0 / 0

هل ذكر بناء إبراهيم عليه السلام الكعبة المشرفة في التوراة والإنجيل ؟

السؤال: 204341

أحد أعمامي ليس بمسلم ، ولكنه يجري بحثا عن الإسلام في الوقت الراهن . هو يعيش في ولاية كاليفورنيا بالولايات المتحدة الأمريكية ، ودرس التوراة والإنجيل والقرآن ، وقد سألني سؤالا لم أستطع الرد عليه بإجابة مرضية ، حيث إنني لست متخصصا ، لذلك أود مساعدتك في إجابة السؤال ، وهو كالتالي : ” ذكر في القرآن أن نبي الله إبراهيم كان مسلما ، وكذلك ابنه ، وقد بنيا الكعبة ، وطبقا للتوراة والإنجيل لم يدخل نبي الله إبراهيم مكة ، فلماذا هذا التعارض ” ؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

لا نعتقد – نحن المسلمين – أن ثمة تعارضا بين القرآن الكريم ، وبين التوراة والإنجيل الأصليين ؛ لأننا نؤمن أنها كلها كتب سماوية نزلت من عند الله سبحانه ، فصدرت عن مشكاة واحدة ، وما كان حاله كذلك لا يمكن أن يتعارض أو يتناقض ، كما قال سبحانه وتعالى : ( أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا ) النساء/82 ، وقد سمى الله عز وجل القرآن الكريم ( مصدقا ) لما سبق من الكتب ، والمصدِّق لا يتعارض ولا يتناقض ، قال تعالى : ( نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ . مِنْ قَبْلُ هُدًى لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ ) آل عمران/3-4 ، وقال عز وجل : ( وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ ) المائدة/48.
وأما ما نراه اليوم من مخالفات في نسخ التوراة والإنجيل المعروفة بين يدي الناس فسببه واضح وظاهر ، وهو وقوع التحريف والتبديل في هذين الكتابين ، بالنقص والزيادة والتغيير ، فضلا عن عدم الوثوق بالأصول والوثائق التي نقلتهما إلى عصرنا الحديث ، الأمر الذي يفسر أي اختلاف يراه الباحثون والدارسون بين هذين الكتابين ، وبين القرآن الكريم الذي نقل إلينا نقلا متواترا قطعيا بشهادة المؤمنين والكافرين .
وللتوسع في بيان هذا الأمر يمكنكم مراجعة الفتوى رقم: (186196).
ومع ذلك نقول : إن بلوغ إبراهيم عليه السلام أرض مكة المكرمة – بل وبناءه البيت الحرام – من الحوادث التاريخية التي شهدت بها التوراة وغيرها من كتب التاريخ القديم . ولا ننكر وقوع الاختلاف في تفسير تلك النصوص التوراتية وغيرها ، وأن السياق فيها محتمل ، وإنما مقصدنا إثبات وجود الإشارات ، واحتمال السياق لتناسق القصة وارد أيضا ، ثم بعد ذلك يترك الأمر إلى علم النقد النصي للعهد القديم ، للجزم بحقيقة المقال . فمن تلك الإشارات :
أولا :
جاء في ” سفر التكوين ” (الإصحاح/16، العدد/7) قوله – بعد ذكر قصة دخول إبراهيم على هاجر وحملها منه ثم شكاية ساري (سارة) منها -: ” فعذبتها ساري حتى هربت من بين يديها . فوجدها مَلاك الله على عين ماء في البرية ، على العين التي في طريق الحجاز . فقال : يا هاجر أمة ساري ! من أين جئت وإلى أين تمضين ؟ قالت : من بين يدي ساري أنا هاربة… فنادت باسم الله المخاطب لها : أنت القادر الرُّئِي ؛ لأنها قالت : إني رأيت ههنا رحمتك بعد رؤيتي الشقاء ، لذلك سميت البئر بئر الحي الرحيم هوذا ، هي بين رقيم وبين يرد “.
انتهى (ص/255) .
فانظر كيف ورد اسم ( الحجاز ) ، وخروج هاجر إليها ، ثم بعد ذلك نعمة البئر الحي من الله سبحانه وتعالى ، الذي هو بئر زمزم .
ثانيا :
جاء في ” سفر التكوين ” (الإصحاح/30، العدد/1-18) قوله : ” فصعد أبرام من مصر هو وزوجته وكل ماله ولوط معه إلى القبلة … فمضى في مراحله من القبلة إلى أيل ، إلى الموضع الذي كان فيه مضربه في الابتداء ، بين بيت أيل وبيت العي ، إلى موضع المذبح الذي صنعه ثم في الابتداء ، فدعا ثم أبرام باسم الله … فخيم أبرام مرحلة مرحلة إلى أن جاء وأقام في أرضى ممرى الذي في حبري ، وبنى مذبحا لله ” انتهى من (ص/251) .
وجاء أيضا (الإصحاح/20، العدد/1): ” ثم رحل من ثم إبراهيم إلى بلد القبلة ، وأقام بين الرقيم وبين الجفار ، وسكن في الخلوص” (ص/260) .
وهذه النصوص نقلناها من التوراة المترجمة إلى العربية على يد (سعيد الفيومي ت943هـ) ” أول من ترجم العهد القديم إلى العربية ، كما كتب تفسيراً لمعظم أجزائه “، وهذه التوراة لم نقف عليها سوى في كتاب إدريس اعبيزة ، المسمى ” مدخل إلى دراسة التوراة ونقدها مع ترجمتها العربية لسعديا كؤون الفيومي “.
أما في ترجمات التوراة الأخرى المشهورة فجاء فيها بدلا من ( الحجاز ) قوله : ( على العين التي في طريق شور )، وبدلا من ( القبلة ) قوله : ( الجنوب )
وللتوسع يمكن مراجعة كتاب ” نبي أرض الجنوب ” لجمال الدين الشرقاوي (ص/18-109) وعلى ما ذكره هناك بعض الملاحظات .
ثالثا :
جاء في ” سفر التكوين ” (الإصحاح/21، العدد/21) قوله عن إسماعيل عليه السلام : ” سكن في برية فاران ، وأخذت له أمه زوجة من أرض مصر ” انتهى، هكذا وجدته في ” التوراة السامرية ” (ص/61)، وفي ترجمة الفيومي للتوراة (ص/261) .
وفاران – وإن وردت في سياقات كثيرة في التوراة تدل على أنها في فلسطين – إلا أن الإمام القرافي في كتابه ” الأجوبة الفاخرة ” (ص165) يقول : ” فاران مكّة باتفاق أهل الكتاب “. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في ” الجواب الصحيح لمن بدّل دين المسيح ” (5/200) : ” ليس بين المسلمين وأهل الكتاب خلاف في أنّ فاران هي مكة ، فإن ادعوا أنها غير مكة ، فليس ينكر ذلك من تحريفهم وإفكهم ” وقد قال أيضا رحمه الله – عن المنطقة حول جبل حراء في مكة – : ” وذلك المكان يسمّى فاران إلى هذا اليوم ” انتهى.
وقد قرر عبدالحق فديارتي (ت1978م) في كتابه الشهير ” محمد في الأسفار العالمية ” (ص70-71) المكتوب باللغة الانجليزية ، ونحن نترجمه هنا بما تيسر ” أنه في الترجمة العربية للتوراة السامرية – التي نشرت عام (1851م) – ورد فيها أن ( فاران ) تقع في ( الحجاز )، على الوجه الآتي: ” سكن في برية فاران ( حجاز )، وأخذت له أمه زوجة من أرض مصر. وهذه الترجمة استمرت متداولة لوقت طويل ، ولكن عندما نبه المسلمون العالم المسيحي إلى هذه النبوءة ، وأنها بمثابة شهادة على حقيقية هذا النبي الكريم ، تم تعديل الترجمة ” انتهى.
رابعا :
وورد في ” العهد الجديد ” في ” المزمور ” (84) (5-10) اسم ” وادي بكة “، ونحن نورد النص هنا باللغة الانجليزية ، من نسخة الملك جيمس ، حيث جاء فيه :
” Blessed is the man whose strength is in thee; in whose heart are the ways of them
Who passing through the valley of Baca make it a well…For a day in thy courts is better than a thousand”
وترجمة هذا النص هي :
” طوبى لأناس عِزُّهم بك ، طرق بيتك في قلوبهم ، عابرين في وادي (Baca)، يصيرونه ينبوعا… لأن يوما واحدا في ديارك خير من ألف ” .
وليس ثمة في الأرض واد اسمه ( بكة ) يشتمل على بيت عبادة وينبوع ماء ( زمزم )، الصلاة فيه أفضل من ألف فيما سواه ، سوى مكة المكرمة .
وبكة أحد أسماء مكة ، ورد هذا الاسم في القرآن الكريم في قوله تعالى : ( إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ ) آل عمران/96.
غير أن مترجمي ومفسري العهد الجديد حرفوا كلمة (Baca) إلى ( البكاء )، رغم أن الأعلام لا تترجم إلى معانيها ، وإنما تبقى على ألفاظها ، ورغم أنه لا تعرف هذه الكلمة بمعنى البكاء ، ولكن رغبة في إفناء كل إشارة إلى شيء ثابت في القرآن الكريم ، وقع مثل هذا التحريف .
ونقول في الختام : إنه لو لم يرد شيء في العهد القديم عن رحلة إبراهيم عليه السلام إلى الحجاز، فليس ذلك بدليل على نفي الرحلة أصلا ، فالقاعدة العقلية المعلومة تقول : عدم الذكر ، ليس ذكرا للعدم ؛ بمعنى أن النفي لا بد أن يكون صريحا بصيغة النفي ، وأما عدم الإثبات قد لا يكون بسبب النفي ، بل قد يكون بسبب النقص أو النسيان أو الاختصار أو عدم الحاجة ، أو نحو ذلك من الأغراض ، فلا يجوز لمن يتابع مثلا صحيفة إخبارية معينة ، أن ينفي خبرا قرأه في صحيفة أخرى ، بدعوى أن الصحيفة الأولى لم تذكرها ، ومن فعل ذلك ناقض العقل وخالف المسلمات . وكذلك الشأن في هذه القضية .
فضلا عن أننا لو رحنا نسوق كلام المؤرخين غير المسلمين ، الذين تطرقوا لشؤون الكعبة وحقيقة من بناها ، وقرروا أن إبراهيم عليه السلام أشهر من فعل ذلك في التاريخ ، لطال بنا المقام جدا، ولكن نقتصر على نقل واحد عن أشهر كتب التاريخ المعاصرة ، وهو كتاب ” قصة الحضارة ” لديورانت مل ، يقع هذا الكتاب في اثنين وأربعين جزءا ، تحدث فيه عن تاريخ معظم الحضارات، ومنها تاريخ الجزيرة العربية ، فكان مما قاله : ” بناها في المرة الرابعة إبراهيم وإسماعيل ابنه من هاجر ” ينظر ” قصة الحضارة ” (13/18) .
والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

answer

موضوعات ذات صلة

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android