0 / 0

من ابتلي بالشرك عليه أن يتوب ويستر على نفسه فلا يخبر أحدا ، ومن ابتلي بالوساوس عليه أن يعرض عنها

السؤال: 217993

شخص يعاني من مشاكل نفسية كبرى من معاصيه ، ويريد منكم الجواب الشافي :
أشرك بالله وتاب ، فهل يجوز له ستر الشرك ، ولو بالكذب ؟
السؤال2:
يعاني من الشك كحالة مرضية ، فكيف يتعامل مع الناس إذا سأله أحد عن شيء يشك فيه ويمثل مصدر اتهام له بحيث أنه إذا أجاب عن هذا السؤال قد يشك في أنه كذب وتتهمه نفسه بالكذب ويأخذ في لوم نفسه ، كمن شك في أنه جامع امرأة على سبيل الزنا أم لا ، وسأله أحد إذا زنى أم لا ، فهل يبرئ نفسه بقوله لم أزن ؟ أم يقول لا أعلم؟ أم يقول زنيت ؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولا :
الواجب على من وقع في معصية لله سبحانه ، سواء كانت شركا – والعياذ بالله – أو كبيرة أو صغيرة أن يستتر بستر الله عليه ، فقد قال صلى الله عليه وسلم : ( اجتنبوا هذه القاذورة التي نهى الله عز وجل عنها ، فمن ألمّ ، فليستتر بستر الله عز وجل ) والحديث رواه البيهقي وصححه الألباني في ” السلسلة الصحيحة ” برقم (663) .
بل قد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من التحديث بالذنب والمجاهرة به ، وذلك لأن المجاهرة بالذنب تشعر باستهانة صاحبها به ، واستخفافه بحدود الله سبحانه ، وعدم مبالاته بها ، فعن أبي هريرة قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( كل أمتي معافى إلا المجاهرين ، وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملاً ، ثم يصبح وقد ستره الله عليه فيقول : يا فلان عملت البارحة كذا وكذا ، وقد بات يستره ربه ، ويصبح يكشف ستر الله عنه ) .رواه البخاري ( 5721 ) ، ومسلم ( 2990 ).
قال ابن القيم :” المستخفي بما يرتكبه : أقل إثماً من المجاهر المستعلن ، والكاتم له أقل إثماً من المخبِر المحدِّث للناس به ، فهذا بعيد من عافية الله تعالى وعفوه ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : ” كل أمتي معافى إلا المجاهرين ” انتهى من إغاثة اللهفان ” ( 2 / 147 ) .
ومن المعلوم أن الشرك بالله هو أكبر الكبائر ، وأقبح القبائح ، فمن وقع فيه : فالواجب عليه أن يسارع بالتوبة منه ، وذلك بالإقلاع عن الشرك ، وتجديد الدخول في الإسلام .
ويشرع له ـ أيضا ـ أن يغتسل ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بذلك قيس بن عاصم .
وقد سبق أن بينا كيفية التوبة من الشرك في الفتوى رقم : (20482).
وعليه أيضا أن يخفي ذنبه عن الناس ما استطاع ، فإن سأله أحد عن ذلك – وهذا مستبعد جدا في الواقع ومجاري العادات – فلا يخبره ، بل عليه أن يلتزم الصمت ، أو يتحدث بشيء من التورية والمعاريض ، وهي الكلام الذي يفهم منه السامع معنى خلاف ما يريد المتكلم ، كأن يقول : لم يقع مني شرك ، ويقصد خلال هذا اليوم مثلا . يقول الحافظ ابن حجر رحمه الله في التعليق على قصة ماعز رضي الله عنه : ” ويؤخذ من قضيته : أنه يستحب لمن وقع في مثل قضيته : أن يتوب إلى الله تعالى ، ويستر نفسه ، ولا يذكر ذلك لأحد ، كما أشار به أبو بكر وعمر على ماعز . وأن مَن اطلع على ذلك: يستر عليه بما ذكرنا ، ولا يفضحه ، ولا يرفعه إلى الإمام ، كما قال صلى الله عليه وسلم في هذه القصة : ( لو سترته بثوبك لكان خيراً لك ) ، وبهذا جزم الشافعي رضي الله عنه ، فقال : أُحبُّ لمَن أصاب ذنباً ، فستره الله عليه : أن يستره على نفسه ، ويتوب ، واحتج بقصة ماعز مع أبي بكر وعمر ” انتهى من “فتح الباري” (12/124).
ثانيا:
أما السؤال عن هذا الذي يعاني من الشك والوساوس كحالة مرضية خارجة عن المعتاد : فهذا علاجه أن يستعيذ بالله سبحانه من الشيطان الرجيم ، ويقلع عن مجاراة هذه الوساوس ، بل عليه أن يعرض عنها ، ولا يلتفت إليها .
سئل ابن حجر الهيتمي – رحمه الله – عن داء الوسوسة هل له دواء ؟
فأجاب : ” له دواء نافع ، وهو الإعراض عنها جملة كافة ، وإن كان في النفس من التردد ما كان ؛ فإنه متى لم يلتفت لذلك : لم يثبت ، بل يذهب بعد زمن قليل ، كما جرب ذلك الموفقون ، وأما من أصغى إليها ، وعمل بقضيتها : فإنها لا تزال تزداد به حتى تخرجه إلى حيز المجانين ، بل وأقبح منهم ، كما شاهدناه في كثيرين ممن ابتلوا بها ، وأصغوا إليها وإلى شيطانها الذي جاء التنبيه عليه منه – صلى الله عليه وسلم – بقوله: اتقوا وسواس الماء الذي يقال له الولهان [ضعفه الألباني في ضعيف الجامع وغيره] ؛ أي: لما فيه من شدة اللهو ، والمبالغة فيه ، كما بينت ذلك وما يتعلق به في شرح مشكاة الأنوار، وجاء في الصحيحين ما يؤيد ما ذكرته ، وهو أن من ابتلي بالوسوسة ، فليعتقد بالله ولينته.
فتأمل هذا الدواء النافع الذي علمه من لا ينطق عن الهوى لأمته ، واعلم أن من حُرِمه ، فقد حُرم الخير كله؛ لأن الوسوسة من الشيطان ، اتفاقا ؛ واللَّعينُ لا غاية لمراده إلا إيقاع المؤمن في وهدة الضلال والحيرة ، ونكد العيش ، وظلمة النفس وضجرها ، إلى أن يخرجه من الإسلام وهو لا يشعر : ( إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا ) ” انتهى من الفتاوى الفقهية الكبرى (1 / 149) .
وقد سبق بيان ذلك في الفتوى رقم : (10160) ، ورقم : (102851) ، ورقم : (98295) .
ومما يدل على كون هذا الشخص قد أوصلته الوساوس إلى حالة سيئة متردية ، خارجة عن طبيعة الأسوياء : أنه يشك هل زنا أم لم يزن !! وهذا لا يكون من شخص سوي ، بل يكون من شخص مبتلى قد تلاعب به الشيطان ليحزنه ، وليدخل عليه الغم والكآبة وليعسِّر عليه أمور دينه ويصده عن ذكر ربه سبحانه ، فعليه أن لا يلتفت إلى هذه الوساوس ، وأن لا يعبأ بها كلها ، سواء ما يتعلق منها بأنه أشرك ، أو زنى ، أو عصى أيا ما كانت معصيته ؛ وليكن أكبر همه أن يحارب الشيطان ، ويغلبه ويدحره ، ولا يكون ذلك إلا بالاستعانة بالله سبحانه والصبر على أوامره وحفظ حدوده .

وليعلم السائل أن الأصل في المسلم السلامة وبراءة الذمة ، وإذا حصل شك – لظروف مرضه وبلائه – هل وقع منه ذنب أم لا ؟ فليعلم أن اليقين لا يزول بالشك ، وأن اليقين هنا هو أنه لم يواقع هذه المعاصي ، فيظل هذا اليقين على حاله ولا يلغى لشك عارض ، كما بيناه في الفتوى رقم : (14219)
والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android