0 / 0

هل صح حديث ( لَوْ كَانَ بَعْدِي نَبِيٌّ لَكَانَ عُمَرَ ) ؟

السؤال: 211665

بما أنه كان أبو بكر رضي ألله عنه أحب الرجال إلى النبي محمد صلى الله عليه وسلم . فكيف يمكن أن يقول : ” إذا كان من نبي بعدي سيكون عمر” ، رضي الله عنه ؛ لماذا لا يكون أبو بكر رضي الله عنه ؟ وهل هذا الحديث صحيح أم ضعيف ؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولا :
روى الإمام أحمد (17405) ، والترمذي (3686) ، والحاكم (4495) من طريق مِشْرَحِ بْنِ هَاعَانَ ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ( لَوْ كَانَ بَعْدِي نَبِيٌّ لَكَانَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ ) .

وهذا الحديث اختلف فيه أهل العلم : فصححه الحاكم ووافقه الذهبي وحسنه الترمذي ، وكذا حسنه الألباني في ” صحيح الترمذي ” .

وينظر تخريج موسع له في هذا الرابط :
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=270544

وذهب بعض أهل العلم إلى ضعف الحديث ، وإعلاله :
قال إبراهيم بن الحارث: إن أبا عبد الله – يعني الإمام أحمد – سئل عن حديث عقبة بن الحارث : ( لو كان بعدي نبي لكان عمر)؟
فقال: ” اضرب عليه ؛ فإنه عندي منكر ” .
انتهى “المنتخب من علل الخلال” (ص 191) .
وعلته : مشرح بن هاعان ، فإنه وإن وثقه ابن معين ، فقد قال ابن حبان : ” يروي عن عقبة مناكير لا يتابع عليها ، فالصواب ترك ما انفرد به ” .
انتهى من “تهذيب التهذيب” (10/ 155) .
وهذا مما انفرد به عن عقبة ، فهو منكر على قول ابن حبان ، وهو مما يتوافق مع قول الإمام أحمد .
وله شاهد من حديث عصمة ، رواه الطبراني في “الكبير” (475) وفي إسناده الفضل بن المختار ، قال أبو حاتم: أحاديثه منكرة ، يحدث بالأباطيل.
وقال الأزدي: منكر الحديث جدا .
وقال ابن عدي : أحاديثه منكرة، عامتها لا يتابع عليها.
“ميزان الاعتدال” (3/ 358) .
وله شاهد آخر من حديث أبي سعيد ، قال الهيثمي :
” رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ ، وَفِيهِ عَبْدُ الْمُنْعِمِ بْنُ بَشِيرٍ، وَهُوَ ضَعِيفٌ “.
انتهى من “مجمع الزوائد” (9/ 68) .
وعبد المنعم بن بشير متروك متهم ، قال ابن حبان: منكر الحديث جدا، لا يجوز الاحتجاج به.
وقال الختلى : سمعت ابن معين يقول: ” أتيت عبد المنعم ، فأخرج إلي أحاديث أبي مودود ، نحوا من مائتي حديث كذب ” .
انتهى من “ميزان الاعتدال” (2/ 669) .
فهذان الشاهدان لا يعتد بهما لضعفهما الشديد .
وينظر : تعليق محقق “المنتخب من علل الخلال” (190-192) .

ثانيا :
على القول بصحة الحديث :
لماذا قال ( لو كان بعدي نبي لكان عمر ) ولم يقل : لكان أبو بكر ” فإن أبا بكر رضي الله عنه أفضل من عمر باتفاق أهل السنة ؟
للعلماء في ذلك أقوال :
– منها : أن هذا من علم الغيب الذي لا يعلمه إلا الله ، ومثل هذه الأمور لا تنبني على المقاييس أو التقديرات العقلية ؛ فلو قدر أن يكون بعد النبي صلى الله عليه وسلم نبي لكان عمر ، وإذاً لهيأ الله لذلك أسبابه ، ولجعل عمر رضي الله عنه أهلا لذلك ، ولكمل خصاله لتتأهل إلى مقام النبوة .
– ومنها : الإخبَار أَنَّ النُّبُوَّةَ لَيْسَتْ بِاسْتِحْقَاقٍ وَلَا بِعِلَّةٍ تَكُونُ فِي الْعَبْدِ يَسْتَحِقُّ بِهَا النُّبُوَّةَ وَيَسْتَوْجِبُ الرِّسَالَةَ، بَلْ هُوَ اخْتِيَارٌ محض مِنَ اللَّهِ تَعَالَى وَاصْطِفَاءٌ .
قال أبو بكر الكلاباذي رحمه الله :
” أَخْبَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَمَّا لَمْ يَكُنْ ، أَنْ لَوْ كَانَ كَيْفَ كَانَ ، كَمَا أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى عَمَّا لَا يَكُونُ أَنْ لَوْ كَانَ كَيْفَ كَانَ ، بِقَوْلِهِ : (وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ) الأنعام/ 28 ، بِقَوْلِهِمْ : ( رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ ) المؤمنون/ 107 ، فَكَذَلِكَ قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( لَوْ كَانَ بَعْدِي نَبِيٌّ لَكَانَ عُمَرَ) فِيهِ إِبانةٌ عَلَى الْفَضْلِ الَّذِي جَعَلَ اللَّهُ فِي عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، وَالْأَوْصَافِ الَّتِي تَكُونُ فِي الْأَنْبِيَاءِ ، وَالنُّعُوتِ الَّتِي تَكُونُ فِي الْمُرْسَلِينَ.
فَأَخْبَرَ أَنَّ فِي عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَوْصَافًا مِنْ أَوْصَافِ الْأَنْبِيَاءِ ، وَخِصَالًا مِنَ الْخِصَالِ الَّتِي تَكُونُ فِي الْمُرْسَلِينَ، مُقَرَّبٌ حَالُهُ مِنْ حَالِ الْأَنْبِيَاءِ – صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ -.

وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِيهِ مَعْنًى آخَرُ، وَهُوَ إِخْبَارٌ أَنَّ النُّبُوَّةَ لَيْسَتْ بِاسْتِحْقَاقٍ ، وَلَا بِعِلَّةٍ تَكُونُ فِي الْعَبْدِ يَسْتَحِقُّ بِهَا النُّبُوَّةَ ، وَيَسْتَوْجِبُ الرِّسَالَةَ ، بَلْ هُوَ اخْتِيَارٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى وَاصْطِفَاءٌ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: (وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ) آل عمران/ 179 ، وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى : ( اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ) الحج/ 75 ، وَقَالَ تَعَالَى : ( لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ) الزخرف/ 32 ؛ فَكَأَنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَشَارَ إِلَى أَوْصَافِ الرُّسُلِ وَالْأَنْبِيَاءِ – عَلَيْهِمُ السَّلَامُ – وَأَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ جَمَعَ مِنْهَا كَثِيرًا، لَوْ كَانَتِ الْأَوْصَافُ مُوجِبَةً لِلرُّسُلِ لَكَانَ عُمَرُ بَعْدِي رَسُولًا.
وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ : أَنَّ خَاصَّةَ الْأَوْصَافِ الَّتِي كَانَتْ فِي عُمَرَ الَّتِي تَفَرَّدَ بِهَا عَنْ غَيْرِهِ ، قُوَّتُهُ فِي دِينِهِ وَبَدَنِهِ، وَسِتْرُهُ ، وَقِيَامُهُ بِإِظْهَارِ دِينِ اللَّهِ وَإِعْرَاضِهِ عَنِ الدُّنْيَا، وَأَنَّهُ كَانَ سَبَبًا لِظُهُورِ الْحَقِّ وَإِعْزَازِ الدِّينِ ، وَفُرْقَانِ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ ، وَبِذَلِكَ سُمِّيَ الْفَارُوقَ .
فَالْخَوَاصُّ الَّتِي تَظْهَرُ لِلْخَلْقِ مِنْ أَوْصَافِ الْأَنْبِيَاءِ ، الصِّدْقُ لِلَّهِ ، وَالثَّقَةُ بِاللَّهِ، وَالْإِعْرَاضُ عَمَّا دُونَ اللَّهِ ، وَذَلِكَ فِي صِدْقِ الْقَوْلِ ، وَشَجَاعَةِ الْقَلْبِ ، وَسَخَاوَةِ النَّفْسِ ، هَذَا مَعْنَى الْحَدِيثِ ، فَدَلَّ هَذَا عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْخِصَالَ مِنْ أَخَصِّ الْأَوْصَافِ الَّتِي تَظْهَرُ لِلنَّاسِ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ ، وَمَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ اللَّهِ لَا يَطَلِّعُ عَلَيْهِ إِلَّا هُوَ وَحْدَهُ عَزَّ وَجَلَّ.

ثُمَّ وُجِدَتْ أَكْثَرُ هَذِهِ الْأَوْصَافِ فِي أَبِي بَكْرٍ، أَكْثَرَ مِمَّا وُجِدَتْ فِي عُمَرَ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما ، ثُمَّ لَمْ يُخْبِرِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ لَوَ كَانَ بَعْدَهُ نَبِيٌّ لَكَانَ أَبُو بَكْرٍ ، وَلَكِنْ قَالَ ذَلِكَ لِعُمَرَ، لِيعْلَمَ أَنَّ النُّبُوَّةَ بِالْمَشِيئَةِ وَالِاصْطِفَاءِ لَا بِالْأَسْبَابِ.

وَقَوْلُهُ : ( لَوْ كَانَ بَعْدِي نَبِيٌّ لَكَانَ عُمَرَ) لَا يُوجِبُ أَنْ يَكُونَ عُمَرُ أَفْضَلَ مِنْ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ نَبِيًّا ، وَلَوْ كَانَ نَبِيًّا ، كَانَ أَفْضَلَ مِمَّنْ لَيْسَ بِنَبِيٍّ، فَأَمَّا إِذَا لَمْ يَكُنْ نَبِيًّا ، جَازَ أَنْ يَكُونَ غَيْرُهُ أَفْضَلَ مِنْهُ ، وَهُوَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ “. انتهى باختصار من “بحر الفوائد” (ص 283) .
– ومنها : أنه خص عمر بالذكر لكثرة ما وقع له في زمن النبي صلى الله عليه وسلم من الواقعات التي نزل القرآن بها ، فوافق فيها قوله ، ما نزل من القرآن بعد ؛ فكان قريبا من النبوة قربه من القرآن ، إلا أنه لا نبي بعد محمد صلى الله عليه وسلم.
قال المناوي رحمه الله :
” قال ابن حجر: خص عمر بالذكر : لكثرة ما وقع له في زمن المصطفى صلى الله عليه وسلم من الواقعات التي نزل القرآن بها ، ووقع له بعده عدة إصابات ” .
انتهى من “فيض القدير” (5/ 325) .
وهذا كقوله صلى الله عليه وسلم لعلي رضي الله عنه : ( أَنْتَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى ، إِلَّا أَنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدِي ) رواه البخاري (4416) ، ومسلم (2404) .
فكان عليّ قريبا من النبي صلى الله عليه وسلم ، باعتبار قرب نسبه منه مع ما يتحلى به من الإيمان ، فكذلك هنا .

ولذلك فإن العلماء إنما يذكرون هذا الحديث في باب فضائل عمر ، ولا يذكره واحد منهم ليستدل به على أنه أفضل من أبي بكر ؛ لإطباقهم على أن أبا بكر أفضل الأمة بعد نبيها صلى الله عليه وسلم .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ، بعد ذكر الحديث السابق ، وعدة أحاديث في مقام عمر رضي الله عنه ، وأنه ملهم ، محدَّث :
” ومع هذا ، فالصديق أكمل منه ؛ فإن الصديق كمل في تصديقه للنبي ، فلا يتلقى إلا عن النبي ، والنبي معصوم ، والمُحَدَّث كعمر : يأخذ أحيانا عن قلبه ما يلهَمُه ، ويحدَّث به ؛ لكن قلبه ليس معصوما ، فعليه أن يعرض ما ألقي عليه على ما جاء به الرسول ، فإن وافقه : قبله ، وإن خالفه رده .
ولهذا قد رجع عمر عن أشياء ، وكان الصحابة يناظرونه ، ويحتجون عليه ؛ فإذا بُيِّنت له الحجة من الكتاب والسنة : رجع إليها ، وترك ما رآه .
والصديق : إنما يتلقى عن الرسول ، لا عن قلبه ؛ فهو أكمل من المحدَّث ، وليس بعد أبي بكر صدِّيق أفضل منه ، ولا بعد عمر محدَّث أفضل منه . “
انتهى من “الرد على المنطقيين” (514).

وراجع للفائدة جواب السؤال رقم : (7186) .

والله تعالى أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

answer

موضوعات ذات صلة

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android