0 / 0

هل كانت توجد زمنَ النبي صلى الله عليه وسلم نسخٌ من التوراة غير محرفة ؟

السؤال: 216734

هناك حديث عن عبد الله بن عمر يقول فيه : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم وضع نسخة من التوراة على وسادة احتراماً لها .
فهل يعني ذلك أن هذه النسخة لم تحرف ؟ أم لأنها تحوي كلام الله رغم بعض التغييرات التي طرأت عليها ؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولا :
أخبرنا الله عز وجل في كتابه أن أهل الكتاب حرفوا التوراة والإنجيل ، وبدلوا كلام الله ، فقال تعالى : ( أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ) البقرة/ 75 ، وقال تعالى : ( مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ ) النساء/ 46 .
قال السعدي رحمه الله :
” إما بتغيير اللفظ أو المعنى ، أو هما جميعا ” انتهى من “تفسير السعدي” (ص 181) .
غير أن هذا التحريف ليس شاملاً لكل ما جاء في كتبهم ، فلم تزل كتبهم متضمنة لأشياء من الحق .
انظر جواب السؤال رقم : (145665) .

ثانيا :
لا يوجد ما يمنع من القول بأنه كانت توجد نسخ صحيحة من كتب أهل الكتاب لم يطلها التبديل والتحريف ، وبقيت إلى عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
” قِيلَ : لَيْسَ فِي الْعَالِمِ نُسْخَةٌ بِنَفْسِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ ؛ بَلْ ذَلِكَ مُبَدَّلٌ ؛ فَإِنَّ التَّوْرَاةَ انْقَطَعَ تَوَاتُرُهَا ، وَالْإِنْجِيلَ إنَّمَا أُخِذَ عَنْ أَرْبَعَةٍ . ثُمَّ مِنْ هَؤُلَاءِ مَنْ زَعَمَ أَنَّ كَثِيرًا مِمَّا فِي التَّوْرَاةِ أَوْ الْإِنْجِيلِ بَاطِلٌ لَيْسَ مِنْ كَلَامِ اللَّهِ ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ : بَلْ ذَلِكَ قَلِيلٌ . وَقِيلَ لَمْ يُحَرِّفْ أَحَدٌ شَيْئًا مِنْ حُرُوفِ الْكُتُبِ وَإِنَّمَا حَرَّفُوا مَعَانِيَهَا بِالتَّأْوِيلِ ، وَهَذَانِ الْقَوْلَانِ قَالَ كُلًّا مِنْهُمَا كَثِيرٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ ، وَالصَّحِيحُ الْقَوْلُ الثَّالِث ُ، وَهُوَ أَنَّ فِي الْأَرْضِ نُسَخًا صَحِيحَةً وَبَقِيَتْ إلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنُسَخًا كَثِيرَةً مُحَرَّفَةً ” انتهى من “مجموع الفتاوى” (13/ 103-104) .
ثالثا :
روى البخاري (7543) ، ومسلم (1699) – واللفظ له – عن ابن عمر أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُتِيَ بِيَهُودِيٍّ وَيَهُودِيَّةٍ قَدْ زَنَيَا ، فَانْطَلَقَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى جَاءَ يَهُودَ ، فَقَالَ: ( مَا تَجِدُونَ فِي التَّوْرَاةِ عَلَى مَنْ زَنَى ؟) قَالُوا : نُسَوِّدُ وُجُوهَهُمَا، وَنُحَمِّلُهُمَا ، وَنُخَالِفُ بَيْنَ وُجُوهِهِمَا ، وَيُطَافُ بِهِمَا ، قَالَ : ( فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ) ، فَجَاءُوا بِهَا فَقَرَؤوهَا حَتَّى إِذَا مَرُّوا بِآيَةِ الرَّجْمِ وَضَعَ الْفَتَى الَّذِي يَقْرَأُ يَدَهُ عَلَى آيَةِ الرَّجْمِ ، وَقَرَأَ مَا بَيْنَ يَدَيْهَا ، وَمَا وَرَاءَهَا ، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ سَلَامٍ وَهُوَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مُرْهُ فَلْيَرْفَعْ يَدَه ُ، فَرَفَعَهَا فَإِذَا تَحْتَهَا آيَةُ الرَّجْمِ ، فَأَمَرَ بِهِمَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَرُجِمَا “
ورواه أبو داود (4449) ولفظه :
” أَتَى نَفَرٌ مِنْ يَهُودٍ ، فَدَعَوْا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْقُفِّ – اسم واد بالمدينة – فَأَتَاهُمْ فِي بَيْتِ الْمِدْرَاسِ ، فَقَالُوا : يَا أَبَا الْقَاسِمِ : إِنَّ رَجُلًا مِنَّا زَنَى بِامْرَأَةٍ ، فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ ، فَوَضَعُوا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وِسَادَةً فَجَلَسَ عَلَيْهَا ، ثُمَّ قَالَ : ( بِالتَّوْرَاةِ ) ، فَأُتِيَ بِهَا ، فَنَزَعَ الْوِسَادَةَ مِنْ تَحْتِهِ ، فَوَضَعَ التَّوْرَاةَ عَلَيْهَا ، ثُمَّ قَالَ : ( آمَنْتُ بِكِ وَبِمَنْ أَنْزَلَكِ ) ثُمَّ قَالَ : ( ائْتُونِي بِأَعْلَمِكُمْ ) ، فَأُتِيَ بِفَتًى شَابّ ٍ، ثُمَّ ذَكَرَ قِصَّةَ الرَّجْمِ .
وحسنه الألباني في ” صحيح أبي داود ” .

قال في “عون المعبود” :
” ( وَوَضَعَ التَّوْرَاة عَلَيْهَا ) : أَيْ عَلَى الْوِسَادَة ، وَالظَّاهِر أَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَضَعَ التَّوْرَاة عَلَى الْوِسَادَة تَكْرِيمًا لَهَا , وَيُؤَيِّدهُ قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( آمَنْت بِك وَبِمَنْ أَنْزَلَك ) ” انتهى .
فوضع النبي صلى الله عليه وسلم نسخة التوراة على الوسادة تعظيما لها لما تتضمنه من الحق ، فيحتمل أن هذه النسخة لم يطلها التبديل والتحريف ، ويحتمل أن يكون بعضها محرفا ، وبعضها غير محرف ، ورفعها النبي صلى الله عليه وسلم على الوسادة تعظيما لما بها من الحق .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله عند شرحه لهذا الحديث :
” وَقَدِ اسْتَدَلَّ بِهِ بَعْضُهُمْ عَلَى أَنَّهُمْ لَمْ يُسْقِطُوا شَيْئًا مِنْ أَلْفَاظِهَا – يعني التوراة – ؛ وَالِاسْتِدْلَالُ بِهِ لِذَلِكَ غَيْرُ وَاضِحٍ ؛ لِاحْتِمَالِ خُصُوصِ ذَلِكَ بِهَذِهِ الْوَاقِعَةِ ، فَلَا يَدُلُّ عَلَى التَّعْمِيمِ ، وَكَذَا مَنِ اسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ التَّوْرَاةَ الَّتِي أُحْضِرَتْ حِينَئِذٍ كَانَتْ كُلُّهَا صَحِيحَةً سَالِمَةً مِنَ التَّبْدِيلِ ؛ لِأَنَّهُ يَطْرُقُهُ هَذَا الِاحْتِمَالَ بِعَيْنِهِ ، وَلَا يَرُدُّهُ قَوْلُهُ : ( آمَنْتُ بِكَ وَبِمَنْ أَنْزَلَكَ ) لِأَنَّ الْمُرَادَ أَصْلُ التَّوْرَاةُ ” انتهى من “فتح الباري” (12/ 172) .

ولا نستطيع أن نقطع بواحد من الاحتمالين ، وإنما المقطوع به : أن قوله في الحديث : ( فَجَاءُوا بِهَا فَقَرَءُوهَا حَتَّى إِذَا مَرُّوا بِآيَةِ الرَّجْمِ … ) يدل على أن هذا القدر من التوراة ، الذي قرءوه بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم ، ومنه آية الرجم : هو من التوراة المنزلة غير المحرفة .

والله تعالى أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

answer

موضوعات ذات صلة

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android