0 / 0

هل الحركة باليد عند ذكر أحاديث الصفات من التشبيه والتمثيل ؟

السؤال: 208868

عن ابن عمر رضي اللّه عنهما قال: إن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قرأ هذه الآيات ذات يوم على المنبر : [ وما قدروا اللّه حق قدره والأرض جميعاً قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون ] ، ورسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول هكذا بيده يحركها يقبل بها ويدبر : يمجد الرب نفسه أنا الجبار ، أنا المتكبر ، أنا الملك ، أنا العزيز ، أنا الكريم ) ، فرجف برسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم المنبر حتى قلنا : ليخرنَّ .
السؤال : أليس فيه تشبيه باليد والله يقول : ( ليس كمثله شئ وهو السميع البصير ) .

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولاً :
روى مسلم (2788) عن عبيد بن مقسم ، أنه نظر إلى عبد الله بن عمر رضي الله عنهما كيف يحكي رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( يَأْخُذُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ سَمَاوَاتِهِ وَأَرَضِيهِ بِيَدَيْهِ ، فَيَقُولُ : أَنَا اللهُ – وَيَقْبِضُ أَصَابِعَهُ وَيَبْسُطُهَا – أَنَا الْمَلِكُ ) حَتَّى نَظَرْتُ إِلَى الْمِنْبَرِ يَتَحَرَّكُ مِنْ أَسْفَلِ شَيْءٍ مِنْهُ ، حَتَّى إِنِّي لَأَقُولُ : أَسَاقِطٌ هُوَ بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ .

وروى الإمام أحمد (5414) عن ابن عمر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم : قَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ ذَاتَ يَوْمٍ عَلَى الْمِنْبَرِ : ( وَمَا قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ) ، وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ هَكَذَا بِيَدِهِ، وَيُحَرِّكُهَا، يُقْبِلُ بِهَا وَيُدْبِرُ ( يُمَجِّدُ الرَّبُّ نَفْسَهُ : أَنَا الْجَبَّارُ ، أَنَا الْمُتَكَبِّرُ ، أَنَا الْمَلِكُ ، أَنَا الْعَزِيزُ ، أَنَا الْكَرِيمُ ) فَرَجَفَ بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمِنْبَرُ حَتَّى قُلْنَا : لَيَخِرَّنَّ بِهِ . وصححه الشيخ الألباني رحمه الله في ” السلسلة الصحيحة ” (7/596) .

فمثل هذه الأحاديث التي فيها تحريك اليد عند ذكر صفة الرب تعالى ليست للتمثيل والتشبيه ، وكيف يُظن ذلك برسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ ولكن مثل هذه الإشارات إنما هي لتحقيق الصفة ، وإثباتها على الحقيقة ، ونفي إرادة المجاز عنها ، فعند تلك الإشارة ، مع استحضار قوله تعالى : ( ليس كمثله شيء ) يفهم السامع أن المراد الصفة الحقيقية لا المجازية ، ولا يفهم أن المقصود من ذلك التشبيه والتمثيل ، لأنه يعلم أن الله ليس كمثله شيء .

روى أبو داود (4728) : عن أبي هريرة رضي الله عنه قرأ هَذِهِ الْآيَةَ : ( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا) النساء/58 . قَالَ : ( رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَضَعُ إِبْهَامَهُ عَلَى أُذُنِهِ، وَالَّتِي تَلِيهَا عَلَى عَيْنِهِ ) ، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ : ( رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَؤُهَا وَيَضَعُ إِصْبَعَيْهِ) ، قَالَ الْمُقْرِئُ [ أحد رواة الحديث ] : يَعْنِي : إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ ، يَعْنِي أَنَّ لِلَّهِ سَمْعًا وَبَصَرًا قَالَ أَبُو دَاوُدَ : وَهَذَا رَدٌّ عَلَى الْجَهْمِيَّةِ . وحديث صحيح ، صححه الألباني وغيره .

ورواه البيهقي في ” الأسماء والصفات ” (1/ 462) من طريق أبي داود ، ثم قال :
” وَالْمُرَادُ بِالْإِشَارَةِ الْمَرْوِيَّةِ فِي هَذَا الْخَبَرِ تَحْقِيقُ الْوَصْفِ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِالسَّمْعِ وَالْبَصَرِ , فَأَشَارَ إِلَى مَحَلَّيِ السَّمْعِ وَالْبَصَرِ مِنَّا لِإِثْبَاتِ صِفَةِ السَّمْعِ وَالْبَصَرِ لِلَّهِ تَعَالَى , كَمَا يُقَالُ : قَبَضَ فُلَانٌ عَلَى مَالِ فُلَانٍ , وَيُشَارُ بِالْيَدِ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ حَازَ مَالَهَ , وَأَفَادَ هَذَا الْخَبَرُ أَنَّهُ سَمِيعٌ بَصِيرٌ ، لَهُ سَمْعٌ وَبَصَرٌ لَا عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ عَلِيمٌ , إِذْ لَوْ كَانَ بِمَعْنَى الْعِلْمَ لَأَشَارَ فِي تَحْقِيقِهِ إِلَى الْقَلْبِ ؛ لِأَنَّهُ مَحَلُّ الْعُلُومِ مِنَّا , وَلَيْسَ فِي الْخَبَرِ إِثْبَاتُ الْجَارِحَةِ ، تَعَالَى اللَّهُ عَنْ شَبَهِ الْمَخْلُوقِينَ عُلُوًا كَبِيرًا ” انتهى .

وقال ابن القيم رحمه الله :
” وقوله : ( يقبض الله سماواته بيده والأرض باليد الأخرى ثم يهزهن ثم يقول : أنا الملك ) فهنا هز وقبض وذكر يدين ، ولما أخبرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل يقبض يديه ويبسطها تحقيقا للصفة لا تشبيها لها ؛ كما قرأ : ( وكان الله سميعا بصيرا ) ووضع يديه على عينيه وأذنيه ؛ تحقيقا لصفة السمع والبصر ، وأنهما حقيقة لا مجازا ” انتهى من ” مختصر الصواعق المرسلة ” (ص 391) .

ثانيا :
إذا أراد الإنسان أن يفعل مثل ما فعل الرسول صلى الله عليه وسلم من هذه الإشارات ، فينبغي أن يتأمل في حال من يراه ، فإن كانوا يفهمون التشبيه أو التمثيل فينبغي أن لا يفعل ذلك ؛ دفعا لهذه المفسدة .

فقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : معلم يعلم الناس ، ففي مبحث الصفات في العقيدة تراه يشير لتقريب الفهم ، فمثلاً إذا أورد حديثاً في تجلي الرب لموسى أظهر خنصره ، فيشير بالخنصر أو نحوه من أحاديث الصفات ، فهل هذا العمل يسوغ ؟ وإذا كان سائغاً ، فعلامَ يحمل نهي بعض السلف عن ذلك، كقول الشافعي وغيره ، وجزاكم الله خيراً ؟

فأجاب :
” هذه مسألة خطيرة ، ولسنا أحرص من النبي صلى الله عليه وسلم على إبلاغ الأمة ، ولم يكن من عادته أنه صلى الله عليه وسلم يشير إذا تكلم عن الصفات ، فإنه حدث أمته أن الرب عز وجل ينزل إلى السماء الدنيا في الثلث الأخير من الليل فيقول : ( من يدعوني فأستجيب له ) .
وهل الرسول صلى الله عليه وسلم قدم رجله ليرى الناس كيف ينزل الله ؟ أبداً .
وقال : ( إنه يأتي للفصل بين عباده يوم القيامة ) ولم يقل : هكذا وهكذا ، وكذلك استوى الله على العرش ولم يقل : كاستوائي على السرير ، أو يحاول أن يكيف ذلك .
ولا شك أن الذي يُحدِّث العامة ثم يشير بيده إلى معنى الصفة لا شك أنه سوف يجعل في قلوب العامة التمثيل – أي : سينتقلون من المعنى إلى التمثيل – لأن العامي لا يفهم ولا يفكر ، فنقول لمن أراد أن يبين أو أن يبلغ عن الله ورسوله ما أخبر الله به عن نفسه من الأسماء والصفات ، نقول : يكفيك هدي النبي صلى الله عليه وسلم .
ثم إنه قد يورد علينا : ( أن الرسول صلى الله عليه وسلم قرأ قوله تعالى : ( إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً ) ووضع إصبعه على عينه والثانية على أذنه ) ، فنقول : إن الرسول صلى الله عليه وسلم أراد بيان تحقيق هذه الصفة ، ثم إنه يحدث قوماً عندهم فهم وعندهم وعي ، أما العامة ولا سيما في وقتنا هذا فإنهم لو حُدِّثوا بوصف كل الصفات بالفعل لكان لبعضهم فتنة ، وقد قال ابن مسعود رضي الله عنه : ” إنك لن تحدث قوماً حديثاً لا تبلغه عقولهم ؛ إلا كان لبعضهم فتنة ” . وقال علي رضي الله عنه : ” حدثوا الناس بما يعرفون ، أتريدون أن يكذب الله ورسوله ؟ ” .
فإذا أورد علينا شخص مثل هذا الذي وقع من النبي صلى الله عليه وسلم في السمع والبصر ، أو في قبض السماوات يوم القيامة ، فإنا نقول له : لكل مقام مقال ، ثم إننا نقتصر على ما جاء به النص فقط ، فلا يشير في شيء آخر ؛ لأنه لم يرد فيه النص ” انتهى من ” لقاء الباب المفتوح” (32/ 18) .

وقال رحمه الله – أيضا – :
لا نحدِّثُ العامة بشيء لا تبلغه عقولُهم ؛ لئلا تحصُلَ الفتنة ويتضرَّرَ في عقيدته وفي عَمَلِهِ .
ومِن ذلك : ما يكثُر السُّؤال عنه من بعض الطَّلبة ، وهو : أنه ثَبَتَ عن النبيِّ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ أنه لما قرأ قوله تعالى : ( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا ) أنَّه وَضَعَ إبهامَه وسبَّابته على أُذُنِهِ وعلى عينِهِ . فقال : هل يجوز أن أفعل مثل هذا ؟
فجوابنا على هذا أنْ نقول : لا تفعلْه أمامَ العامَّة ؛ لأن العامَّة ربَّما ينتقلون بسرعة إلى اعتقادِ المشابهة والمماثلة ؛ بخلاف طالب العلم ، ثم هذا فِعْلٌ مِن الرسول عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ وليس أمراً ، لم يقل : ضعوا أصابعكم على أعينكم وآذانكم ، حتى نقول : لا بُدَّ مِن تنفيذِ أمْرِ الرَّسول ، بل قَصَدَ بهذا تحقيق السَّمع والبصر ، لا التعبُّد في ذلك فيما يظهر لنا ، فلماذا نلزم أنفسنا ونكرِّر السؤال عن هذا من أجل أن نقوله أمام العامَّة ؟
فالحاصلُ : أنه ينبغي لطالب العِلم أن يكون معلِّماً مربيًّا ، والشيءُ الذي يُخشى منه الفتنة ؛ وليس أمراً لازماً لا بُدَّ منه ، ينبغي له أن يتجنَّبه .
وأشدُّ مِن ذلك ما يفعله بعضُ النَّاسِ ، حين يسوق حديث : ( إن قلوبَ بني آدم بين أصبعين مِن أصابعِ الرَّحمن ) فيذهب يُمثِّل ذلك بضمِّ بعض أصابعه إلى بعض ، مُمَثِّلاً بذلك كون القلب بين أصبعين من أصابع الله ، وهذه جرأة عظيمة ، وافتراءٌ على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ، فإنه لم يمثِّل بذلك . وما الذي أدرى هذا المسكين المُمثِّلُ أن كون القلوب بين أصبعين من أصابع الله على هذا الوصف ؟ فليتَّقِ الله ربَّه ولا يتجاوز ما جاء به القرآنُ والحديثُ ” انتهى من ” الشرح الممتع ” (3/ 83-84) .

وسئل الشيخ صالح الفوزان حفظه الله :
هل تجوز الإشارة باليد عند ذكر أحاديث الصفات مثل حديث : ( القلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن ) ؟
فأجاب : ” لا ، الذي لم يرد لا يقال . الصفات توقيفية ، ولا يجوز أن تُحدِث شيئا من عندك وتقول هذا توضيح ، لا . توردها كما جاءت ، ولكن الحديث الذي أشار الرسول صلى الله عليه وسلم ( سميع بصير ) فأشار فيه إلى سمعه وبصره ، فهذا خاص بهذا الحديث فتأتي به كما ورد ، أما أنك تزيد شيئا من عندك : لا ” انتهى .

http://www.alfawzan.af.org.sa/sites/default/files/1318.mp3
والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android