع أن القمر تكوّن نتيجة اصطدام كوكب صغير بالأرض ؟
السؤال: 180817
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولا :
جعل الله عز وجل من آياته الشمس والقمر والنجوم السيارات في السماء ليتفكر الخلق في آياته فيؤمنوا به سبحانه إلها واحدا ، قال عز وجل :
( وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ ) فصلت/ 37 .
ثانيا :
بين سبحانه أن كثيرا من الناس عن آيات ربهم غافلون ، فقال : ( وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ ) يونس/ 92 .
وقال سبحانه : ( وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَحْفُوظًا وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ ) الأنبياء/ 32.
ثم توعد هؤلاء الغافلين فقال :
( إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ * أُولَئِكَ مَأْوَاهُمُ النَّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ) يونس/ 7، 8 .
ثالثا :
أنكر الله عز وجل على المشركين شهادتهم الباطلة التي يشهدونها دون أن يكون لديهم في ذلك أثارة من علم ، أو يكونوا شهدوا بأنفسهم ورأوا بأعينهم ما شهدوا به بألسنتهم . قال تعالى :
( قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ ائْتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ) الأحقاف/ 4 .
وقال تعالى :
( أَمْ خَلَقْنَا الْمَلَائِكَةَ إِنَاثًا وَهُمْ شَاهِدُونَ ) الصافات/ 150 .
وقال تعالى : ( وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ ) الزخرف/ 19 .
والمعنى : أأشهد الله هؤلاء المشركين الجاعلين ملائكة الله إناثا خلق ملائكته الذين هم عنده، فعلموا ما هم ، وأنهم إناث ، فوصفوهم بذلك ، لعلمهم بهم ، وبرؤيتهم إياهم ؟!
“تفسير الطبري” (21 /582)
فلا شك أن من شهد بما لا دليل له عليه ولا برهان له به من رؤية ومشاهدة أو علم ثابت أنه متقول كذاب .
فهؤلاء الذين يزعمون أن القمر تكوّن نتيجة اصطدام كوكب صغير بالأرض ، فتناثرت أجزاؤه وتكون منها القمر نقول لهم : هل شهدتهم هذا الاصطدام ؟ هل كان منكم أحد موجودا في الزمن الأول قبل خلق الجن والإنس فاطلع على خلق السموات والأرض وتكوين الأجرام السماوية ، ثم جاء اليوم يشهد بما عاين ورأى ؟ هل عندكم علم ثابت بما تقولون ؟
إن هؤلاء يتكلمون عن الغيب بغير علم ، وأساس علمهم هذا نظريات افتراضية واحتمالات متوهَّمة لا أساس لها ولا دليل عليها ، يفترض أحدهم الافتراض ثم سرعان ما يتبين له بطلانه ، فيتركه لافتراض آخر يغلب على ظنه صحته ، ثم يتبن له بعد ذلك فساد الآخر ، فيتركه إلى افتراض غيره ، وهكذا .
ولذلك تجدين أن كثيرا مما كان شائعا من قبل متيقنا ، أنه اليوم عندهم من الخرافات .
ومع تقدم العلم الحديث يتبين تباعا خطأ كثير من تلك النظريات وهذه الاحتمالات والافتراضات.
والقوم كما قال الله تعالى ( يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ ) الروم/ 7
فهم لا يؤمنون بآيات الله ، ويصدون عن سبيل الله ، فلذلك يصرفهم الله عن آياته ؛ كما قال سبحانه :
( سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ ) الأعراف/ 146 .
والمؤمن موقن بآيات ربه ، يستدل بها على ربوبيته وتوحيده .
ومما جعله الله آية للناس حادثة انشقاق القمر المعروفة ، كما روى البخاري (3637) ومسلم (2802) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ حَدَّثَهُمْ أَنَّ أَهْلَ مَكَّةَ سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُرِيَهُمْ آيَةً فَأَرَاهُمْ انْشِقَاقَ الْقَمَرِ .
فمن لم يخالف في شيء مما جاء به الشرع بخصوص هذه الآيات الكونية ، ولكنه جاء بما لا دليل عليه لم يقبل قوله ، وهذا الكلام الذي يقولونه في كيفية خلق القمر قول لا دليل عليه فليس بمقبول ، وقد اتفق العقلاء على أن حدّ العلم الصحيح عند البرهان الصحيح .
فلا تلتفتي لما يقولون ، فربما رأيتهم بعد ذلك يتركون هذا القول إلى قول آخر جديد .
ولعل هذا الذي يقولونه يخالف قول الله تعالى : ( قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَاداً ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا ) فصلت/ 9 ، 12 .
كما أنه قد يخالف ظاهر القرآن الذي أثبت خلق الشمس والقمر بما ظاهره أن كلا منهما خلق على انفراد ، لا أن أحدهما تكون من الآخر ، أما هذه النظرية فتفترض أن هذا الاصطدام أدى إلى تطاير مادة من الأرض هي عبارة عن صخور مصهورة تكدست فيما بعد لتشكيل القمر .
ولو كان القمر تكون من الأرض لأثبته القرآن كما أثبت خلق حواء من آدم عليهما السلام في قول الله تعالى : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً ) النساء/ 1 .
فيقتضي ذلك رد هذا القول وإبطاله .
ولو افترضنا صحة هذا الذي يقولونه ، فغاية ما هنالك أن تكون هذه كيفية خلق الله للقمر ، فهو الذي يقدر اصطدام الكوكب بالأرض ، لا أن الاصطدام يحدث من نفسه كما يظن منكرو الخالق ، فلما خلق الله القمر – على أي كيفية كانت – جعله الله في السماء كما نراه آية من آياته ليضيء لأهل الأرض ، وليعلموا به عدد السنين والحساب ؛ كما قال تعالى : ( هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ) يونس/ 5 .
راجعي للفائدة جواب السؤال رقم : (1084) .
والخلاصة أن ما يأتي به هؤلاء إما أن يكون موافقا للحق الذي عندنا فهذا نقبله .
وإما أن يكون مخالفا فهذا نرده .
وإما أن يكون غير موافق ولا مخالف فهذا ينظر فيه ، فإن كان لهم على ما يقولون برهان صحيح ثابت فإنه يقبل قولهم ، وإن كان من جنس الافتراضات والتوهمات فهذا لا نقبله .
ولا شك أن كل ما ثبت في العلم الحديث في هذه الآيات الكونية بالبرهان الصحيح لا يرده الإسلام ولا يخالفه ، وإنما يوافقه ، وقد تبين ذلك للناس في غير ما آية .
راجعي للفائدة جواب السؤال رقم : (138144) .
والله تعالى أعلم .
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب
موضوعات ذات صلة