أهمية الدين والخلق في اختيار الزوج في الإسلام
حث الإسلام على طلب الصلاح، واعتبار الخلق والدين في أمر النكاح، ورغّب في ذلك، وشدّد في النكير على خلافه، وجاء الوعيد بحصول الفتنة والفساد عند مخالفة ذلك، والنظر إلى متاع الحياة الدنيا، من المال والجاه والحسب والنسب.
فروى البخاري (5090)، ومسلم (1466) عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: تنكح المرأة لأربع: لمالها، ولحسبها، وجمالها، ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك .
قال النووي رحمه الله:
” الصحيح في معنى هذا الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بما يفعله الناس في العادة؛ فإنهم يقصدون هذه الخصال الأربع، وآخرها عندهم ذات الدين، فاظفر أنت أيها المسترشد بذات الدين.” انتهى
شرح حديث (إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه…)
روى الترمذي (1084)، وابن ماجة (1967) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:إِذَا خَطَبَ إِلَيْكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ، إِلَّا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ، وَفَسَادٌ عَرِيضٌ وحسنه الألباني في “صحيح الترمذي”.
قال القاري رحمه الله:
” إِذَا خَطَبَ إِلَيْكُمْ أَيْ: طَلَبَ مِنْكُمْ أَنْ تُزَوِّجُوهُ امْرَأَةً مِنْ أَوْلَادِكُمْ وَأَقَارِبِكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ أَيْ: تَسْتَحْسِنُونَدِينَهُ أَيْ: دِيَانَتُهُ وَخُلُقَهُ أَيْ: مُعَاشَرَتُهُ فَزَوِّجُوهُ أَيْ: إِيَّاهَا إِنْ لَا تَفْعَلُوهُ أَيْ: لَا تُزَوِّجُوهُ تَكُنْ أَيْ: تَقَعُ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ عَرِيضٌ أَيْ: ذُو عَرْضٍ أَيْ كَثِيرٍ، لِأَنَّكُمْ إِنْ لَمْ تُزَوِّجُوهَا إِلَّا مِنْ ذِي مَالٍ أَوْ جَاهٍ، رُبَّمَا يَبْقَى أَكْثَرُ نِسَائِكُمْ بِلَا أَزْوَاجٍ، وَأَكْثَرُ رِجَالِكُمْ بِلَا نِسَاءٍ، فَيَكْثُرُ الِافْتِتَانُ بِالزِّنَا، وَرُبَّمَا يَلْحَقُ الْأَوْلِيَاءَ عَارٌ، فَتَهِيجُ الْفِتَنُ وَالْفَسَادُ، وَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ قَطْعُ النَّسَبِ، وَقِلَّةُ الصَّلَاحِ وَالْعِفَّةِ.
قَالَ الطِّيبِيُّ – رَحِمَهُ اللَّهُ -: ” وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ لِمَالِكٍ فَإِنَّهُ يَقُولُ: لَا يُرَاعَى فِي الْكَفَاءَةِ إِلَّا الدِّينَ وَحْدَهُ ” انتهى من ” مرقاة المفاتيح ” (5/ 2047). وينظر: “حاشية السندي على ابن ماجه” (1/ 607).
وقال رجل للحسن: “قد خطب ابنتي جماعة فمن أُزَوِّجُهَا؟ قَالَ: مِمَّنْ يَتَّقِي اللَّهَ، فَإِنْ أَحَبَّهَا أكرمها، وإن أبغضها لم يظلمها ” انتهى من “إحياء علوم الدين” (2/ 41).
كيف يمكن للأولياء اتخاذ القرار الصائب في تزويج بناتهم؟
لا شك أن هذا الذي ذكرت عن المعارضين لزواجك من هذا الشاب: منطق خاطئ، ولو فكر كل أحد بهذا المنطق في التفكير، لم يتعامل أحد مع غيره معاملة صالحة، لأنه لن يلبث أن يكتشف علاقة، أو بابا يخشى منه الفساد.
والذي ينبغي عليك وعلى أوليائك: أن تقبلوا خطبة هذا الشاب الصالح، وتتوكلوا على الله، وتجتهدوا مع أقربائكم، وأصهاركم في إصلاح ذات البين، وترك التشاحن والبغضاء بينكم، والحث على صلة الأرحام.
وأما ما ذكر من التخوفات، فهي وساوس وحيل من الشيطان، ليفسد عليكم هذه العلاقة، وربما أوقع كل طرف منكم في أمر لا يناسبه ولا يلائمه.
وسئل ابن عثيمين رحمه الله:
تقدم أحد الشباب المستقيمين لخطبة فتاة، ولكن الأب رفض بحجة أن هذا المتقدم في مرحلة الدراسة الأخيرة، ويخشى أن يعين في قرية بعيدة، عنهم فتكون البنت وحيدة في بيتها، فهل تصرفه هذا صحيح؟
فأجاب:
” إذا خطب الرجلُ امرأة، وكان ذا دين وخلق مرضي: فإن المشروع أن يجاب ويزوج، والعذر الذي قاله أبو المخطوبة في السؤال: عذر لا يمنع من تزويجها،، ولا يحل لأبيها إذا كانت راغبة في هذا الخاطب أن يمنعها من أجل هذا العذر؛ لأنه ليس عذرا شرعيا، وهو آثم بمنعه هذا الخاطب؛ لأن ولي المرأة أمين يجب عليه أن يتصرف فيما هو مصلحة لها ” انتهى من ” فتاوى نور على الدرب ” (19/2).
وقال الشيخ ابن باز رحمه الله:
” نصيحتي لجميع الشباب والفتيات: البدار بالزواج، والمسارعة إليه إذا تيسرت أسبابه، لقوله النبي صلى الله عليه وسلم: (يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج… الحديث) متفق على صحته، وقوله صلى الله عليه وسلم: إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض ، أخرجه الترمذي بسند حسن، وقوله عليه الصلاة والسلام: تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم ، خرجه الإمام أحمد وصححه ابن حبان، ولما في ذلك من المصالح الكثيرة التي نبه عليها النبي صلى الله عليه وسلم، من غض البصر، وحفظ الفرج، وتكثير الأمة، والسلامة من فساد كبير، وعواقب وخيمة ” انتهى من ” فتاوى إسلامية ” (3/110).
وينظر للفائدة جواب هذه الأسئلة: (149831)، (160369)، (175149).
والله تعالى أعلم.