0 / 0

التوفيق بين الآيات التي تأمر بتبليغ الرسالة وبين حديث “لا تبشرهم فيتكلوا”

السؤال: 193601

كيف نوفق الفهم بين الآية : ( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ) المائدة / 67 ، والحديث : عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ ، قَالَ : ” كُنْتُ رِدْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى حِمَارٍ يُقَالُ لَهُ : عُفَيْرٌ ، قَالَ : فَقَالَ : ( يَا مُعَاذُ ، تَدْرِي مَا حَقُّ اللَّهِ عَلَى الْعِبَادِ ، وَمَا حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ ؟ ) قَالَ : قُلْتُ : اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ ، قَالَ : ( فَإِنَّ حَقَّ اللَّهِ عَلَى الْعِبَادِ ، أَنْ يَعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَحَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، أَنْ لَا يُعَذِّبَ مَنْ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا ) ، قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَفَلَا أُبَشِّرُ النَّاسَ ؟ ، قَالَ : ( لَا تُبَشِّرْهُمْ فَيَتَّكِلُوا ) ؟
حيث الآية تدل على وجوب تبليغ الرسول صلى الله عليه وسلم للرسالة ، وبآخر الحديث يخبر الرسول صلى الله عليه وسلم معاذ بن جبل بعدم التبشير!

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

فقد ذكر العلماء – رحمهم الله – وجوها مختلفة للتوفيق بين الآية الكريمة والحديث الشريف , ومن هذه الوجوه :
أولا : أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكتم هذا الأمر ، بدليل أنه أخبر به معاذ بن جبل رضي الله عنه , غاية الأمر أنه منع نشره عند بعض الناس خوفا على من لم يدرك مرامي الحديث ، والجمع بين أطراف الأدلة ، من أن يتكل على ما سمع وأدركه من هذا الحديث ، فيدع بعض العمل ، أو يفرط فيما أمر به ؛ وهذه مفسدة ظاهرة ، في حين أن فوات سماع هذا الحديث : لا يضيع شيئا من العمل ، ولا يخشى منه مفسدة بينة ، ولا شك أن فوات البشرى في حق هؤلاء ، واستمرارهم على الأخذ بالوثيقة والجد في العمل ، هو آمن لهم وأرجى من المفسدة المذكورة .
جاء في ” مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح ” (1 / 98) : ” واحتج البخاري على أن للعالم أن يخص بالعلم قوما دون قوم ، كراهة ألا يفهموا ، وقد يتخذ أمثال هذه الأحاديث البطلة والمباحية ذريعة إلى ترك التكاليف ورفع الأحكام ، وذلك يُفضي إلى خراب الدنيا بعد خراب العقبى” انتهى .

ثانيا : أن يقال : إن أمره صلى الله عليه وسلم بالكتمان ليس المقصود به الكتمان المطلق المؤبد ، بل هو كتمان في زمان معين , ولم يستمر هذا الكتمان ، بدليل أن معاذا قد أخبر بهذا الحديث قبل موته , فقد جاء في نهاية هذا الحديث : ” وأخبر بها معاذ عند موته تأثما” رواه البخاري (128) , ومسلم (53) .
جاء في ” مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح ” (1 / 93) : ” أي تجنباً وتحرزاً عن الوقوع في إثم كتمان العلم ” انتهى , وهذا ظاهر في أن معاذا رضي الله عنه لم يفهم المنع المطلق عن نشر هذا الحديث وتبليغه ، إنما فهم أن ذلك المنع مقيد بحال ، أو شخص ، أو وقت ، أو قيد ما ، ورأى أن هذا القيد قد فات ، وأن التشريع قد استقر ، واستمر شأن الناس عليه ، ولم يَخش عليهم تلك المفسدة .
جاء في ” مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح ” (1 / 98) : ” إنما رواه معاذ مع كونه منهيا عنه ؛ لأنه علم منه : أن هذا الإخبار يتغير بتغير الزمان والأحوال , والقوم يومئذ كانوا حديثي العهد بالإسلام لم يعتادوا تكاليفه ، فلما تثبتوا واستقاموا أخبرهم ” انتهى .

ثالثا: يحتمل أن النهي عن التبشير بذلك لم يكن لكل الناس بل كان خاصا بمن يخشى منه الاتكال وترك العمل , وعليه فيكون معاذ – رضي الله عنه – قد أخبر بالحديث قبل موته وخص بذلك من لا يخشى منهم الاتكال كما خصه رسول الله بذلك .
جاء في ” مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح ” (1 / 93) : ” سَلَّمْنا أنه تأثم من الكتمان ، فكيف لا يتأثم من مخالفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في التبشير؟ أجيب : بأن النهي كان مقيداً بالاتكال ، فأخبر به من لا يخشى عليه ذلك ، وإذا زال القيد زال المقيد ” انتهى .

وعليه فلا تعارض بين الآية الكريمة والحديث الشريف .
والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android