0 / 0

الكلام على الخبر المشهور في هجرة عمر رضي الله عنه ، وبيان ضعفه .

السؤال: 208771

حين اشتدت وطأة كفار قريش بالمسلمين وبالغوا في إيذائهم واضطهادهم ، أتى أمر الهجرة ، وكانت لكل مسلم طريقته بالخروج إلى المدينة المنورة ، فكانت طريقة الرسول صلى الله عليه وسلم : أن يهاجر خفية ، والكفار متربصون به , بينما عمر رضي الله عنه هاجر جهرا ، بل متحديا وقائلا : ” من أراد أن يثكل أمه أو يرمل زوجته أو ييتم ولده فليلقني وراء هذا الوادي” .
– هل يمكن القول أن الرسول صلى الله عليه وسلم أقل جرأة من عمر بن الخطاب ؟
– فسر هذا الاختلاف بين الهجرتين ؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولا :
هذا الخبر المشهور في هجرة عمر رضي الله عنه ضعيف الإسناد لا يصح ، فقد رواه ابن عساكر في “تاريخ دمشق” (44/ 51) ، وابن الأثير في “أسد الغابة” (4/ 145) من طريق الزبير بن محمد بن خالد العثماني نا عبد الله بن القاسم الأيلي عن أبيه عن عقيل بن خالد عن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس عن أبيه عن عبد الله بن العباس قال : ” قال لي علي بن أبي طالب :
ما علمت أن أحدا من المهاجرين هاجر إلا مختفيا ، إلا عمر بن الخطاب فإنه لما هم بالهجرة تقلد سيفه ، وتنكب قوسه ، وانتضى في يده أسهما (أي: أخرجها) ، واختصر عَنَزَته (شبه العكازة) ، ومضى قِبَل الكعبة ، والملأ من قريش بفنائها ، فطاف بالبيت سبعا متمكنا ، ثم أتى المقام فصلى ، متمكنا ثم وقف على الحلق واحدة واحدة ، فقال لهم : ” شاهت الوجوه لا يرغم الله إلا هذه المعاطس ، من أراد أن تثكله أمه أو يوتم ولده أو يرمل زوجه فليلقني وراء هذا الوادي ” .
قال علي : فما تبعه أحد إلا قوم من المستضعفين علمهم وأرشدهم ومضى لوجهه .

وهذا إسناد ضعيف لا يحتج به : الزبير بن محمد وشيخه وأبو شيخه : مجهولون لا يعرفون .
قال الشيخ الألباني رحمه الله :
” مداره على الزبير بن محمد بن خالد العثماني: حدثنا عبد الله بن القاسم الأيلي عن أبيه بإسناده إلى علي . وهؤلاء الثلاثة في عداد المجهولين ؛ فإن أحدا من أهل الجرح والتعديل لم يذكرهم مطلقا ” انتهى من “دفاع عن الحديث النبوي” (ص 42) .

والصحيح في خبر هجرة عمر رضي الله عنه ما رواه ابن إسحاق قال :
” ثُمَّ خَرَجَ عُمر بْنُ الْخَطَّابِ ، وعَيَّاش بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ الْمَخْزُومِيُّ ، حَتَّى قَدِمَا الْمَدِينَةَ ، فَحَدَّثَنِي نَافِعٌ مَوْلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ أَبِيهِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ، قَالَ: اتعَدْتُّ، لَمَّا أَرَدْنَا الْهِجْرَةَ إلَى الْمَدِينَةِ ، أَنَا وعَيَّاش بن أبي ربيعة وهشام بن العاص بْنِ وَائِلٍ السَّهْمِيُّ التَّناضِبَ مِنْ أَضَاةِ بَنِي غِفَارٍ، فَوْقَ سَرِف وَقُلْنَا: أَيُّنَا لَمْ يُصْبِحْ عِنْدَهَا فَقَدْ حُبس فَلْيَمْضِ صَاحِبَاهُ ، قَالَ: فَأَصْبَحْتُ أَنَا وَعَيَّاشُ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ عِنْدَ التَّناضِب ، وحُبس عنا هشام ، وفُتن ، فافتتن.
” انتهى من سيرة ابن هشام” (2/ 85) ، وصححه الحافظ في “الإصابة” (6/ 423) .

ثانيا :
كان النبي صلى الله عليه وسلم أشجع الناس ، وأشدهم جرأة في الحق ، وكان الصحابة رضي الله عنهم إذا اشتد البأس في الحروب : اتقوا برسول الله صلى الله عليه وسلم .
فروى البخاري (2820) ، ومسلم (2307) عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ : ( كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْسَنَ النَّاسِ ، وَأَشْجَعَ النَّاسِ ، وَأَجْوَدَ النَّاسِ ) .
قال الحافظ رحمه الله :
” فَجَمَعَ صِفَاتِ الْقُوَى الثَّلَاثِ الْعَقْلِيَّةِ وَالْغَضَبِيَّةِ وَالشَّهْوَانِيَّةِ ، فَالشَّجَاعَةُ تَدُلُّ عَلَى الْغَضَبِيَّةِ ، وَالْجُودُ يَدُلُّ على الشهوانية ، وَالْحُسْنُ تَابِعٌ لِاعْتِدَالِ الْمِزَاجِ الْمُسْتَتْبِعِ لِصَفَاءِ النَّفْسِ الَّذِي بِهِ جَوْدَةُ الْقَرِيحَةِ الدَّالِّ عَلَى الْعَقْلِ ، فَوُصِفَ بِالْأَحْسَنِيَّةِ فِي الْجَمِيعِ ” انتهى .

وروى مسلم (1776) عن الْبَرَاء رضي الله عنه قال : ” كُنَّا وَاللهِ إِذَا احْمَرَّ الْبَأْسُ نَتَّقِي بِهِ ، وَإِنَّ الشُّجَاعَ مِنَّا لَلَّذِي يُحَاذِي بِهِ ، يَعْنِي النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ” .
قال النووي رحمه الله :
” وَفِيهِ بَيَان شَجَاعَته صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعِظَم وُثُوقه بِاَللَّهِ تَعَالَى ” انتهى .

وإنما فعل ما فعل بشأن هجرته صلى الله عليه وسلم : لأنه يشرع لأمته ، وليس من الحكمة ولا من العقل ، ولا من الشرع أيضا في شيء : أن يقدم على أمر خطير كهذا ، لم يأخذ له أهبته ، ولم يعد له عدته ؛ وإنما هذا : كأكل الطعام للجائع ، وغير ذلك من الأسباب التي شرعها لأمته.
وإذا قدر أن عمر رضي الله عنه : قد صح عنه ذلك الأمر ؛ فإنما عمر رجل واحد ، إذا هلك : هلك رجل واحد ، وأما رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فهو المبلغ عن ربه ، إمام الناس في دينهم .
وإنما عمر أيضا رجل واحد ، لا يشرع لأحد بفعله أو قوله ، ولا يتأسى به غيره ، وأما رسول الله صلى الله عليه وسلم : فقوله ، وفعله ، خاصة في مثل ذلك : تشريع لأمته .
قال علماء اللجنة :
” ثبت في الكتاب والسنة الصحيحة الحث على الأخذ بالأسباب مع التوكل على الله ، فمن أخذ بالأسباب واعتمدها فقط ، وألغى التوكل على الله فهو مشرك ، ومن توكل على الله وألغى الأسباب : فهو جاهل مفرط مخطئ ، والمطلوب شرعا هو الجمع بينهما ” .
انتهى من “فتاوى اللجنة الدائمة” (1/ 375) .

راجع للاستزادة إجابة السؤال رقم : (10063) .

والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

answer

موضوعات ذات صلة

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android