تنزيل
0 / 0

زوج يريد التعدد وزوجته وأمه لا يرضيان بذلك وتهدده أمه بالهجر إن تزوج بثانية

السؤال: 217503

أنا بنت عمري٢٥ متزوجة منذ ٧ سنوات ولديَّ ٣ أطفال ، يريد زوجي أن يتزوج بامرأة أخرى ، وذلك لأنه حلم له أن يعدد ، وهذا سبب لنا مشاكل كثيرة ، بعد ما كنا أسعد زوجين ، وأنا أعلم بأن التعدد مشرع ، ولكني لم أستطع تحمل هذا وأمه غاضبة عليه ، وتقول له إن تزوج فهي متبرئة منه ، ولن يراها ، ونحن الآن ليس لدينا منزل ، مقيمين في إقامة العمل ، فهل هذا عذر له بالتعدد ؟ وماذا أفعل أنا ؟ وهل يجب عليه أن يطيع أمه ؟

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أجاز الشرع الحنيف للرجل أن يتزوج بزوجتين وثلاث وأربع ، بشرطين :
الشرط الأول : القدرة على النفقة وتكاليف الزواج , فقد أخرج البخاري (5066) ، ومسلم
(1400) عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم شباباً لا
نجد شيئاً ، فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ
مَنْ اسْتَطَاعَ منكُم الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ ، فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ
، وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ
فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ ) .

قال النووي رحمه الله : ”
اختلف العلماء في المراد بالباءة هنا على قولين ، يرجعان إلى معنى واحد , أصحهما :
أن المراد معناها اللغوي ، وهو الجماع ، فتقديره : من استطاع منكم الجماع ، لقدرته
على مؤنه ، وهي مؤن النكاح : فليتزوج , ومن لم يستطع الجماع ، لعجزه عن مؤنه :
فعليه بالصوم ؛ ليدفع شهوته , ويقطع شر منيِّه ، كما يقطعه الوجاء , وعلى هذا القول
: وقع الخطاب مع الشباب الذين هم مظنة شهوة النساء ، ولا ينفكون عنها غالبا .
والقول الثاني : أن المراد هنا بالباءة : مؤن النكاح ، سميت باسم ما يلازمها ,
وتقديره من استطاع منكم مؤن النكاح : فليتزوج ، ومن لم يستطع فليصم لدفع شهوته ,
والذي حمل القائلين بهذا على ما قالوه ، قوله : ( ومن لم يستطع فعليه بالصوم ) ،
قالوا : والعاجز عن الجماع ، لا يحتاج إلى الصوم لدفع الشهوة , فوجب تأويل الباءة
على المؤن , وأجاب الأولون بما قدمناه في القول الأول ، وهو أن تقديره : من لم
يستطع الجماع ، لعجزه عن مؤنه ، وهو محتاج إلى الجماع : فعليه بالصوم . والله أعلم
. ” انتهى من ” شرح النووي على صحيح مسلم ” (9/173) ، ونقله ابن حجر في ” فتح
الباري لابن حجر ” (9 /108) .

الشرط الثاني: أن يعدل بينهن
في النفقة والقَسْم ( المبيت ) , فمن كان غير قادر على العدل : صار التعدد في حقه
محظورا , ووجب عليه أن يكتفي بامرأة واحدة , قال تعالى : ( وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا
تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى
وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أوْ مَا
مَلَكتْ أيْمانُكم) النساء/ 3 .

وأما غيرة الزوجة الأولى من
التعدد : فهي أمر فطري طبيعي ، جبلت عليه النساء ، لا مفر منه بالنسبة لهن ,
والمرأة غير مؤاخذة عليه – إن شاء الله تعالى – ما دامت الغيرة مجرد هواجس في عقلها
، وانفعالات في صدرها , وكانت في نفس أمرها : راضية بحكم الله وشرعه ، ملتزمة في
أقوالها وأفعالها بأحكام الشرع الحنيف وآدابه , فلم تبغ على زوجها ، ولم تنشز عليه
.
أما إن ركبت مركب الهوى ، واتبعت خطوات الشيطان ونزغاته ، وسارعت في البغي أو
النشوز على الزوج ، أو تحريض الأولاد على أبيهم ، أو طلب الطلاق من غير بأس وقع
عليها من ذلك , فهنا تكون قد دخلت في دائرة المؤاخذة ، وتعدت حدود الله سبحانه ,
ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه .
ولتعلم الزوجة أن الدنيا دار اختبار وابتلاء , وأن الله سبحانه قد خلق الإنسان من
نطفة أمشاج ليبتليه , وتزوج الزوج على زوجته الأولى : لا شك أنه نوع من البلاء ،
تطالب بالصبر عليه ، كما تطالب بالصبر على غيره من البلاء , فعليها أن تصبِّر نفسها
وتسليها .
فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( وَمَنْ يَتَصَبَّرْ يُصَبِّرْهُ اللَّهُ ،
وَمَا أُعْطِيَ أَحَدٌ عَطَاءً خَيْرًا وَأَوْسَعَ مِنْ الصَّبْرِ ) أخرجه البخاري
(1469) ، ومسلم (1053) عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه .
وأخرجه الإمام أحمد (11091) من طريق أخرى بلفظ : ( مَنْ يَتَصَبَّرْ يُصَبِّرْهُ
اللهُ ، وَمَنْ يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ اللهُ ، وَمَنْ يَسْتَعْفِفْ يُعِفَّهُ اللهُ ،
وَمَا أَجِدُ لَكُمْ رِزْقًا أَوْسَعَ مِنَ الصَّبْرِ) ، وإسناده حسن .

وقَوْله : ( وَمَا أُعْطِىَ
أَحَدٌ عَطَاء خَيْرًا وَأَوْسَع مِنْ الصَّبْر ) .
قال القاري رحمه الله : ” وَذَلِكَ لِأَنَّ مَقَامَ الصَّبْرِ أَعْلَى
الْمَقَامَاتِ ؛ لِأَنَّهُ جَامِعٌ لِمَكَارِمِ الصِّفَاتِ وَالْحَالَاتِ ،
وَمَعْنَى كَوْنِهِ أَوْسَعَ : أَنَّهُ تَتَّسِعُ بِهِ الْمَعَارِفُ ،
وَالْمَشَاهِدُ ، وَالْأَعْمَالُ ، وَالْمَقَاصِدُ ” انتهى من ” مرقاة المفاتيح ”
(4/1311) .

وقال ابن بطال رحمه الله :”
أرفع الصابرين منزلة عند الله : من صبر عن محارم الله ، وصبر على العمل بطاعة الله
، ومن فعل ذلك فهو من خالص عباد الله وصفوته ، ألا ترى قوله صلى الله عليه وسلم : (
لن تعطَوا عطاءً خيرًا وأوسع من الصبر) ” انتهى من ” شرح صحيح البخارى ” (10/182) .

أما من ناحية غضب أمه عليه ،
إن تزوج فهذا غضب في غير محله ، ولا يحق للأم أن تقف حجر عثرة أمام ابنها في أمر
الزواج الثاني ، فهو أمر مشروع وطريق للصيانة والعفاف , ولربما كان الابن بحاجة
للزواج الثاني , فإن من الرجال من لا تعفه المرأة الواحدة ، ويحتاج إلى أكثر من
امرأة لشدة شهوته ، ونحو ذلك , فلا يجوز للأم أن تضيق على ابنها في أمر كهذا , ولا
يجوز لها أن تهجره أيضا ، فإن الهجر بين المسلمين حرام ، وهو بين ذوي الأرحام أشد
وأشنع , ثم إن الابن لم يرتكب من مخالفة الشرع ، ولا من التفريط في بر أمه ما
يستوجب الهجر والمقاطعة .

على أننا – أيضا – لا نرى
للولد أن يغضب أمه ، ويتزوج وهي كارهة لذلك ، مغاضِبة لولدها بسببه ، فكيف سيكون
أمره مع أمه ، وهي على تلك الحال ، مع تقدير أن بعض الأمهات يطول بهن أمر الغضب
والهجر لأبنائهن ، من أجل أمر كهذا ، فليس من العقل أو الحكمة أن يمضي في أمر زواجه
، وهو بتلك الحال ، إلا إذا خشي على نفسه العنت ، وشق عليه ألا يتزوج بأخرى .

وإنما عليه أن يسترضي أمه ،
ويصبر عليها ، لعلها أن تتراجع عن قرارها هذا ، وأن تعين ابنها على برها ، فرحم
الله والدا أعان ولده على بره , وقد سبق أن بينا في الفتوى رقم : (180630)
حكم من أراد التعدد ووالداه يرفضان ذلك .

والله أعلم .

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android