0 / 0

الخلفاء الراشدون رضي الله عنهم مقدمون في العلم والفضل على سائر الصحابة.

السؤال: 211865

هل ثبت عن عثمان رضي الله عنه أنه صلى بالقراّن كاملا في ركعة واحدة ؟
ومن هم الصحابة الحافظون للقراّن؟
هل عندما يقول النبي صلى الله عليه وسلم أعلم الناس بالحلال والحرام معاذ بن جبل أو عندما يقول ابن مسعود أنه أعلم الأمة بالقراّن يعني أن معاذا وابن مسعود أعلم من الخلفاء الراشدين؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولا :
ثبت عن أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه أنه قرأ القرآن كله في ركعة ، وقد روي ذلك عنه من طرق :
– فروى الطبراني في “الكبير” (130) عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، قَالَ: قَالَت امْرَأَةُ عُثْمَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ حِينَ أَطَافُوا بِهِ يُرِيدُونَ قَتْلَهُ : ” إِنْ تَقْتُلُوهُ أَوْ تَتْرُكُوهُ فَإِنَّهُ كَانَ يُحْيِي اللَّيْلَ كُلَّهُ فِي رَكْعَةٍ ، يَجْمَعُ فِيهَا الْقُرْآنَ ” .
– وروى البيهقي (4782) عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عُثْمَانَ قَالَ : ” قُمْتُ خَلْفَ الْمَقَامِ وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ لَا يَغْلِبَنِي عَلَيْهِ أَحَدٌ تِلْكَ اللَّيْلَةَ ، فَإِذَا رَجُلٌ يَغْمِزُنِي فَلَمْ أَلْتَفِتْ ، ثُمَّ غَمَزَنِي فَالْتَفَتُّ ، فَإِذَا عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ، فَتَنَحَّيْتُ فَتَقَدَّمَ ، فَقَرَأَ الْقُرْآنَ فِي رَكْعَةٍ ” .
– وروى ابن المبارك في “الزهد” (1275) عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ : ” أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ ، قَامَ بَعْدَ الْعِشَاءِ فَقَرَأَ الْقُرْآنَ كُلَّهُ فِي رَكْعَةٍ ، لَمْ يُصَلِّ قَبْلَهَا وَلَا بَعْدَهَا “.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
” وقراءة القرآن في ركعة ثابت عن عثمان رضي الله عنه ” .
انتهى من “منهاج السنة النبوية” (4/ 32) .
وقال ابن كثير رحمه الله :
” وَقَدْ رُوِيَ هَذَا مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ أَنَّهُ صَلَّى بِالْقُرْآنِ الْعَظِيمِ فِي رَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ ، عِنْدَ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ، أَيَّامَ الْحَجِّ ” انتهى من “البداية والنهاية” (7/ 214).
وصححه ابن حجر في “الفتح” (2/482) .
وقال الشيخ الألباني رحمه الله :
” في كتاب محمد بن نصر وغيره بإسناده صحيح عن السائب بن يزيد : ” أن عثمان قرأ القرآن ليلة في ركعة ” . انتهى من “صلاة التراويح” (98) .

ومثل هذا محمول على أن الله تعالى قد بارك له في هذا الوقت ، حتى تسنى له أن يقرأ فيه بالقرآن كله .
ومثل هذا ما رواه مسلم (772) عَنْ حُذَيْفَةَ، قَالَ : ” صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ لَيْلَةٍ ، فَافْتَتَحَ الْبَقَرَةَ ، فَقُلْتُ: يَرْكَعُ عِنْدَ الْمِائَةِ ، ثُمَّ مَضَى، فَقُلْتُ : يُصَلِّي بِهَا فِي رَكْعَةٍ ، فَمَضَى، فَقُلْتُ: يَرْكَعُ بِهَا، ثُمَّ افْتَتَحَ النِّسَاءَ، فَقَرَأَهَا، ثُمَّ افْتَتَحَ آلَ عِمْرَانَ، فَقَرَأَهَا، يَقْرَأُ مُتَرَسِّلًا ، إِذَا مَرَّ بِآيَةٍ فِيهَا تَسْبِيحٌ سَبَّحَ ، وَإِذَا مَرَّ بِسُؤَالٍ سَأَلَ، وَإِذَا مَرَّ بِتَعَوُّذٍ تَعَوَّذَ ، ثُمَّ رَكَعَ، فَجَعَلَ يَقُولُ: سُبْحَانَ رَبِّيَ الْعَظِيمِ ، فَكَانَ رُكُوعُهُ نَحْوًا مِنْ قِيَامِهِ ، ثُمَّ قَالَ: سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ ، ثُمَّ قَامَ طَوِيلًا قَرِيبًا مِمَّا رَكَعَ ، ثُمَّ سَجَدَ، فَقَالَ: سُبْحَانَ رَبِّيَ الْأَعْلَى ، فَكَانَ سُجُودُهُ قَرِيبًا مِنْ قِيَامِهِ ” .
وراجع لمزيد الفائدة إجابة السؤال رقم : (156299) .

ثانيا :
لم نقف على وجه الضبط والتحديد على إحصاء لحفاظ القرآن من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، وكم كانت عدتهم الدقيقة .
وقد سمى غير واحد من أهل العلم جماعة منهم ، وهم أبرزهم وأشهرهم ، لكن هذا لا يمنع أن يكون آخرون منهم قد حفظوا القرآن ، لكن لم ينقل تسميتهم .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :
” ذَكَرَ أَبُو عُبَيْدٍ الْقُرَّاءَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : فَعَدَّ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ الْخُلَفَاءَ الْأَرْبَعَةَ وَطَلْحَةَ وَسَعْدًا وابن مَسْعُودٍ وَحُذَيْفَةَ وَسَالِمًا وَأَبَا هُرَيْرَةَ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ السَّائِبِ وَالْعَبَادِلَةَ .
وَمِنَ النِّسَاءِ عَائِشَةَ وَحَفْصَةَ وَأُمَّ سَلَمَةَ .
وعد ابن أَبِي دَاوُدَ فِي كِتَابِ الشَّرِيعَةِ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ أَيْضًا تَمِيمَ بْنَ أَوْسٍ الدَّارِيَّ وَعُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ وَمِنَ الْأَنْصَارِ عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ وَمُعَاذًا الَّذِي يُكَنَّى أَبَا حَلِيمَةَ وَمُجْمِّعَ بْنَ حَارِثَةَ وَفَضَالَةَ بْنَ عُبَيْدٍ وَمَسْلَمَةَ بْنَ مَخْلَدٍ وَغَيْرَهُمْ .
وَمِمَّنْ جَمَعَهُ أَيْضًا أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ ذَكَرَهُ أَبُو عَمْرٍو الدَّانِيُّ ، وَعَدَّ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنَ الْقُرَّاءِ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ وَسَعْدَ بْنَ عَبَّادٍ وَأُمَّ وَرَقَةَ ” .
انتهى من “فتح الباري” (9/ 52) .

ثالثا :
روى الترمذي (3790) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( أَرْحَمُ أُمَّتِي بِأُمَّتِي أَبُو بَكْرٍ ، وَأَشَدُّهُمْ فِي أَمْرِ اللَّهِ عُمَرُ، وَأَصْدَقُهُمْ حَيَاءً عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ ، وَأَعْلَمُهُمْ بِالحَلَالِ وَالحَرَامِ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، وَأَفْرَضُهُمْ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، وَأَقْرَؤُهُمْ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ ، وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَمِينٌ وَأَمِينُ هَذِهِ الأُمَّةِ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الجَرَّاحِ) .
وصححه الألباني في ” صحيح الترمذي” .

فأقرأ الأمة أبي بن كعب ، كما ثبت في هذا الحديث ، لا ابن مسعود رضي الله عنهما ، وإن كان ابن مسعود من أعلم الأمة بكتاب الله ، وأقرئهم له .

وهذا الحديث لا يعني أن معاذ بن جبل أو ابن مسعود أو أبي بن كعب أو غيرهم من علماء الصحابة وقرائهم وفقهائهم رضي الله عنهم أعلم من الخلفاء الراشدين ، وخاصة أبو بكر وعمر رضي الله عنهما .
وإنما يعني أنهم أعلم الأمة بما ذكر من خصائصهم بعد عصر الصحابة ، فلا أحد في الأمة بعد الصحابة أعلم بالحلال والحرام من معاذ بن جبل ، ولا أحد منهم أقرأ لكتاب الله من أبي بن كعب ، ولا أفرض من زيد ، وهكذا .
أو هم كذلك بعد انقراض زمن عظماء الصحابة وأكابرهم ، فهم بعد هؤلاء الأكابر بتلك المثابة بالنسبة للأمة كلها من بعدهم .

ومن المعلوم أن الخلفاء الراشدين مقدمون في الفضل والعلم على سائر الصحابة، رضي الله عنهم جميعًا، ولذلك أمر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ باتباع سنتهم خاصة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
” أَهْل الْعِلْمِ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ أَعْلَمُ مِنْ سَائِرِ الصَّحَابَةِ ، وَأَعْظَمُ طَاعَةً لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مِنْ سَائِرِهِمْ ، وَأَوْلَى بِمَعْرِفَةِ الْحَقِّ وَاتِّبَاعِهِ مِنْهُمْ ” .
انتهى من “مجموع الفتاوى” (35/ 124) .
وقال أيضا :
” الْخُلَفَاء الرَّاشِدونَ هُمْ أَعْلَمُ الْأُمَّةِ بِأُمُورِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسُنَّتِهِ وَأَحْوَالِهِ ” انتهى من “مجموع الفتاوى” (20/ 234) .

وقال الإمام النووي رحمه الله :
” وأما حديث: “أقْضَاكُمْ عليٌّ” : فليس فيه أنه أقضى من أبي بكر وعُمر رضي الله عنهما؛ فإنه يقتضي أنه أقضى من المخاطَبين، ولم يثبت كونهما كانا من المخاطبين، ولا يلزم من كون واحد أقضى من جماعة؛ أن يكون أقضى من كل واحد..
وأما قوله: هل يستفاد من ذلك كونه أفضلَ منهما ، فجوابه : أنه لا يستفاد ، لأوجهٍ:
1 – منها: أنه لم يثبت كونه أقضى منهما، لما ذكرناه.
2 – ومنها: أنه لا يلزم من كون واحد أقضى من آخرَ، أن يكون أعلَم منه مطلقًا، وإِنما يقتضي رجحانه في معرفة القضاء فقط.
3 – ومنها: لا يلزم من كونه أقضى وأعلَم، أن يكون أفضل، لأن التفضيل ليس بمنحصر في معرفة القضاء .. ” انتهى من “فتاوى الإمام النووي” (253) .

قال المناوي رحمه الله :
” (وأفرضهم) أي أكثرهم علما بمسائل قسمة المواريث وهو علم الفرائض (زيد بن ثابت) أي أنه يصير كذلك ومن ثم كان الحبر ابن عباس يتوسد عتبة بابه ليأخذ عنه (وأقرؤهم) أي أعلمهم بقراءة القرآن (أبي) بن كعب بالنسبة لجماعة مخصوصين أو وقت من الأوقات فإن غيره كان أقرأ منه (وأعلمهم بالحلال والحرام) أي بمعرفة ما يحل ويحرم من الأحكام (معاذ بن جبل): يعني أنه سيصير كذلك بعد انقراض عظماء الصحابة وأكابرهم ، وإلا فأبو بكر وعمر وعلي أعلم منه بالحلال والحرام وأعلم من زيد بن ثابت في الفرائض ، ذكره ابن عبد الهادي. قال: ولم يكن زيد على عهد المصطفى صلى الله عليه وسلم مشهورا بالفرائض أكثر من غيره ، ولا أعلم أنه تكلم فيها على عهده ، ولا عهد الصديق رضي الله عنهم ” .
انتهى من “فيض القدير” (1/ 460) .

وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
” ليس هناك أفقه من الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم ” .
انتهى من “مجموع فتاوى ورسائل العثيمين” (22/ 62) .
راجع إجابة السؤال رقم : (34577) .
والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android