0 / 0

هل ذكرت الثقوب السوداء في قول الله تعالى ( فلا أقسم بالخنس الجوار الكنس ) ؟

السؤال: 214498

ندرس حالياً في مادة العلوم عن الثقوب السوداء ( في الفضاء )، فهل يوجد لهذه الثقوب أي ذكر أو معلومات عنها في القرآن أو في السنة . فأنا أريد أن أشارك هذه المعلومات مع الطلاب في صفي ؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولا :
من الضروري في هذا الإطار التنبيه على أن القرآن الكريم نزل كتاب هداية للبشرية ، يدلهم على طريق الصلاح ، ويحذرهم من الفساد والغواية ، ويدعوهم إلى كل خير ، وينهاهم عن كل شر ، ولذلك فإن الإشارات الكونية في آيات القرآن الكريم لم تسق ليكون كتاب معلومات فضائية أو كونية ، وإنما سيقت لغرض الدلالة على الغاية الأولى ، وهي الهداية ، فلا ينبغي للمسلم أن ينسى المقصد ، ويركز على الوسيلة ، فيظن أن هذا الكتاب العظيم إنما نزل وصفا دقيقا لمظاهر الكون وأجرام السماء ، وهذا ظن خاطئ أوقع كثيرا من الناس في المبالغة ، وجر إلى كثير من الجدال العقيم الذي سببه التكلف والتنطع في فهم آيات الله سبحانه .

ثانيا :
ومع ذلك ، نحن لا نرى أنه يجوز لأحد أن ينفي اشتمال القرآن الكريم على أوصاف دقيقة لمظاهر الكون وآيات السماء ، بل فيه من ذلك الكثير الطيب ، الذي يبهر العقول ، ويحير الألباب ، ولا يزال يتكشف للناس منه ما يدل على أنه كلام العليم الخبير ، الذي لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء ، وأن مثل هذا الكلام ، لا يقدر على أن يأتي به أحد من البشر ، كائنا من كان .
ولكن يبقى السؤال عن مدى انطباق الآية ، أو النص القرآني ، مع اسم محدد من تلك المظاهر ، كالثقوب السوداء مثلا ، ومن الذي يملك حق الجزم بأن دلالة الآية تنطبق عليها .

ثالثا :
وهنا نقول : إن الآية التي يشير إليها كثير من الباحثين المعاصرين أن المقصود بها ” الثقوب السوداء ” هي قول الله عز وجل : ( فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ . الْجَوَارِ الْكُنَّسِ ) التكوير/15-16 ، فقد ذهب جمهور المفسرين من السلف وأصحاب المصنفات إلى أن المقصود بها ( النجوم ) ، وأن المقصود بالخنس والكنس : هو ظهورها بالليل ، وغيابها بالنهار .

فقد روى ذلك الإمام الطبري عن علي بن أبي طالب ، والحسن ، وقتادة ، ومجاهد ، وبكر بن زيد ، كما في ” جامع البيان ” (24/251-252) على اختلاف طويل في شأن الخنس والكنس ، وهل بينهما فرق ، أم هما مترادفان ، يدلان على شيء واحد ، مع اختلاف وصفه فقط .
وذكر أقوالا أخرى عن مدرسة عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ، يقول فيها إن المقصود : بقر الوحش ، وعن ابن عباس رضي الله عنهما تفسيرها بالظباء .
ثم قال الطبري رحمه الله :
” أولى الأقوال في ذلك بالصواب : أن يقال : إن الله تعالى أقسم بأشياء تخنس أحيانا : أي تغيب وتجري أحيانا ، وتكنس أخرى ، وكنوسها : أن تأوي في مكانسها ، والمكانس عند العرب : هي المواضع التي تأوي إليها بقر الوحش والظباء ، واحدها : مَكْنِس وكِناس .
فالكناس في كلام العرب ما وصفت ، وغير مُنكر أن يستعار ذلك في المواضع التي تكون بها النجوم من السماء ، فإذا كان ذلك كذلك ، ولم يكن في الآية دلالة على أن المراد بذلك النجوم دون البقر ، ولا البقر دون الظباء ، فالصواب : أن يُعَمّ بذلك كلّ ما كانت صفته الخنوس أحيانا والجري أخرى ، والكنوس بآنات ، على ما وصف جلّ ثناؤه من صفتها ” انتهى من ” جامع البيان ” (24/254) .

رابعا :
أخذ بعض الباحثين المعاصرين بالقول الأول ، وأن المراد بالآية وصف النجوم التي تسير في هذا الكون الفسيح ، لكن قالوا : إن وصفها بأنها خنس ، وجوار كنس ، ينطبق ، أكثر ما ينطبق ، على نوع خاص من هذه النجوم ، تسمى ” الثقوب السوداء ” .
قالوا :
” سميت بالثقوب لقدرتها الفائقة على ابتلاع كل ما تمر به ، أو يدخل في نطاق جاذبيتها ، من مختلف صور المادة والطاقة ، من مثل الغبار الكوني ، والغازات ، والأجرام السماوية المختلفة .‏ ووصفت بالسواد لأنها معتمة تماما ، لعدم قدرة الضوء علي الإفلات من مجال جاذبيتها ، على الرغم من سرعته الفائقة المقدرة بحوالي الثلاثمائة ألف كيلو متر في الثانية ‏(299792,458‏ كم‏/‏ ث‏)‏ وقد اعتبرت الثقوب السود مرحلة الشيخوخة في حياة النجوم ، وهي المرحلة التي قد تسبق انفجارها وعودة مادتها إلى دخان السدم ، دون أن يستطيع العلماء حتى هذه اللحظة معرفة كيفية حدوث ذلك‏ ” انتهى من مقال للدكتور زغلول النجار .

ونحن لا نرى مانعا من أن يكون ذلك القول محتملا ، وأن يكون الآية تدل عليه ، إما على وجه العموم لها ولغيرها ، مما يصح أن ينطبق عليه هذا الوصف ، كما هي طريقة الإمام الطبري السابق ذكرها ، وأصله في الآية ، وهو جار على مذهب من يصحح دلالة المشترك على أكثر من معنى في السياق الواحد ، وهو اختيار الشافعي وغيره من الأصوليين .
وإما على أن يكون المراد من هذا اللفظ العام : بعض أفراده ، كما هي طريقة من يرى أن الآية تدل على شيء واحد من الأقوال السابقة ، والباحثون في إعجاز القرآن ، لم يخرجوا هنا عن ذلك الأصل ، ولم يأتوا بقول جديد كل الجدة ، بل ذهبوا إلى أن المراد بهذا اللفظ العام : بعض أفراده فقط ، وليس كل ما ينطبق عليه هذا الوصف .
ثم أضافوا فردا جديدا ، ليس بخارج ، كلية ، عن الأقوال السابقة .
ثم إن هذا القول ، لم يخرج أيضا عن مقتضى لغة العرب في معنى ” الخنس” و” الكنس ” ، كما سبق ذكره ، وإن كان قد أضاف تحديدا جديدا ، أو دلل على دخول ” فرد ” جديد ، في ضمن ” أفراد ” اللفظ ” العام ” : الخنس ، والكنس .
يقول ابن فارس رحمه الله :
” ( كنس ) الكاف والنون والسين أصلان صحيحان :
أحدهما : يدل على سفر شيء عن وجه شيء ، وهو كشفه .
والأصل الآخر : يدل على استخفاء .
فالأول : كَنس البيت ، وهو سفر التراب عن وجه أرضه . والمِكنسة : آلة الكنس . والكُناسة : ما يكنس .
والأصل الآخر : الكناس : بيت الظبي . والكانس : الظبي يدخل كناسه . والكنس : الكواكب تكنس في بروجها كما تدخل الظباء في كناسها . قال أبو عبيدة : تكنس في المغيب ” انتهى من ” معجم مقاييس اللغة ” (5/141) .

فقالوا : يمكن تفسير ( الكُنَّس ) على أنها جمع ( كانس ) على صيغة المبالغة ، بمعنى كأنها آلة للكنس ، تسفر وتزيل الشيء عن وجه شيء آخر وتكشفه .

وهذا كله على فرض ثبوت وجود هذا النوع من النجوم ( الثقوب السوداء )، وإلا فدلالة الآية لا تتوقف على نتائج العلوم الكونية وعلوم الفضاء ، بل هي دلالة كاملة واضحة بحمد الله ، كما ثبت نقله عن أئمة التفسير ، ولو ثبتت يقينا حقيقة تلك ( الثقوب السوداء ) فغايتها أنها تفصيل لأنواع النجوم التي تنطبق عليها الآية الكريمة ، أو ذكر لقول محتمل ، ليس من الصواب في شيء : القطع بأنه الآية تدل عليه ، ولا تدل على شيء سواه .

والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android