أنا متزوج منذ سنوات ، ولدي ولدان ، وأرغب بالزواج من امرأة على سنَّة الله ورسوله ، ولكن زوجتي الأولى ترفض الموضوع وكذلك أهلي ، حدثت العديد من المشاكل حيث طلبت زوجتي الطلاق فرفضتُ وعليه تم الاتفاق بيننا علي الانفصال لمصلحة الأولاد ، تم الاتفاق على إرجاع زوجتي وأولادي إلى ” عمَّان ” مع تكفلي بكافة المصاريف المتعلقة بالأولاد وزوجتي ، وتوفير مسكن ملائم جدّاً ببيت مستقل ، تم الاتفاق كذلك مع زوجتي على عدم المبيت ، كون العلاقة والمشاكل بيننا لا تسمح نفسيّاً بالقيام بالعشرة الزوجية ، كونها ستكون لا إنسانية ، الزوجة الثانية تصر على أنه في حالة طلب الزوجة الأولى بالمبيت مستقبلاً فإنها ستطلب الانفصال ! علماً بأنها ستعيش معي هنا في ” السعودية ” .
السؤال :
ما هي الأشياء الواجبة عليَّ لتجنب ظلم الزوجة الأولى ؟ وهل يحق لها طلب المبيت مستقبلا ، حتى ولو أننا لا نشعر بالود والرغبة لذلك ؟ وهل من حق الزوجة الثانية طلب الانفصال في حالة المبيت مع الأولى ؟ وهل يعتبر هذا الزواج عقوقا للوالدين اللذين يرفضون هذا الزواج فقط لمصلحة الأولاد ؟
ماذا يفعل من يرغب بالتعدد ويرفض ذلك أهله وزوجتاه ؟
السؤال: 180630
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولاً:
أوجب الله تعالى على المعدِّد العدل بين نسائه في المبيت والنفقة والسكنى ، وهو عدل ظاهر مستطاع ، ومن لم يكن قادراً على تحقيقه واقعاً في حياته فيصير التعدد في حقه محرَّماً .
وغيرة النساء من التعدد أمر لا خلاص منه ، والعاقل من الأزواج من يُحسن تدبير بيوته ليقيمها على العدل وينشر فيها المودة والرحمة ، وطلب الزوجة أن تكون بعيدة عن زوجها أو طلبها أن تطلَّق لا ينبغي للزوج أن يسارع في الاستجابة له ؛ لأنها أوراق أخيرة تحاول الزوجة استثمارها للضغط عليه ليكف عن التزوج عليها أو ليطلِّق ضرَّتها ، وعليه : فلا تتعجل فتطلق الأولى لاختيارها البعد عنك بأولادها ، ولا تستجب للأخرى بتطليقها في حال رجوعك للأولى بحقوقها كاملة ، ومن تصرُّ منهما بعد صبرك وتحملك وحسن حكمتك ، فلا تيأس عليها وهي من اختارت مصيرها بنفسها .
ثانياً:
أما بخصوص زوجتك الأولى فلا يخرج ما فعلته معها من كونه هبة منها لحقها في المبيت لك أو لضرتها ، أو يكون من باب الصلح ، فإن كان الأول فلها الرجوع عنه ومطالبتك بحقها في القسم لها كضرتها ويجب عليك الاستجابة لها ، وإن كان ما حصل معها هو من باب الصلح مقابل عدم تطليقك لها : ففعلها جائز ولا شك أنه خير من الفرقة ؛ لتبقى زوجاً لها تدخل بيتها من غير حرج وتراها وتراك ، وأصل الجواز هو قوله تعالى : ( وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الأنْفُسُ الشُّحَّ وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا ) النساء/ 128 .
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي – رحمه الله – : ” أي : إذا خافت المرأة نشوز زوجها أي : ترفعه عنها وعدم رغبته فيها وإعراضه عنها : فالأحسن في هذه الحالة أن يصلحا بينهما صلحاً ، بأن تسمح المرأة عن بعض حقوقها اللازمة لزوجها على وجه تبقى مع زوجها ، إما أن ترضى بأقل من الواجب لها من النفقة أو الكسوة أو المسكن أو القسم بأن تسقط حقها منه ، أو تهب يومها وليلتها لزوجها أو لضرتها .
فإذا اتفقا على هذه الحالة : فلا جناح ولا بأس عليهما فيها ، لا عليها ولا على الزوج ، فيجوز حينئذ لزوجها البقاء معها على هذه الحال ، وهي خير من الفرقة ، ولهذا قال ( وَالصُّلْحُ خَيْرٌ ) ” انتهى من ” تفسير السعدي ” ( ص 206 ) .
وهل للزوجة الرجوع عن الصلح ونقضه ؟ والجواب : ليس لها الرجوع عنه ولا يُلزم الزوج بالاستجابة لها ، بل هو مخيَّر في فعلها أو عدمها ، والجمهور على خلاف ذلك ويرون أن لها أن تنقض الصلح ويُلزم زوجُها بقبوله .
قال ابن بطَّال – رحمه الله – : ” واختلفوا هل ينتقض هذا الصلح ، فقال عبيدة : هما على ما اصطلحا عليه فإن انتقضت : فعليه أن يعدل عليها أو يفارقها وبه قال النخعي ومجاهد وعطاء ، وحكى ابن المنذر : أنه قول الثوري والشافعي وأحمد ، وقال الكوفيون : الصلح فى ذلك جائز ، وقال ابن المنذر : لا أحفظ عنهم في الرجوع شيئاً ، وقال الحسن البصري : ليس لها أن تنقض وهما على ما اصطلحا عليه ، وقول الحسن : هو قياس قول مالك فيمن أنظره بالديْن أو أعاره عارية إلى مدة أنه لا يرجع فى ذلك ، وقول عبيدة هو قياس قول أبي حنيفة والشافعي ؛ لأنها هبة منافع طارئة لم تقبض فجاز فيها الرجوع ” انتهى من ” شرح صحيح البخاري ” ( 7 / 328 ) .
ولا شك أن قول الجمهور أحوط وإن كان القول الآخر أرجح .
وقد ذكرنا الفرق بين الهبة والصلح وذكرنا فتاوى العلماء في المسألة في جواب السؤال رقم ( 161302 ) فانظره .
ثالثاً:
لا يجوز للزوجة الأخرى أن تطلب الطلاق إذا رجعتَ إلى زوجتك الأولى وإلاَّ عرضت نفسها للوعيد ، فعَنْ ثَوْبَانَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَيُّمَا امْرَأَةٍ سَأَلَتْ زَوْجَهَا الطَّلَاقَ مِنْ غَيْرِ مَا بَأْسٍ فَحَرَامٌ عَلَيْهَا رَائِحَةُ الْجَنَّةِ ) رواه الترمذي ( 1187 ) وأبو داود ( 2226 ) وابن ماجه ( 2055 ) ، وصححه الألباني في ” صحيح الترمذي ” .
وانظر جواب السؤال رقم (127145 ) .
فإذا جرَّبت الزوجة الثانية حياتها مع زوجته الأولى ولم تطق صبراً ، وخشيت عدم القيام بحق زوجها : فلا بأس بطلب المخالعة ، كما بينَّاه في جواب السؤال رقم ( 452 ) .
وينظر تفصيل ” الخلع ” في جواب السؤال رقم (26247 ) ، وينظر في عدة الخلع ورجوع المختلعة لزوجها جوابا السؤالين (5163 ) و (14569 ) ، وينظر في الفرق بين الخلع والطلاق جواب السؤال رقم (175765 ) .
رابعاً:
إذا كان الزوج محتاجاً للتزوج بزوجة ثانية فلا ينبغي لوالديه منعه من تحقيق ذلك ، فإن فعل من غير رضاهم فلا يعد فعله عقوقاً من حيث الأصل ، وينظر تفصيل ذلك في جواب السؤال رقم ( 98768 ) .
غير أننا لا ننصحك في الإقدام على زواج ثاني ، يجعل زواجك الأول في محل الخطورة أو مهب الرياح ؛ فليس العاقل من يبني قصرا ويهدم مصرا !! وإذا قدر أنك احتجت إلى ذلك ، ورغبت فيه ، فهنا يأتي الدور الأهم في حسن اختيارك ؛ فما الذي يدفعك إلى اختيار زوجة ثانية تهدد لك بيتك الأول ، وتلزمك بأمر لا يلزمك ؛ الذي يجب عليك أن تختار ما يناسب ظرفك ، فتختار الزوجة التي تقبل بوضع أنها زوجة ثانية ، وأنك لست مستعدا لهدم بيتك الأول لأجلها ؛ فإن استقامت العشرة مع الزوجتين ، فهذا هو المطلوب ؛ وإلا ، فأنت بالخيار ، ترى ما يصلح لك ، ويصلح شأنك ، ولا تكون ملزما بأمر لا يلزمك من الأصل .
والله أعلم
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب
موضوعات ذات صلة