الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
السّبّ باستعمال لفظة ” القسّام ” من العادات القبيحة التي اعتادها بعض السفهاء في بعض المناطق الجزائرية .
والظاهر أن المقصود بـ ” قسّام ” الله تعالى ، أي قسّام للأرزاق ، وهذا التركيب شائع في هذه المناطق فيقولون ” قسّام الأرزاق ” ويقصدون به الله تعالى .
ويؤيد هذا المعنى أنّ سفهاء هذه المناطق اعتادوا سبّ الله تعالى بألفاظ عدة .
وحكم هذا السّابّ فيه تفصيل :
فإن كان يعلم أنّ المقصود بهذه الكلمة : هو رب العالمين ، تبارك وتعالى ، ورغم ذلك تعمد السبَّ مختارا ، فهذا لا شكّ في كفره .
قال القاضي عياض رحمه الله تعالى :
” لا خلاف أَنّ سابّ اللَّه تعالى من المسلمين كافر حلال الدّم ” .
انتهى من ” الشفا ” ( ص 832 ) .
قال ابن قدامة رحمه الله تعالى :
” ومن سب الله تعالى ، كفر، سواء كان مازحا أو جادا ، وكذلك من استهزأ بالله تعالى ، أو بآياته أو برسله ، أو كتبه ، قال الله تعالى: ( وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ ، لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِن نَّعْفُ عَن طَائِفَةٍ مِّنكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ ) ” انتهى من ” المغني ” ( 12 / 298 – 299 ) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى :
” وقال الإمام إسحاق بن راهويه أحد الأئمة الأعلام : ” أجمع المسلمون على أن من سب الله ، أو سب رسوله صلى الله عليه وسلم ، أو دفع شيئا مما أنزل الله عز وجل ، أو قتل نبيا من أنبياء الله عز وجل أنه كافر بذلك ، وان كان مقرا بكل ما أنزل الله ” انتهى من ” الصارم المسلول ” ( 2 / 15 ) .
أما إن كان لا يدري أن المراد بها هو رب العالمين جل جلاله ، ولو علم ذلك لم يقدم على استعماله في السبّ ، وإنما هي صيغة في السب ، شاعت في بلده ، فتلقاها تقليدا لغيره ، دون معرفة بمعناها عندهم : فهذا يعذر بجهله لأن هذه الكلمات من الكلمات الخفية المدلول ، وكذلك إذا كان يفهمها بمعنى غير الذي ذكرناه سابقا.
ثانيا :
السّبّ باستعمال كلمة ( تقسّم ) لا يظهر لنا ما هو مدلوله ، فلا يحكم عليه حتى يستفصل قائل ذلك عن معناه .
وبكل حال ، فإن اللائق بالمسلم اجتناب مثل هذا السّب ؛ بل اجتناب السب والشتم مطلقا ؛ لأنه ليس من خلق المسلم السّبّ والشتم ،
فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَيْسَ الْمُؤْمِنُ بِالطَّعَّانِ وَلَا اللَّعَّانِ وَلَا الْفَاحِشِ وَلَا الْبَذِيءِ ) رواه الترمذي (1977) وحسنه ، وصححه الألباني .
وليس من شأن المسلم ولا أدبه : أن يتكلم بكلام لا يعلم معناه ، ولو كان في الخير ؛ فكيف إذا كان في السب والشتم ، ومساوئ الأخلاق والأقوال ؟!
ثالثا :
لعن دين الإسلام كفر مخرج من الإسلام كما مرّ ذلك في أقوال أهل العلم السابق ذكرها .
وللفائدة راجع الفتاوى رقم : ( 42505 ) ، ورقم : ( 65551 ) ، ورقم : (149118 ) .
رابعا :
لعن دين الشخص أو دين أبيه أو أمه ونحو ذلك ، له حالات :
الحالة الأولى :
إذا كان الشخص الذي وجّه له السبّ مسلما ؛ فإن كان يقصد بدينه الإسلام فهذا لا شك في كفره ، أما إن كان قاصدا حالة الشخص وأنه متلاعب في تدينه ومتبع لشهواته وهواه ونحو هذا فقد صرح بعض العلماء بأنه لا يكفر في هذه الحالة ، لكن يؤدب حتى لا يرجع لمثل هذا الكلام .
جاء في ” فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ ” ( 12 / 186 – 187 ) :
” من محمد بن إبراهيم إلى فضيلة الأخ المكرم الشيخ عبد الملك بن إبراهيم رئيس عام هيئات الأمر بالمعروف في الحجاز.
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته . وبعد:
فقد أطلعنا على المعاملة الواردة منكم برقم 47 وتاريخ 5/1/1381 الخاصة باعتراف سعد بن … بسب الدين ، والمثبت اعترافه لدى فضيلة رئيس المحكمة الكبرى بمكة المكرمة ، وأنه لم يثبت لدى فضيلته ما يوجب إقامه حد الردة بقتل سعد المذكور ، ويرى إحالته إلى القاضي المستعجلة الأولى للنظر في موضوع تعزير سعد . إلى أخرة ما ذكره .
ونفيدكم أننا باطلاعنا على أوراق المعاملة ، وعلى كتابة فضيلة رئيس المحكمة : لم يظهر لنا ما يوجب على سعد إقامه حد الردة ؛ إذ إنه لم يصرح بسب الإسلام ، وانما سب دين ذلك الرجل ، وهذا يحتمل أنه أراد أن تدين الرجل رديء ، والحدود تدرأ بالشبهات ، وبهذا تكون إحالة المذكور إلى القاضي المستعجلة لتقرير التعزير اللازم عليه وجيها . أما سجنه فانه يكتفيِ بما مضي له في السجن . والله يحفظكم ” .
وراجع للأهمية الفتوى رقم : ( 202699) .
الحالة الثانية :
إذا كان الشخص الذي وجّه له السبّ لا دين له أو مشركا ، فهذا لا بأس في لعنه لأنه لعن للكفر المحض ، إلا أن يتسبب ذلك السب ، في أن يسب المشرك دين الإسلام ، فيحرم حينئذ ؛ لقول الله تعالى : ( وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ) الأنعام/108
الحالة الثالثة :
لعن دين النصراني واليهودي .
فإن كان يقصد بالنصرانية أو اليهودية : الدين الحق الذي أنزله الله من عنده ، أو ما بقي منه في أيدي الناس : فهذا كفر كذلك ، وأما إن كان يقصد لعن الباطل والمقولات الكفرية التي يتبعها ذلك النصراني أو اليهودي فهنا لا يكفر اللاعن .
سُئِلت ” اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء ” :
” ما الحكم فيمن يقول : يلعن دين كارتر يقصد به الرئيس الأمريكي السابق ، أو ليس في هذا اللفظ سب لدين سماوي أنزل قبل نبينا محمد صلى الله على نبينا محمد وسلم ؟
فأجابت : اللعن هو الطرد والإبعاد عن رحمة الله ، ولعن دين من الأديان السماوية كفر ويجب نصح من صدر منه ذلك وبيان أنه كفر ، فإن أصر على السب بعد بيان الحكم فهو كافر .
إلا أن يكون قصد بدين كارتر ما عليه النصارى اليوم من اعتقادهم أن عيسى هو ابن الله ، وأنه لا يلزمهم اتباع محمد صلى الله عليه وسلم ، فهذا دين باطل وليس دينا سماويا ، بل هو دين محدث لا يكفر من سبه أو لعنه .
وننصحك بقراءة كتاب الصارم المسلول على شاتم الرسول ففيه من العلم في هذا الموضوع ما لا تكاد تجده في غيره .
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء .
عبد الله بن قعود ، عبد الله بن غديان ، عبد العزيز بن عبد الله بن باز . ” .
انتهى من” فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء مج 1 ” ( 3 / 305 – 306 ) .
والله أعلم .