تنزيل
0 / 0
108,51820/08/2014

من معاني كلمة ( الحكمة ) في القرآن الكريم أنها السنة النبوية

السؤال: 220133

فسَّر العلماء السابقون معنى ” الحكمة ” بأنها سنة الرسول صلى الله عليه وسلم ، فهل هنالك من دليل على هذا التفسير ، وكيف فسَّر الرسول صلى الله عليه وسلم الحكمة ، وهل هنالك حديث يدل على ذلك .
فأنا أرى أنَّ الآيات الكريمة الآتية تدل على معاني مختلفة عن تلك التي جاء بها علماء التفسير :
– ففي سورة ” البقرة ” – الآية : 231 : ( وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنزَلَ عَلَيْكُم مِّنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُم بِهِ ) حيث أخبروني أنَّ ” الحكمة ” هي نفسها ” الكتاب ” – الكتاب في هذا الآية هو القرآن- والدليل على ذلك هو كلمة ( بِهِ ) في آخر الآية ، التي جاءت بصيغة المفرد ، وعليه يكون معنى الكتاب القرآن ، ومعنى الحكمة : حكمة الله .
– وفي سورة ” المائدة ” – الآية : 110 ( إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَىٰ وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدتُّكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا . وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنجِيلَ ) لا يمكن أن يكون معنى ” الحكمة ” هنا بأنها سنة الرسول صلى الله عليه وسلم الذي أتى بعد عيسى عليه السلام . فما المقصود بالحكمة في هذه الآية .
– وأيضاً في سورة ” البقرة “- الآية : 129 : ( رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ . إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) لا يمكن أن يكون معنى ” الحكمة ” هنا بأنها سنة الرسول صلى الله عليه وسلم .
– وفي سورة ” البقرة ” – الآية : 269: ( يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ ) . فهل هذا يعني أن يمكن لأي أحد يختاره الله أن يعلم سنة الرسول صلى الله عليه وسلم .
لو أراد الله قصد معنى سنة الرسول صلى الله عليه وسلم لاستخدم كلمات دالة ( محددة ) على قصده ، كما قال في سورة ” الأحزاب “- الآية : 62 ( سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا ) ، وكما في سورة ” المرسلات “- الآية : 50 ( فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ ) .
وقد قال الله عز وجل في سورة ” الزمّر “- الآية : 28 ( قُرْآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ) فاستخدم هنا كلمة القرآن ، ولو أراد ذكر الحديث أو السنة لذكرهما صراحة ، فالله عز وجل يعرف مصطلح السنة والحديث ، فلماذا لا يلقي العلماء بالاً إلى المعاني التي قصدها الله عز وجل بلغة واضحة ، وليست مبهمة ، ويحرفون المعاني ؟

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

مما يسرنا أن نجد المسلمين مهتمين ببيان معاني القرآن الكريم ، والبحث في ذلك ،
لأننا لا يمكننا العمل بالقرآن الكريم على الوجه الذي يرضي الله سبحانه وتعالى إلا
بعد أن نعرف معناه معرفة صحيحة .
فمما يشكر عليه السائل ويمدح عليه بحثه في معاني القرآن الكريم .
ولكن ينبغي لمن أشكل عليه شيء من معاني القرآن الكريم أو غيرها مما يتعلق بالعلوم
الشرعية ، أو وجد شيئا مما قاله العلماء يخالف ما يظهر له من المعنى ينبغي أن يحسن
الظن بالعلماء ، فإنهم بطبيعتهم البشرية ليسوا معصومين من الخطأ ، غير أنه لا يجوز
اتهامهم بقصد تحريف معاني كلام الله ، فقد يكونون مخطئين فعلا ، ولكن عن غير قصد ،
بل عن اجتهاد فيكون لهم أجر ، كما أخبر بذلك الرسول صلى الله عليه وسلم فيمن اجتهد
وأخطأ أن له أجرا ، ومن أصاب فله أجران .
وقد يكون العالم مصيبا ولكن القارئ لكلامه هو الذي لم يفهمه على وجهه الصحيح ، كما
وقع للسائل في هذا السؤال .
ثانيا :
أما ما سأل عنه السائل ، فقد جاءت كلمة ( الحكمة ) في آيات كثيرة من القرآن الكريم
ويراد بها سنة الرسول صلى الله عليه وسلم ، ومن هذه الآيات بعض الآيات التي أوردها
السائل في سؤاله .
فمن ذلك : قول الله تعالى : ( وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا
أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ وَاتَّقُوا
اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ) البقرة /231.
وقوله تعالى : ( وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ
مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا ) النساء/113.
فهذه الآيات تدل على أن الله تعالى أنزل على رسوله صلى الله عليه وسلم شيئين ، وهما
الكتاب والحكمة ، فالكتاب هو القرآن الكريم ، والحكمة ، لم يبق لها معنى إلا أن
تكون سنة الرسول صلى الله عليه وسلم . وقد أكد الرسول صلى الله عليه وسلم هذا
المعنى فقال : ( أَلَا إِنِّي أُوتِيتُ الْكِتَابَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ ) رواه أبو
داود (4604) .
قال ابن بطال في شرح صحيح البخاري :
” ( أوتيت الكتاب ومثله معه ) قال أهل العلم : أراد بذلك السنة التي أوتي” . انتهى
من شرح ابن بطال (19/473) بترقيم الشاملة .
وقال أيضا (19/473) :
” كان جبريل ينزل عليه بالسنن كما يأتيه بالقرآن، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم : (
أوتيت الكتاب ومثله معه ) يعنى : من السنن” انتهى .
وقال ابن قتيبة في “تأويل مختلف الحديث” (1/58) بترقيم الشاملة :
” قوله رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أوتيت الكتاب ومثله معه ) يريد : أنه أوتي
الكتاب ومثل الكتاب من السنة ” انتهى .
وبهذا يتبين أن سنة الرسول صلى الله عليه وسلم وحي منزل من الله تعالى ، وهي الحكمة
التي أنزلها الله على رسوله صلى الله عليه وسلم .
وأما الضمير في قوله ( يعظكم به ) فإنه عائد على ( ما ) في قوله تعالى : ( وما أنزل
عليكم ) وليس عائدا على الكتاب ولا الحكمة على سبيل الانفراد .
ومن هذه الآيات أيضا :
قول الله تعالى : ( كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو
عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ
وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ ) البقرة/151، وقوله سبحانه : (
كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا
وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ
تَكُونُوا تَعْلَمُونَ ) البقرة/151، وقوله عز وجل: ( لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى
الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ
آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا
مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ) آل عمران/164.
وقوله تعالى : ( هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو
عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ
وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ) الجمعة/2.
فما الذي عَلَّمه النبي محمد صلى الله عليه وسلم للناس الذين بعث فيهم ولأمته ؟
أليس هو القرآن الكريم ، والسنة النبوية ؟
وتأمل قوله سبحانه مخاطبا أمهات المؤمنين : ( وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي
بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا
خَبِيرًا ) الأحزاب/34، وما الذي كان يتلى ويذكر في بيوت النبي صلى الله عليه وسلم
؟ أليس هو القرآن والسنة ؟
إذن فالكتاب هو القرآن ، والحكمة هي السنة .
وقد ذكر الإمام الشافعي رحمه الله هذه الآيات ونحوها ثم قال :
” ذكر الله الكتاب ، وهو القُرَآن ، وذكر الحِكْمَة ، فسمعتُ مَنْ أرْضى من أهل
العلم بالقُرَآن يقول : الحكمة سنة رسول الله ؛ لأن القُرَآن ذُكر وأُتْبِعَتْه
الحكمة ، وذكرَ الله منَّه على خَلْقه بتعليمهم الكتاب والحكمة ، فلم يَجُزْ –
والله أعلم – أن يقال الحكمة هاهنا إلا سنةُ رسول الله . وذلك أنها مقرونة مع كتاب
الله ، وأن الله افترض طاعة رسوله ، وحتَّم على الناس اتباع أمره ، فلا يجوز أن
يقال لقول : فرضٌ ، إلا لكتاب الله ، ثم سنة رسوله “. انتهى من ” الرسالة ” (1/78).
وقال العلامة ابن رجب رحمه الله :
” من قال الحكمة : السنة ، فقوله الحق ؛ لأن السنة تفسر القرآن ، وتبين معانيه ،
وتحض على اتباعه ” انتهى من ” لطائف المعارف ” (ص/84).
وأما قول السائل : لماذا استعمل اسم ” الحكمة “، ولم يقل ” السنة ” ؟
فالجواب على هذا أنها أسماء مترادفة لشيء واحد ، فالسنة هي الحكمة ، وهي الطريقة ،
وهي البيان ، وهي الهَدْي .. إلى آخر الأوصاف والأسماء التي أطلقت في الكتاب والسنة
عليها ، فأي ضير في اختيار أحدها وإطلاقه في الآيات الكريمات .
وفي هذا الإطلاق ( الحكمة ) مدح للسنة وحث على التمسك بها ، فمن أراد الصواب في
القول والعمل فعليه بهدي النبي صلى الله عليه وسلم وسنته .
ثالثا :
أما ما أورده السائل في الآيات التي لا يمكن تفسير الحكمة فيها بسنة النبي صلى الله
عليه وسلم ، فلا ينفي ذلك أن الحكمة قد جاءت في آيات آخرى وأريد بها سنة النبي صلى
الله عليه وسلم .
وذلك لأن كلمة ( الحكمة ) لها عدة معانٍ ، وليس معنى واحدا ، والذي يحدد معناها هو
السياق الذي وردت فيه ، فليست كلمة ( الحكمة ) في جميع الآيات لها نفس المعنى .
قال الشيخ ابن باز رحمه الله :
” الحكمة كلمة مشتركة ، تطلق على معان كثيرة ، تطلق على النبوة ، وعلى العلم والفقه
في الدين ، وعلى العقل ، وعلى الورع ، وعلى أشياء أخرى ، وهي في الأصل كما قال
الشوكاني رحمه الله : الأمر الذي يمنع عن السفه ، هذه هي الحكمة . والمعنى : أن كل
كلمة ، وكل مقالة تردعك عن السفه ، وتزجرك عن الباطل ، فهي حكمة . وهكذا كل مقال
واضح صريح ، صحيح في نفسه ، فهو حكمة ، فالآيات القرآنية أولى بأن تسمى حكمة ،
وهكذا السنة الصحيحة أولى بأن تسمى حكمة بعد كتاب الله ، وقد سماها الله حكمة في
كتابه العظيم ، كما في قوله جل وعلا : ( وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ
) يعني السنة ، وكما في قوله سبحانه : ( يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ
يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا ) الآية ، فالأدلة الواضحة
تسمى حكمة ، والكلام الواضح المصيب للحق يسمى حكمة ” انتهى من “مجموع فتاوى ابن
باز” (1/336).
والخلاصة : أن ( الحكمة ) في آيات القرآن الكريم وردت وأريد بها سنة الرسول صلى
الله عليه وسلم ، كما وردت في آيات أخرى ولها معان أخرى .
والله أعلم .

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android
at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android