لقد قرأت على الفيس بوك بعض المعلومات الخاطئة التي نسبتها أخت فاضلة للرسول صلى الله عليه وسلم : أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يهنئ غير المسلمين في أعيادهم ، وقرأ هذه المعلومة عدد من الأخوات . كان تصرفي عندما قرأت المعلومة الخاطئة أن نقلت على نفس الموقع ( فيس بوك ) الصحيح من الأحاديث في هذا الموضوع ، وحذرت من القول الكاذب عل النبي ، استشهادا بالحديث ( من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار) ، وقد قرأت هذا التصحيح الأخوات .
عندما فعلت هذا ، وجدت هجوما من بعض الأخوات الفاضلات علي : أنه كان لا يجب تصحيح المعلومة في العلن ، ولكن يجب أن أصححها فقط للأخت التي كتبت المعلومة الخاطئة ، رغما من أنها كتبت المعلومات الخاطئة ليقرأها الجميع ، وقالوا : لأن النصيحة على الملأ فضيحة ، ويجب أن أكون لينة في ردي معها ، علما أنني لم أقل شيئا غير لائق ، ولكني نقلت الأحاديث الصحيحة في هذا الموضوع .
هل أنا مخطئه فيما فعلت ؟
هل يجوز تصحيح المعلومات التي تنشر ، في العلن ، أو الواجب نصح صاحبها سرا ؟
السؤال: 195200
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولا :
روى مسلم (55) عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( الدِّينُ النَّصِيحَةُ ) قُلْنَا لِمَنْ ؟ قال : ( لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ ) .
قال ابن الأثير رحمه الله :
” نَصيحة عامّة المسلمين : إرشادُهم إلى مصالِحِهم ” انتهى من “النهاية” (5 /142)
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
” أَوْجَبَ اللَّه سُبْحَانَهُ فِي الْمُعَامَلَاتِ خَاصَّةً وَفِي الدِّينِ عَامَّةً النَّصِيحَةَ وَالْبَيَانَ ، وَحَرَّمَ الْخِلَابَةَ وَالْغِشَّ وَالْكِتْمَانَ ” انتهى من “الفتاوى الكبرى” (6 /150) .
ثانيا :
الأصل في النصيحة أن تكون في السر .
قال ابن رجب رحمه الله :
كان السَّلفُ إذا أرادوا نصيحةَ أحدٍ ، وعظوه سراً حتّى قال بعضهم : مَنْ وعظ أخاه فيما بينه وبينَه فهي نصيحة ، ومن وعظه على رؤوس الناس فإنَّما وبخه .
وقال الفضيل : المؤمن يَسْتُرُ ويَنْصَحُ ، والفاجرُ يهتك ويُعيِّرُ .
وقال عبد العزيز بن أبي رواد : كان مَنْ كان قبلكم إذا رأى الرجلُ من أخيه شيئاً يأمره في رفق ، فيؤجر في أمره ونهيه، وإنَّ أحد هؤلاء يَخرُق بصاحبه ، فيستغضب أخاه ويهتك ستره ” انتهى من “جامع العلوم والحكم” (1/ 236) .
وإنما اعتبر هذا الأصل مراعاة لحق المنصوح في ستره وعدم توبيخه .
ثانيا :
إذا اقتضت المصلحة إبداء النصيحة وإظهارها وجب إظهارها ، وخاصة فيما يتعلق بعقائد المسلمين وشرائع دينهم .
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم تارة ينصح في السر ، وتارة يعلن دون التصريح باسم أحد ، وتارة يصرح بالاسم .
فمن الأول قول النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها في حادثة الإفك : ( يَا عَائِشَةُ ، فَإِنَّهُ بَلَغَنِي عَنْكِ كَذَا وَكَذَا ، فَإِنْ كُنْتِ بَرِيئَةً ، فَسَيُبَرِّئُكِ اللَّهُ ، وَإِنْ كُنْتِ أَلْمَمْتِ بِذَنْبٍ ، فَاسْتَغْفِرِي اللَّهَ وَتُوبِي إِلَيْهِ ، فَإِنَّ العَبْدَ إِذَا اعْتَرَفَ بِذَنْبِهِ ، ثُمَّ تَابَ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ ) رواه البخاري (2661) ، ومسلم (2770) .
ومن الثاني قوله صلى الله عليه وسلم : ( مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللهِ ، مَا كَانَ مِنْ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ فَهُوَ بَاطِلٌ ، وَإِنْ كَانَ مِائَةَ شَرْطٍ ) رواه البخاري (456) ، ومسلم (1504) .
ومن الثالث قوله صلى الله عليه وسلم في قصة بني جذيمة : ( اللَّهُمَّ إِنِّي أَبْرَأُ إِلَيْكَ مِمَّا صَنَعَ خَالِدٌ ) – مَرَّتَيْنِ . رواه البخاري (4339) .
وهذا التنوع في النصح وإنكار المنكر يكون بحسب الحال ، فإذا حصل المقصود بالنصح في السر ، ولم تكن هناك حاجة إلى العلانية : اكتفينا بالنصح بالسر .
وإذا لم يحصل المقصود إلا بالعلانية : تعين إعلان النصح ، بقدر ما يحقق المصلحة الشرعية ، ولم يكتف بالنصح بالسر .
ويتأكد ذلك في شأن المنكرات التي عمت وانتشرت ، أو أعلن صاحبها بها ، أو كان خطأ علميا ، أو عمليا ، وقد أذاعه هو ونشره بين الناس .
قال ابن عثيمين رحمه الله :
” المنكر إذا أعلن فيجب إنكاره علناً، لكن هل يجب تعيين الشخص القائم به؟
هذا ينظر فيه إلى المصلحة، إن اقتضت المصلحة أن نعين الشخص من أجل أن يرتدع عما هو عليه من المنكر : فليذكر بعينه ، وإذا كانت المصلحة تقتضي أن يعمم القول ، وأن يقال : يوجد من الناس من يفعل كذا، أو ما بال أقوام يفعلون كذا، أو ما شابه ذلك فهو أحسن ، فالمهم أن المنكر إذا أعلن يجب إنكاره علناً ، لكن تعيين الفاعل ينظر فيه إلى المصلحة ، أما التحذير من هذا الفاعل سراً خوفاً من أن يفتتن به الناس فهذا واجب ” .
انتهى من “لقاء الباب المفتوح” (54/ 12) بترقيم الشاملة .
ولا شك أن فكرة أو مقالة باطلة ، حول تهنئة النبي صلى الله عليه وسلم للكفار بأعيادهم ، مما يستوجب رده ، وبيان غلطه ، وتنبيه الناس الذين قرؤوا ذلك القول الخطأ ، لوجه الصواب والسنة فيه ، وتنبيه صاحب المقالة أولا لما في مقالته من الخطأ .
ومثل هذه الأخطاء التي تنشر وتذاع ، يجب بيان ما فيها من الخطأ ، ووجه الصواب فيها ، لمن كان عنده علم بها ، وقدرة على ذلك البيان والإنكار ؛ فقد قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال : ( مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ ) رواه مسلم (49) .
والحاصل :
أنه لا وجه للوم الناصحة ، على مجرد الإعلان بنصحها ؛ فإن الإعلان في مثل هذه الحال : مطلوب متأكد ، ما دام قد التزم بأدب الحديث والحوار .
وينظر للاستزادة جواب السؤال رقم : (106668) ، ورقم (195200) .
ولمعرفة موقف المسلم من الأحاديث الضعيفة والموضوعة ينظر جواب السؤال رقم : (130210) .
والله تعالى أعلم .
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب
موضوعات ذات صلة