0 / 0

لو أعطى الله كل سائل من خلقه مسألته ، ما نقص ذلك مما عند الله شيئا

السؤال: 222119

قرأت في الحديث القدسي : ( ما نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إِلَّا كَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ الْبَحْرَ ) ، فهل هذا من باب المجاز للإشارة بأن ما عند الله عز وجل لا ينفد أو ينقص للدلالة على عظمته وقوته ؟ حيث أخبرني أحدهم بأنه قد يكون هذا مما تستعمله العرب للدلالة على معنى عدم نقص الشيء ، فهل يفهم الحديث على أنه من باب المجاز أم لا ؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

روى مسلم (2577) عَنْ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فِيمَا رَوَى عَنِ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَّهُ قَالَ : ( يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُونِي فَأَعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ ، مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إِلَّا كَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ الْبَحْرَ ) .

فقوله تعالى : ( مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إِلَّا كَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ الْبَحْرَ ) المقصود منه تحقيق عدم النقص وتأكيده ، فكما أن المخيط إذا أدخل البحر ثم أخرج منه لم ينقص من ماء البحر شيئا ، فكذلك : لو أعطى الله كل واحد من الجن والإنس مسألته لم ينقص ذلك مما عنده شيئا .
وهذا أسلوب من أساليب تأكيد الكلام في اللغة العربية ، وهو تأكيد الكلام بما يشبه النفي ، فإن السامع إذا سمع : لا ينقص إلا كذا … يظن لأول وهلة أنه ينقص ، ولكنه عندما يستمع باقي الكلام يدرك أن المقصود به تأكيد عدم النقص .

قال النووي رحمه الله :
” مَعْنَاهُ : لَا يُنْقِصُ شَيْئًا أَصْلًا ، كَمَا قَالَ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ : ( لَا يَغِيضُهَا نَفَقَة ٌ) أَي : لَا يَنْقُصُهَا نَفَقَةٌ ؛ لِأَنَّ مَا عِنْدَ اللَّهِ لَا يَدْخُلُهُ نَقْصٌ … فَضَرَبَ الْمَثَلَ بِالْمِخْيَطِ فِي الْبَحْرِ ، لِأَنَّهُ غَايَةُ مَا يُضْرَبُ بِهِ الْمَثَلُ فِي الْقِلَّةِ ، وَالْمَقْصُودُ التَّقْرِيبُ إِلَى الْإِفْهَامِ بِمَا شَاهَدُوهُ ، فَإِنَّ الْبَحْرَ مِنْ أَعْظَمِ الْمَرْئِيَّاتِ عَيَانًا وَأَكْبَرِهَا ، وَالْإِبْرَةُ مِنْ أَصْغَرِ الْمَوْجُودَاتِ ، مَعَ أَنَّهَا صَقِيلَةٌ لَا يَتَعَلَّقُ بِهَا مَاءٌ ” انتهى من ” شرح النووي على مسلم ” (16/133) .

وقال ابن رجب رحمه الله :
” وَقَوْلُهُ : ” ( لَمْ يَنْقُصْ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إِلَّا كَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ الْبَحْرَ ) تَحْقِيقٌ ؛ لِأَنَّ مَا عِنْدَهُ لَا يَنْقُصُ الْبَتَّةَ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى : ( مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ ) النحل/ 96 ، فَإِنَّ الْبَحْرَ إِذَا غُمِسَ فِيهِ إِبْرَةٌ ، ثُمَّ أُخْرِجَتْ لَمْ يَنْقُصْ مِنَ الْبَحْرِ بِذَلِكَ شَيْءٌ ، وَكَذَلِكَ لَوْ فُرِضَ أَنَّهُ شَرِبَ مِنْهُ عُصْفُورٌ مَثَلًا ، فَإِنَّهُ لَا يَنْقُصُ الْبَحْرَ الْبَتَّةَ ، وَلِهَذَا ضَرَبَ الْخَضِرُ لِمُوسَى عَلَيْهِمَا السَّلَامُ هَذَا الْمَثَلَ فِي نِسْبَةِ عِلْمِهِمَا إِلَى عِلْمِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فقال له : ( مَا نَقَصَ عِلْمِي وَعِلْمُكَ مِنْ عِلْمِ اللهِ إِلَّا مِثْلَ مَا نَقَصَ هَذَا الْعُصْفُورُ مِنَ الْبَحْرِ ) ، وَهَذَا لِأَنَّ الْبَحْرَ لَا يَزَالُ تَمُدُّهُ مِيَاهُ الدُّنْيَا وَأَنْهَارُهَا الْجَارِيَةُ ، فَمَهْمَا أُخِذَ مِنْهُ لَمْ يَنْقُصْهُ شَيْءٌ ، لِأَنَّهُ يَمُدُّهُ مَا هُوَ أَزْيَدُ مِمَّا أُخِذَ مِنْهُ ” انتهى من ” جامع العلوم والحكم ” (2/49) .

وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
” ولننظر إلى المخيط غمس في البحر ، فإذا نزعته لا ينقص البحر شيئا أبدا ، ومثل هذه الصيغة يؤتى بها للمبالغة في عدم النقص ؛ لأن عدم نقص البحر في مثل هذه الصورة أمر معلوم ، فمستحيل أن البحر ينقص بهذا ، فمستحيل أيضا أن الله عز وجل ينقص ملكه إذا قام كل إنسان من الإنس والجن ، فقاموا فسألوا الله تعالى ، فأعطى كل إنسان مسألته ، ما نقص ذلك من ملكه شيئا ” انتهى من ” مجموع فتاوى ابن عثيمين ” (8/ 250) .

وقال رحمه الله – أيضا – :
” قول الله عز وجل في الحديث القدسي : ( يا عبادي : لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم ، قاموا في صعيد واحد ، فسألوني فأعطيت كل إنسان مسألته ، ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا غمس في البحر ) .
هل ينقص ؟ لا ، لكن هذا من باب تأكيد الشيء بما يشبه النفي ، ( ما نقص إلا …. ) تتوقع أنه سيأتي شيء بيِّن أنه ناقص ، قال : إلا كما ينقص المخيط إذا غمس في البحر ” انتهى .
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=127737

إذن فمعنى الحديث : تأكيد أن ما عند الله تعالى لا ينقص أبدا ، ولا يقال إن هذا مجاز ، بل هذا هو ظاهر اللفظ وما يدل عليه .

والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android