أجد صعوبة في فهم القاعدة التي تنص على أن الزاني لا ينكح إلا زانية وأن الزانية لا تنكح إلا زانٍ ، فأنا الآن في طور البحث عن زوج ، ومن النادر أن تجد شخصاً لم يرتكب الزنا أو لم يكن على علاقة سابقة ، ولهذا نجد البعض يتساهل ويقول : لا بأس من الزواج بمثل هؤلاء إن تابوا وأحسنوا ، لكني أخالفهم الرأي إلى أن يقام عليهم الحد ، وإلا فما الفارق بيني وبينهم ، فأنا التي صنت نفسي وحافظت على عفتي لسنوات أأرضى في نهاية المطاف الزواج بمن فرّط وأسرف؟!! إذاً فما هو الحكم الصحيح في هذه المسألة ؟
صعوبة الحصول على زوج عفيف ، في بلاد الغرب !!
السؤال: 222953
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولا :
قال الله تعالى في محكم التنزيل ( الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ) النور/3 .
وقد سبق تفسير هذه الآية بالتفصيل في الفتوى رقم : (199600) ، ورقم (122639) ، وبيَّنا هناك أنه لا يجوز للمسلمة العفيفة أن تتزوج من زان , ولا يجوز للمسلم العفيف أن يتزوج من زانية .
ثانيا :
وأما بخصوص ما تسألين عنه من البحث عن زوج , فلا شك أنك متى عثرت على مسلم عفيف ، صان نفسه عن مثل هذه القاذورات ، فالزواج بمثل ذلك أولى ، وأوثق ، وأدعى للثقة به وبدينه وخلقه .
لكن مع ذلك ، يكفيك في هذا الأمر : أن يكون الزواج بمن ظهرت عليه أمارات التقوى والصلاح واجتناب المحرمات , ولا تطالبين بما وراء ذلك من التنقيب عن ماضي الناس وأحوالهم ؛ خاصة وأن الأصل في المسلم الصيانة والعفاف ، فيكفيك في أمر المسلم النظر إلى ظاهر حاله ، وما يعلمه الناس من خبره ، دون حاجة إلى التنقيب في ماضيه ، وما يستسر هو به ، فيما ببينه وبين ربه .
ثم إن من قارف هذه الفاحشة ثم تاب منها وحسنت توبته ، وصلح حاله : فإنه يجوز له الزواج من المسلمة العفيفة ، كما يجوز للمسلمة العفيفة أن تتزوج به ؛ لأنه بتوبته يكون قد خرج عن وصف الزنا ، فيصح زواجه من العفيفة , ففي الحديث ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (التَّائِبَ مِنَ الذَّنْبِ كَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ ) , وقد سبق معنى الحديث في الفتوى رقم : (182767).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ” : التائب من الذنب كمن لا ذنب له ، وإذا زال الذنب زالت عقوباته وموجباته ” انتهى من ” شرح العمدة ” (4/39) .
وقال أيضا :” التَّائِبُ مِنْ الذَّنْبِ كَمَنْ لَا ذَنَبَ لَهُ ، وَحِينَئِذٍ فَقَدَ دَخَلَ فِيمَنْ يَتَّقِي اللَّهَ ، فَيَسْتَحِقُّ أَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُ فَرَجًا وَمَخْرَجًا ؛ فَإِنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَبِيُّ الرَّحْمَةِ وَنَبِيُّ الْمَلْحَمَةِ ، فَكُلُّ مَنْ تَابَ فَلَهُ فَرَجٌ فِي شَرْعِهِ ؛ بِخِلَافِ شَرْعِ مَنْ قَبْلَنَا فَإِنَّ التَّائِبَ مِنْهُمْ كَانَ يُعَاقَبُ بِعُقُوبَاتِ: كَقَتْلِ أَنْفُسِهِمْ وَغَيْرِ ذَلِكَ ” انتهى من “مجموع الفتاوى” (33/ 35) .
ثالثا :
لا يشترط في التوبة من الزنا إقامة الحد على الزاني , لا سيما إذا كان من ابتلي بذلك يعيش في بلاد الغرب ، أو حتى في عامة بلاد الإسلام التي لا تقيم الحدود الشرعية ؛ فإن توقيف توبته وصلاح حاله ، على إقامة الحد عليه ، نوع من التكليف بما لا يطاق ، أو بأمر غير موجود في الغالب الأعم من بلاد الإسلام ، فضلا عن بلاد الغرب ، ومثل ذلك يؤدي إلى غلق باب التوبة ، وإعنات الناس .
بل إنه يستحب لمن ابتلي بهذه الفاحشة أن يتوب إلى الله جل وعلا ويستر نفسه , فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ) اجتنِبوا هذه القاذوراتِ التي نهى اللهُ تعالى عنها ، فمن ألَمَّ بشيءٍ منها فلْيستَتِرْ بسِترِ اللهِ ، و لْيَتُبْ إلى اللهِ ، فإنه من يُبدِ لنا صفحتَه ، نُقِمْ عليه كتابَ اللهِ ( رواه الحاكم في ” المستدرك على الصحيحين ” ( 4 / 425 ) ، والبيهقي ( 8 / 330 ) ، وصححه الألباني في ” صحيح الجامع “( 149 ) , والقاذورات : يعني المعاصي .
وعن أبي هريرة قال : ” أَتَى رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ، فَنَادَاهُ ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ ، إِنِّي زَنَيْتُ ، فَأَعْرَضَ عَنْهُ ، فَتَنَحَّى تِلْقَاءَ وَجْهِهِ ، فَقَالَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي زَنَيْتُ ، فَأَعْرَضَ عَنْهُ، حَتَّى ثَنَى ذَلِكَ عَلَيْهِ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ ، فَلَمَّا شَهِدَ عَلَى نَفْسِهِ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ دَعَاهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: ( أَبِكَ جُنُونٌ؟ ) ، قَالَ: لَا، قَالَ: ( فَهَلْ أَحْصَنْتَ؟ ) ، قَالَ: نَعَمْ ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( اذْهَبُوا بِهِ فَارْجُمُوهُ ) ” . رواه البخاري ( 6430 ) ، ومسلم ( 1691 ) .
وقد جاء في بعض الروايات : ” أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَسْلَمَ قَالَ لِأَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ إِنَّ الْآخِرَ زَنَى قَالَ فَتُبْ إِلَى اللَّهِ وَاسْتَتِرْ بِسِتْرِ اللَّهِ ثُمَّ أَتَى عُمَرَ كَذَلِكَ …” يراجع : فتح الباري ( 12/125 ) .
قال الحافظ ابن حجر :رحمه الله : ” ويؤخذ من قضيته : أنه يستحب لمن وقع في مثل قضيته أن يتوب إلى الله تعالى ويستر نفسه , ولا يذكر ذلك لأحد كما أشار به أبو بكر وعمر على ماعز ، وأن مَن اطلع على ذلك يستر عليه بما ذكرنا ، ولا يفضحه ، ولا يرفعه إلى الإمام كما قال صلى الله عليه وسلم في هذه القصة ” لو سترته بثوبك لكان خيراً لك ” ، وبهذا جزم الشافعي رضي الله عنه ، فقال : أُحبُّ لمَن أصاب ذنباً فستره الله عليه ، أن يستره على نفسه ويتوب . واحتج بقصة ماعز مع أبي بكر وعمر .
وفيه : أنه يستحب لمن وقع في معصية ، وندِمَ ، أن يبادر إلى التوبة منها ، ولا يخبر بها أحداً ، ويستتر بستر الله ، وإن اتفق أنه أخبر أحداً : فيستحب أن يأمره بالتوبة ، وستر ذلك عن الناس ، كما جرى لماعز مع أبي بكر ثم عمر .” انتهى من” فتح الباري ” ( 12 / 124 ، 125 ) .
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب
موضوعات ذات صلة