الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولاً :
الأصل في المرأة التي ليس لها ولي : أن يتولى عقد نكاحها القاضي الشرعي ، أو مأذون الأنكحة .
قال ابن قدامة المقدسي : ” لَا نَعْلَمُ خِلَافًا بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ ، فِي أَنَّ لِلسُّلْطَانِ وِلَايَةَ تَزْوِيجِ الْمَرْأَةِ عِنْدَ عَدَمِ أَوْلِيَائِهَا … والسُّلْطَانُ هَاهُنَا هُوَ الْإِمَامُ ، أَوْ الْحَاكِمُ ، أَوْ مَنْ فَوَّضَا إلَيْهِ ذَلِكَ “.
انتهى من “المغني” (9/360) .
قال الشيخ ابن عثيمين: ” المراد بالسلطان : الإمام الرئيس الأعلى في الدولة ، أو من ينوب منابه ، والذي ينوب منابه في وقتنا الحاضر: وزارة العدل ، ومن ورائها : مأذون الأنكحة “. انتهى من “الشرح الممتع” (12/76) .
ثانياً :
إذا كانت المرأة في موضع ليس فيه قاضٍ شرعي ، يجوز لها أن تولي أمرها رجلاً عدلاً من المسلمين ليعقد نكاحها .
قال ابن قدامة رحمه الله : ” فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ لِلْمَرْأَةِ وَلِيٌّ وَلَا ذُو سُلْطَانٍ ، فَعَنْ أَحْمَدَ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يُزَوِّجُهَا رَجُلٌ عَدْلٌ بِإِذْنِهَا ” انتهى من “المغني” (9/362).
قال القرطبي رحمه الله : ” وَإِذَا كَانَتِ الْمَرْأَةُ بِمَوْضِعٍ لَا سُلْطَانَ فِيهِ ، وَلَا وَلِيَّ لَهَا ، فَإِنَّهَا تُصَيِّرُ أَمْرَهَا إِلَى مَنْ يُوثَقُ بِهِ مِنْ جِيرَانِهَا ، فَيُزَوِّجُهَا وَيَكُونُ هُوَ وَلِيَّهَا فِي هَذِهِ الْحَالِ ، لِأَنَّ النَّاسَ لا بد لَهُمْ مِنَ التَّزْوِيجِ ، وَإِنَّمَا يَعْمَلُونَ فِيهِ بِأَحْسَنِ مَا يُمْكِنُ “.
انتهى من “الجامع لأحكام القرآن” (3/76).
وقال النووي رحمه الله : ” رَوَى يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى ، أَنَّ الشَّافِعِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : إِذَا كَانَ فِي الرُّفْقَةِ امْرَأَةٌ لَا وَلِيَّ لَهَا، فَوَلَّتْ أَمْرَهَا رَجُلًا حَتَّى يُزَوِّجَهَا، جَازَ”.
انتهى من “روضة الطالبين” (7/50).
ولكن المرأة التي ليس لها ولي ، إذا ولت أمرها لرجل من ثقات المسلمين ، مع وجود سلطان في البلد ، فهل يصح ذلك ؟
في المسألة خلاف بين أهل العلم ، وقد أجاز ذلك جمعٌ منهم ، والأكثر على المنع .
قال ابن قدامة المقدسي : ” وَالصَّحِيحُ : أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ مُخْتَصٌّ بِحَالِ عَدَمِ الْوَلِيِّ وَالسُّلْطَانِ” . انتهى من “المغني” (9/362).
قال الخطيب الشربيني : ” لَوْ عُدِمَ الْوَلِيُّ وَالْحَاكِمُ ، فَوَلَّتْ مَعَ خَاطِبِهَا أَمْرَهَا رَجُلًا .. لِيُزَوِّجَهَا مِنْهُ صَحَّ ؛ لِأَنَّهُ مُحَكَّمٌ ، وَالْمُحَكَّمُ كَالْحَاكِمِ…؛ لِشِدَّةِ الْحَاجَةِ إلَى ذَلِكَ.
قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ [ وهو جمال الدين الإسنوي ] : وَلَا يَخْتَصُّ ذَلِكَ بِفَقْدِ الْحَاكِمِ ، بَلْ يَجُوزُ مَعَ وُجُودِهِ ، سَفَرًا وَحَضَرًا .
وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ : جَوَازُ ذَلِكَ مَعَ وُجُودِ الْقَاضِي بَعِيدٌ مِنْ الْمَذْهَبِ وَالدَّلِيلُ ؛ لِأَنَّ الْحَاكِمَ وَلِيٌّ حَاضِرٌ ، وَيَظْهَرُ الْجَزْمُ بِمَنْعِ الصِّحَّةِ ، إذَا أَمْكَنَ التَّزْوِيجُ مِنْ جِهَتِهِ .
وَكَلَامُ الشَّافِعِيِّ مُؤْذِنٌ بِأَنَّ مَوْضِعَ الْجَوَازِ عِنْدَ الضَّرُورَةِ ، وَلَا ضَرُورَةَ مَعَ إمْكَانِ التَّزْوِيجِ مِنْ حَاكِمٍ أَهْلٍ حَاضِرٍ بِالْبَلَدِ ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ ” انتهى من ” مغني المحتاج” (4/244) بتصرف .
وقال القرطبي : ” قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَرْأَةِ الضَّعِيفَةِ الْحَالِ : إِنَّهُ يُزَوِّجُهَا مَنْ تُسْنِدُ أَمْرَهَا إِلَيْهِ ، لِأَنَّهَا مِمَّنْ تَضْعُفُ عَنِ السُّلْطَانِ ، فَأَشْبَهَتْ مَنْ لَا سُلْطَانَ بِحَضْرَتِهَا ، فَرَجَعَتْ فِي الْجُمْلَةِ إِلَى أَنَّ الْمُسْلِمِينَ أَوْلِيَاؤُهَا ” انتهى من “الجامع لأحكام القرآن” (3/76).
وجاء في ” المحلّى” (11/30) : ” وصح عن ابن سيرين في امرأة لا ولي لها ، فولت رجلاً أمرها، فزوّجها ، قال ابن سيرين: لا بأس بذلك ، المؤمنون بعضهم أولياء بعض”.
وبناء على ما سبق :
فالذي يظهر أن عقد نكاحك صحيح لأنه تم بإذن القاضي ، أو مأذون الأنكحة في مصر ، وهو بمثابة إقرار منه لهذا الرجل بتولي عقد النكاح نيابة عنك .
ثالثاً:
لا إشكال في تولي ذلك الرجل عقد نكاحك والشهادة على العقد في آن واحد ؛ ولا يؤثر هذا على صحة العقد ، فمجلس العقد قد حضره ثلاثة رجال وكل هؤلاء شهود عليه ، فالشاهد لا ينحصر فيمن وقّع على العقد ، بل كل رجل حضر العقد من كاتبٍ وقريبٍ ، فهو شاهد عليه.
قال الشيخ ابن عثيمين : ” يصح أن يكون أحد الشاهدين : المأذون الشرعي ، وعلى هذا فإذا حضر الرجل والمأذون الشرعي وشاهد ، وزوجه الولي فالعقد صحيح ؛ لأن المأذون شاهد ” ، انتهى من ” اللقاء الشهري ” (76/ 7، بترقيم الشاملة آليا) .
مع العلم أن جمعاً من أهل العلم يصححون النكاح إذا تم إعلانه وإشهاره بين الناس ، ولو لم يشهد عليه رجلان ، لأن الإعلان يغني عن الشهادة .
ينظر جواب السؤال : (151270) ، (124678) ، (112112).
والله أعلم .