0 / 0

هل تحضر دروس العلم إذا كان يصيبها المس والصرع أثناء الدرس أحياناً ؟

السؤال: 191889

إنني أحب حضور المحاضرات والدروس الدينية ودروس التفسير ، لكن بما أني أعاني من المسّ فإن بعض الناس نصحني بالابتعاد عن مثل هذه الأماكن ؛ لأن الجني يتضايق من سماع هذه المواعظ ، فيدفعني إلى الصراخ ورفع الصوت ، والتشويش على من حولي . أقدّر أن الناس يخافون مما قد يصدر مني ويشوش عليهم ما هم فيه من الخير ، لكني لا أريد أن أحرم نفسي الخير لسبب كهذا ، أريد حضور الدروس والاستزادة من العلم الشرعي ، بل أنوي بحضوري دعوة الجنّ أنفسهم ، فهم خلق من خلق الله ، يتعظون ويعون ما يسمعون ، ولعل الله يكتب الهداية لصاحبي من خلال هذه الدروس . إن ثقتي بالله كبيرة بأنني سأشفى ، لذا لا أريد ان أقبع بعيداً عن مثل هذه الدروس التي تمدني بالزاد الروحي ، وتساعدني على فهم مراد الله مني ، وتذكرني بالله على الدوام ، وتزيد من حبه في قلبي ، إن بي تعطشا لطلب العلم لا يعلمه إلا الله ، فلا أريد أن أزيد الظمأ بأن أحرم نفسي الذهاب إلى تلك الدروس ، إن الشيطان يسعى جاهداً لمحاربتي ، ولإبعادي عن طريق الخير ، فأريد أن أقطع الطريق عليه ، فلا يصل إلى مراده .
فما نصيحتكم لي ، هل أذهب لحضور تلك الدروس ، أم ألزم بيتي وأتعلم تعلماً ذاتياً ؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

ليس من الحكمة ولا من سبيل الشفاء أن تتعاملي مع مرضك بهذا الجزم واليقين ، كأنك متأكدة من أن الجن والشيطان هو السبب في ما يصدر عنك من اضطرابات ، وعددت ” المس ” هو حقيقة مرضك .
ونحن نبدأ نصيحتنا بتنبيهك إلى أن ” المس ” – وإن كان أمرا واقعا في الناس – إلا أنه نادر الحدوث كما يقرر ذلك الخبراء ، وغالب ما يصيب بعض المرضى من اضطراب أو اختلال ، إنما هي أوضاع نفسية ناتجة عن ظروف اجتماعية ، أو ظروف معيشية خاصة ، أو أسباب عضوية ناتجة عن اختلال في الإفرازات الهرمونية في الجسم ، وبعض هذه الإفرازات هي المسؤولة عن إحداث الاضطرابات أو تنعكس على الجسم بأعراض تشبه أعراض ” المس “، وهي في حقيقتها اختلالات تحتاج إلى العقار الذي يعيدها فيضبطها إلى الحال الطبيعي .
قال الشيخان عبد الله الطيار وسامي المبارك :
” قد تشترك أعراض ” المس ” ، ” السحر ” ، ” العين ” ببعض الحالات في الأمراض النفسية أو العضوية ، فمثلاً : من أعراض المس : القلق ، فهل كل قلِق ممسوس ، فالحالة النفسية تسبِّب القلق في كثير من الأحيان ، والإعراض عن الرحمن يسبِّب القلق ، قال تعالى : ( وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى ) طه/ 124 . والصداع قد يكون سببه المس ، وقد يكون سببه أمراض عضوية ” .
انتهى من ” فتح الحق المبين في علاج الصرع والسحر والعين ” ( ص 64 ) .
لذلك لا بد من بذل جميع أسباب العلاج ، ومراجعة المختصين النفسيين المعروفين بالفهم والأمانة ، وطلب المساعدة في اكتشاف الأسباب الحقيقية لما تعانين ، والبحث عن الدواء النافع الذي نسأل الله تعالى أن يهديك إليه ، وخلال ذلك تبذلين في المحافظة على الأذكار الشرعية والأوراد القرآنية جهدك ، كي تكون لك وقاية وشفاء بإذن الله ، فقد قال الله عز وجل : ( وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ ) الإسراء/82.
وأما حضورك مجالس العلم مع غلبة وقوع تلك الاضطرابات :
فإن كان ما يحصل لك من اضطراب ، ورفع الأصوات أمرا يسيرا محتملا ، أو يأتي في أوقات قليلة : فنرجو ألا يكون بحضورك بأس ، خاصة إذا لم يكن ذلك التشويش أثناء الصلاة .

وأما إن كان التشويش كثيرا ، مزعجا لمن حولك ، يفسد عليهم ما يرجونه من الفائدة ؛ فلا ننصحك به ، فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخدري رضي الله عنه قَالَ : ( اعْتَكَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَسْجِدِ ، فَسَمِعَهُمْ يَجْهَرُونَ بِالْقِرَاءَةِ ، فَكَشَفَ السِّتْرَ ، وَقَالَ : أَلَا إِنَّ كُلَّكُمْ مُنَاجٍ رَبَّهُ ، فَلَا يُؤْذِيَنَّ بَعْضُكُمْ بَعْضًا ، وَلَا يَرْفَعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الْقِرَاءَةِ ) رواه أبو داود في ” السنن ” (1332) وقال النووي : ” إسناده صحيح ” انتهى من ” المجموع ” (3/392)، وصححه الألباني في ” صحيح الجامع ” برقم (1225).
فإذا كان رفع الصوت بالقرآن والتشويش على المتعبدين سماه النبي صلى الله عليه وسلم إيذاء ، ونهى عنه ، فمن باب أولى أن ينهى الذي يرفع صوته لمرضه ومعاناته ؛ ولذلك نص الفقهاء على منع كل من يتسبب بالتشويش أن يدخل المسجد ، سواء وقع ذلك بإرادته أم رغما عنه . المهم أن المساجد وحلق العلم والذكر لا تترك عرضة لتشويش أصحاب الأعذار بغير قصد منهم، وهم في ذلك مأجورون مثابون بإذن الله سبحانه ؛ لأن التزام الحكم الشرعي أعظم ثواب وأجر ، وتعظيم حرمات المساجد وحلق العلم أولى من تقديم مصلحة خاصة يمكن تحقيقها عاجلا أم آجلا ، ونحن نرجو أن يكتب الله لك الشفاء العاجل لما يراه من صدقك وتوقفك عند الحكم الشرعي السابق وتقديمك حرمة العلم الشرعي على تعلمك الشخصي .
وأما إذا كانت الاضطرابات تصيبك في أوقات نادرة أو قليلة ، فالنادر لا حكم له ، ولا حرج عليك في حضور دروس العلم وحلق الذكر ، وحبذا لو كانت لك رفيقة تعينك على تدارك الخلل إن وقع أثناء الدرس فنأمن من المحذور .
وللمزيد ننصحك بالاطلاع على الفتوى رقم : (173064) .
والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

answer

موضوعات ذات صلة

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android