0 / 0

حديث: (وَيْحَ عَمَّارٍ، تَقْتُلُهُ الفِئَةُ البَاغِيَةُ، يَدْعُوهُمْ إِلَى الجَنَّةِ، وَيَدْعُونَهُ إِلَى النَّارِ) وردّ شبهة الطعن به في معاوية رضي الله عنه .

السؤال: 201963

بعض الروافض يحتجون بحديث : ( ويح عمار تقتله الفئة الباغية يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار) الموجود في البخاري , وهذا صراحة فيه حجة لهم على تكفير معاوية رضي الله عنه ، ولا يوجد الكثير من الرد على هذه الشبهة على الإنترنت .
فأرجو تفنيد هذه الشبهة .

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولا :
الواجب إحسان الظن بمن اصطفاهم الله لصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم ، فهم خير صحابة لخير نبي ، لا يجوز في حقهم إلا حسن الثناء عليهم ، ومن وقع فيهم فهو متهم على دينه .
قال أبو زرعة الرازي رحمه الله : ” إذا رأيت الرجل ينتقص أحدا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعلم أنه زنديق ؛ وذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم عندنا حق والقرآن حق ، وإنما أدى إلينا هذا القرآنَ والسننَ أصحابُ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإنما يريدون أن يجرحوا شهودنا ليبطلوا الكتاب والسنة ، والجرح بهم أولى وهم زنادقة ” انتهى من “الكفاية في علم الرواية” للخطيب البغدادي (ص 49) .
وانظر جواب السؤال رقم : (187689) .
ثانيا :
إنما اقتتل عامة أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم على التأويل والاجتهاد ، الذي يبدو لصاحبه أنه على الحق ؛ ولذلك لما استبان لبعضهم أنه كان مخطئا ندم على خروجه وقتاله ، والندم توبة ، والتوبة تجب ما قبلها ، وخاصة في حق أشرف الخلق وأعلاهم قدرا وأعظمهم حرما وجاها بعد أنبياء الله ورسله .
ومن تحقق الأمر علم أن هذا القتال كان سببه أهل الفتنة ، الذين روجوا لها بالباطل.
وقد خرج في هذا القتال كثير من الصحابة رضي الله عنهم يبغون الإصلاح بين الناس ، وكان القتال أبغض شيء إلى أنفسهم ، ولكن كان أمر الله قدرا مقدورا .
ثالثا :
روى البخاري (447) عن أَبِي سَعِيدٍ الخدري في ذكر بِنَاءِ المَسْجِدِ ، قَالَ: ” كُنَّا نَحْمِلُ لَبِنَةً لَبِنَةً وَعَمَّارٌ لَبِنَتَيْنِ لَبِنَتَيْنِ ، فَرَآهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَنْفُضُ التُّرَابَ عَنْهُ ، وَيَقُولُ: ( وَيْحَ عَمَّارٍ ، تَقْتُلُهُ الفِئَةُ البَاغِيَةُ، يَدْعُوهُمْ إِلَى الجَنَّةِ ، وَيَدْعُونَهُ إِلَى النَّارِ ) قَالَ: يَقُولُ عَمَّارٌ: ” أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الفِتَنِ ” .
فالمراد بالدعاء إلى الجنة في هذا الحديث : الدعاء إلى سببها وهو طاعة أمير المؤمنين ، والمراد بالدعاء إلى النار : الدعاء إلى سببها ، وهو مشاقة أمير المؤمنين ، والخروج عليه .
لكن من فعل ذلك باجتهاد وتأويل سائغ ، فهو معذور .
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله :
” وَهَذَا الْحَدِيثُ مِنْ دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ حَيْثُ أَخْبَرَ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ عَنْ عَمَّارٍ أَنَّهُ تَقْتُلُهُ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ ، وَقَدْ قَتَلَهُ أَهْلُ الشَّامِ فِي وَقْعَةِ صِفِّينَ ، وَعَمَّارٌ مَعَ عَلِيٍّ وَأَهْلِ الْعِرَاقِ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ وَتَفْصِيلُهُ فِي مَوْضِعِهِ ، وَقَدْ كَانَ عَلِيٌّ أَحَقَّ بِالْأَمْرِ مِنْ مُعَاوِيَةَ .
وَلَا يَلْزَمُ مِنْ تَسْمِيَةِ أَصْحَابِ مُعَاوِيَةَ بُغَاةً : تَكْفِيرُهُمْ ، كَمَا يُحَاوِلُهُ جَهَلَةُ الْفِرْقَةِ الضَّالَّةِ مِنَ الشِّيعَةِ وَغَيْرِهِمْ ; لِأَنَّهُمْ ، وَإِنْ كَانُوا بُغَاةً فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، فَإِنَّهُمْ كَانُوا مُجْتَهِدِينَ فِيمَا تَعَاطَوْهُ مِنَ الْقِتَالِ، وَلَيْسَ كُلُّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبًا، بَلِ الْمُصِيبُ لَهُ أَجْرَانِ، وَالْمُخْطِئُ لَهُ أَجْرٌ .
وَمَنْ زَادَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ بَعْدَ قَوْلِهِ: ” تَقْتُلُكَ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ “: لَا أَنَالَهَا اللَّهُ شَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَقَدِ افْتَرَى فِي هَذِهِ الزِّيَادَةِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ; فَإِنَّهُ لَمْ يَقُلْهَا ؛ إِذْ لَمْ تُنْقَلْ مِنْ طَرِيقٍ تُقْبَلُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ: يَدْعُوهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ، وَيَدْعُونَهُ إِلَى النَّارِ : فَإِنَّ عَمَّارًا وَأَصْحَابَهُ يَدْعُونَ أَهْلَ الشَّامِ إِلَى الْأُلْفَةِ وَاجْتِمَاعِ الْكَلِمَةِ ، وَأَهْلُ الشَّامِ يُرِيدُونَ أَنْ يَسْتَأْثِرُوا بِالْأَمْرِ دُونَ مَنْ هُوَ أَحَقُّ بِهِ ، وَأَنْ يَكُونَ النَّاسُ أَوْزَاعًا عَلَى كُلِّ قُطْرٍ إِمَامٌ بِرَأْسِهِ ، وَهَذَا يُؤَدِّي إِلَى افْتِرَاقِ الْكَلِمَةِ ، وَاخْتِلَافِ الْأُمَّةِ، فَهُوَ لَازِمُ مَذْهَبِهِمْ وَنَاشِئٌ عَنْ مَسْلَكِهِمْ ، وَإِنْ كَانُوا لَا يَقْصِدُونَهُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ .” .
انتهى من “البداية والنهاية” (4/538) .

وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله :
” فَإِنْ قِيلَ : كَانَ قَتْلُهُ بِصِفِّينَ ، وَهُوَ مَعَ عَلِيٍّ ، وَالَّذِينَ قَتَلُوهُ مَعَ مُعَاوِيَةَ ، وَكَانَ مَعَهُ جَمَاعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ : فَكَيْفَ يَجُوزُ عَلَيْهِمُ الدُّعَاءُ إِلَى النَّارِ ؟
فَالْجَوَابُ : أَنَّهُمْ كَانُوا ظَانِّينَ أَنَّهُمْ يَدْعُونَ إِلَى الْجَنَّةِ ، وَهُمْ مُجْتَهِدُونَ لَا لَوْمَ عَلَيْهِمْ فِي اتِّبَاعِ ظُنُونِهِمْ ، فَالْمُرَادُ بِالدُّعَاءِ إِلَى الْجَنَّةِ : الدُّعَاءُ إِلَى سَبَبِهَا وَهُوَ طَاعَةُ الْإِمَامِ ، وَكَذَلِكَ كَانَ عَمَّارٌ يَدْعُوهُمْ إِلَى طَاعَةِ عَلِيٍّ ، وَهُوَ الْإِمَامُ الْوَاجِبُ الطَّاعَةُ إِذْ ذَاكَ ، وَكَانُوا هُمْ يَدْعُونَ إِلَى خِلَافِ ذَلِكَ ، لَكِنَّهُمْ معذورون للتأويل الَّذِي ظهر لَهُم ” .
انتهى من “فتح الباري” (1/ 542) ، وينظر : “مجموع فتاوى شيخ الإسلام” (4/437) .
فلا بد أن نفرق بين المجتهد المخطئ ، وبين المتعمد الفساد والفتنة .
وقد قال الله تعالى : ( وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ) الحجرات/ 9- 10.
فدل ذلك على أن حصول القتال بين المؤمنين ممكن ، دون أن تسلب إحدى الطائفتين اسم الإيمان لقتالها الطائفة الأخرى ، ثم قال تعالى : ( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ ) .
فسماهم – مع قتالهم – إخوة ، وأمر المسلمين بالإصلاح بينهم .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
” فَبَيَّنَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَنَّهُمْ مَعَ الِاقْتِتَالِ ، وَبَغْيِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ : مُؤْمِنُونَ إخْوَةٌ ، وَأَمَرَ بِالْإِصْلَاحِ بَيْنَهُمْ ؛ فَإِنْ بَغَتْ إحْدَاهُمَا بَعْدَ ذَلِكَ : قُوتِلَتْ الْبَاغِيَةُ ، وَلَمْ يَأْمُرْ بِالِاقْتِتَالِ ابْتِدَاءً.
وَأَخْبَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ الطَّائِفَةَ الْمَارِقَةَ [ الخوارج ] : يَقْتُلُهَا أَدْنَى الطَّائِفَتَيْنِ إلَى الْحَقِّ ، فَكَانَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَمَنْ مَعَهُ هُمْ الَّذِينَ قَاتَلُوهُمْ .
فَدَلَّ كَلَامُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَنَّهُمْ أَدْنَى إلَى الْحَقِّ مِنْ مُعَاوِيَةَ وَمَنْ مَعَهُ ، مَعَ إيمَانِ الطَّائِفَتَيْنِ ” انتهى من مجموع الفتاوى (25/ 305-306) .

وعنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( تَمْرُقُ مَارِقَةٌ عِنْدَ فُرْقَةٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ يَقْتُلُهَا أَوْلَى الطَّائِفَتَيْنِ بِالْحَقِّ ) رواه مسلم ( 1064).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
” فهذا الحديث الصحيح دليل على أن كلتا الطائفتين المقتتلتين – علي وأصحابه ، ومعاوية وأصحابه – على حق ، وأن عليّاً وأصحابه كانوا أقرب إلى الحق من معاوية وأصحابه ” .
انتهى من” مجموع الفتاوى ” ( 4 / 467 ) ، وينظر أيضا : “مجموع الفتاوى” (4/437-438) .
وينظر للمزيد جواب السؤال رقم : (147974) ، (140984) .
والحاصل :
أن مجرد قوله : ( ويدعونه إلى النار ) لا يعني الكفر ، والعياذ بالله ، ومن قال ذلك فإنما أتي من بالغ جهله ، بل هذا من أحاديث الوعيد : كما أن آكل الربا في النار ، وآكل مال اليتيم في النار ، ونحو ذلك من أحاديث الوعيد ، التي لا تستلزم كفر صاحبها ، وإن كانت تدل على أن عمله محرم ؛ بل من الكبائر .

بل قد حمل بعض أهل العلم قوله ( ويدعونه إلى النار ) على الخوارج .
قال ابن بطال رحمه الله :
” قوله: (يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار) ، إنما يصح ذلك في الخوارج الذين بعث إليهم علىّ عمارًا ليدعوهم إلى الجماعة ، وليس يصح في أحد من الصحابة؛ لأنه لا يجوز لأحد من المسلمين أن يتأول عليهم إلا أفضل التأويل ؛ لأنهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين أثنى الله عليهم وشهد لهم بالفضل ، فقال تعالى: (كنتم خير أمةٍ أخرجت للناس) آل عمران/ 110 .
قال المفسرون : هم أصحاب رسول الله، وقد صح أن عمارًا بعثه علىّ إلى الخوارج يدعوهم إلى الجماعة التي فيها العصمة ” انتهى من “شرح صحيح البخاري” (2/ 98-99) .

راجع للفائدة جواب السؤال رقم : (171167) .

والله تعالى أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android