تنزيل
0 / 0
6,89313/12/2013

طلَّق زوجته بعد تهديده بعمل محضر سرقة لها فهل هذا من الإكراه؟

السؤال: 196348

تم الطلاق بدون رغبتي بعد تهديدي بعمل محضر سرقة لزوجتي ، ومن قام بإجراءات الطلاق لم يكن المأذون الأصلي ، وتم محاكمة المأذون الأصلي ، وتم عمل إنذار بالفصل له ، ولم يوقع أصل الإشهاد المودع في المحكمة ، والشهود الاثنان هما أشقاء الزوجة .
على الرغم من أن من قام بعمل المأذون قام بكتابة إقرار أن هذا الطلاق تم بدون ضغط أو إكراه من أحد من أهل الزوجين ، على الرغم من عدم وجود أحد من أهلي .
ما حكم الشرع في هذا الطلاق ؟

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

الأصل المتقرر في الشرع أن طلاق المكره لا يقع لما رواه ابن ماجة (2043) عَنْ أَبِي
ذَرٍّ الْغِفَارِيِّ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ
وَالنِّسْيَانَ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ ) . صححه الألباني في “صحيح ابن ماجة”
.
قال ابن القيم رحمه الله تعالى : ” أفتى الصحابة بعدم وقوع طلاق المكره ، وإقراره ،
فصح عن عمر أن رجلاً تدلى بحبل ليشتار عسلاً [ أي ليأخذ عسلا من الجبل] فأتت امرأته
فقالت : لأقطعن الحبل ، أو لَتُطَلِّقِنِّي ، فناشدها الله ، فأبت فطلقها ، فأتى
عمر فذكر له ذلك فقال له ارجع إلى امرأتك ؛ فإن هذا ليس بطلاق . وحكي عدم الوقوع عن
علي وابن عمر وابن الزبير رضي الله عنهم ” انتهى من “زاد المعاد” (5/208).
وقد سبق بيان حكم طلاق المكره في الفتوى رقم : (99645).
وأما بخصوص مسألتك هذه ففيها تفصيل :
فإن كان قد غلب على ظنك أن من هددوك قادرون على فعل ما هددوك به , وأنهم سينفذون
تهديدهم , وغلب على ظنك أنك ستدخل السجن ، أو سيتم تجريسك وفضيحتك بذلك ؛ وكنت مع
ذلك عاجزا عن دفع هذا الأذى عن نفسك : فهذا يعتبر من الإكراه , وعليه فلا يقع
الطلاق بذلك:
أخرج ابن أبي شيبة في مصنفه (28303) عن عمر رضي الله عنه قال : ” ليس الرجل بأمين
على نفسه إن أَجَعْتَه ، أو أخَفْته ، أو حبسته ” انتهى .
وقال مطرف : ” وسمعنا مالكا يقول: السجن إكراه ، والقيد إكراه ” .
انتهى من ” فتح العلي المالك في الفتوى على مذهب الإمام مالك ” (2 / 56).
بل قد نص فريق من أهل العلم على أن الإكراه على الطلاق يحصل لبعض الناس بما دون
السجن ؛ فيحصل مثلا بالتهديد بإذهاب الجاه لذوي الهيئات والمروءات :
جاء في ” كشف الأسرار شرح أصول البزدوي ” (4 / 385) ” أما ما يئول إلى إذهاب الجاه
، مثل أن تقول للمحتشم [ = إنسان محترم ] : لأُسَوِّدن وجهك ، أو لأطوفن بك في
البلد ، أو نحو ذلك ، أو لأتلفن مالك : فلا يكون ذلك إكراها إذا كان يكرهه على قتل
أو قطع , وإن كان يكرهه على إتلاف مال ، أو على طلاق أو عتاق : فهو إكراه ، على قول
بعض أصحابنا ” انتهى.
أما إن كان قد غلب على ظنك أنهم غير قادرين على فعل ما هددوك به ، أو أنهم قادرون
ولكنهم لن يفعلوا مايهددونك به ، أو سيفعلونه ولكن لن يترتب عليه مقصودهم من سجنك ،
أو فضيحتك ، إما لأنهم غير قادرين على إثبات ذلك عليك في عادة بلدك ، أو لأن عندك
من الحجة ، أو السلطة ما تدفع به عن نفسك : فهذا ليس بإكراه , لانتفاء شروط الإكراه
التي ذكرها أهل العلم .
جاء في ” فتح الباري ” لابن حجر (12 / 311):” الإكراه هو إلزام الغير بما لا يريده
, وشروط الإكراه أربعة , الأول: أن يكون فاعله قادرا على إيقاع ما يهدد به ،
والمأمور عاجزا عن الدفع ولو بالفرار , الثاني: أن يغلب على ظنه أنه إذا امتنع :
أوقع به ذلك , الثالث: أن يكون ما هدده به فوريا , فلو قال إن لم تفعل كذا ضربتك
غدا ، لا يعد مكرها ، ويستثنى ما إذا ذكر زمنا قريبا جدا ، أو جرت العادة بأنه لا
يخلف , الرابع: أن لا يظهر من المأمور ما يدل على اختياره ” انتهى .
وجاء في ” بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع ” (7 / 176) : ” وأما شرائط الإكراه
فنوعان: نوع يرجع إلى المكرِه ونوع يرجع إلى المكره .(أما) الذي يرجع إلى المكرِه
فهو أن يكون قادرا على تحقيق ما أوعد ؛ لأن الضرورة لا تتحقق إلا عند القدرة
……(وأما) النوع الذي يرجع إلى المكرَه فهو أن يقع في غالب رأيه ، وأكثر ظنه :
أنه لو لم يجب إلى ما دعي إليه ، تحقق ما أوعد به ؛ لأن غالب الرأي حجة ، خصوصا عند
تعذر الوصول إلى اليقين ، حتى إنه لو كان في أكثر رأي المكرَه ، أن المكرِه لا يحقق
ما أوعده : لا يثبت حكم الإكراه شرعا” انتهى .
وفي حال عدم تحقق شروط الإكراه المعتبر شرعا : فإن الطلاق يقع ، وتصير زوجتك قد
طلقت منك طلقة , ويحق لك ارتجاعها ما دامت في عدتها ، إن كانت هذه هي التطليقة
الأولى أو الثانية , أما إن كانت التطليقة الثالثة فإنها تكون قد بانت منك بينونة
كبرى , ولا تحل لك إلا بعد أن تتزوج زوجا غيرك ، زواج رغبة لا زواج تحليل ثم يطلقها
، أو يموت عنها ، وتنتهي عدتها منه .
مع التنبيه على أنه لا يشترط في وقوع الطلاق أن يسجل لدى المأذون أو المحكمة ، كما
بيناه في الفتوى رقم : (169624)
.
كما لا يشترط في إيقاعه شهادة الشهود , وقد حُكي الإجماع على أنه لا يشترط الإشهاد
على الطلاق , قال الشوكاني رحمه الله في مسألة الإشهاد على الرجعة : ” ومن الأدلة
على عدم الوجوب : أنه قد وقع الإجماع على عدم وجوب الإشهاد في الطلاق ، كما حكاه
الموزعي في تيسير البيان ، والرجعة قرينته ، فلا يجب فيها ، كما لا يجب فيه ” .
انتهى من “نيل الأوطار” (6/ 300) .
وقد أمر الله تعالى بالإشهاد على الطلاق والرجعة في قوله تعالى : ( فَإِذَا
بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ
وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ ) الطلاق/2 ، وهذا الأمر للندب والاستحباب عند
جمهور الفقهاء , ويراجع الفتوى رقم : (119459).
والله أعلم.

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android