الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولا :
عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ رضي الله عنهما قَالَ : أَلَا إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ فِينَا فَقَالَ : ( أَلَا إِنَّ مَنْ قَبْلَكُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ افْتَرَقُوا عَلَى ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ مِلَّةً ، وَإِنَّ هَذِهِ الْمِلَّةَ سَتَفْتَرِقُ عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ ، ثِنْتَانِ وَسَبْعُونَ فِي النَّارِ ، وَوَاحِدَةٌ فِي الْجَنَّةِ ، وَهِيَ الْجَمَاعَةُ )
رواه أبو داود ( 4597 ) والحاكم (443) وصححه ، وحسنه ابن حجر في ” تخريج الكشاف ” ( ص : 63 ) ، وصححه ابن تيمية في ” مجموع الفتاوى ” ( 3 / 345 ) ، والشاطبي في ” الاعتصام ” ( 1 / 430 ) ، والعراقي في ” تخريج الإحياء ” ( 3 / 199 ) وقد ورد عن جماعة من الصحابة بطرق كثيرة .
وورد بلفظ : ( … وَتَفْتَرِقُ أُمَّتِي عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ مِلَّةً كُلُّهُمْ فِي النَّارِ إِلَّا مِلَّةً وَاحِدَةً ، قَالُوا : وَمَنْ هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : مَا أَنَا عَلَيْهِ وَأَصْحَابِي ) ، رواه الترمذي ( 2641 ) وحسَّنه ابن العربي في ” أحكام القرآن ” ( 3 / 432 ) ، والعراقي في ” تخريج الإحياء ” ( 3 / 284 ) ، والألباني في ” صحيح الترمذي ” .
ثانيا :
ذكر الشوكاني هذا الحديث في “تفسيره” (2/ 68) : ثم قال :
” أَمَّا زِيَادَةُ كَوْنِهَا فِي النَّارِ إِلَّا وَاحِدَةً ، فَقَدْ ضَعَّفَهَا جَمَاعَةٌ مِنَ الْمُحَدِّثِينَ ، بَلْ قال ابن حزم : إنها موضوعة ” انتهى .
وقد تعقبه الألباني رحمه الله فيما ذكره فقال :
” ولا أدري من الذين أشار إليهم بقوله : ” جماعة … ” فإني لا أعلم أحدًا من المحدثين المتقدمين ضعف هذه الزيادة ، بل إن الجماعة قد صححوها ، وقد سبق ذكر أسمائهم ، وأما ابن حزم فلا أدري أين ذكر ذلك ، وأول ما يتبادر للذهن أنه في كتابه ” الفصل في الملل والنحل ” وقد رجعت إليه ، وقلبت مظانه فلم أعثر عليه ، ثم إن النقل عنه مختلف ، فابن الوزير قال عنه : ” لا يصح ” ، والشوكاني قال عنه : ” إنها موضوعة “، وشتان بين النقلين كما لا يخفى ، فإن صح ذلك عن ابن حزم ، فهو مردود من وجهين :
الأول : أن النقد العلمي الحديثي قد دل على صحة هذه الزيادة ، فلا عبرة بقول من ضعفها.
والآخر: أن الذين صححوها أكثر وأعلم بالحديث من ابن حزم، لاسيما وهو معروف عند أهل العلم بتشدده في النقد، فلا ينبغي أن يحتج به إذا تفرد عند عدم المخالفة فكيف إذا خالف؟ !
وأما ابن الوزير، فكلامه الذي نقله الكوثري يشعر بأنه لم يطعن في الزيادة من جهة إسنادها، بل من حيث معناها، وما كان كذلك ، فلا ينبغي الجزم بفساد المعنى لإمكان توجيهه وجهة صالحة ينتفي به الفساد الذي ادعاه. وكيف يستطاع الجزم بفساد معنى حديث تلقاه كبار الأئمة والعلماء من مختلف الطبقات بالقبول وصرحوا بصحته ؟ هذا يكاد يكون مستحيلاً … ” انتهى .
“سلسلة الأحاديث الصحيحة” (1/ 409)
ثالثا:
روي هذا الحديث بلفظ : ( تَفَرَّقُ أُمَّتِي عَلَى سَبْعِينَ أَوْ إِحْدَى وَسَبْعِينَ فِرْقَةً ، كُلُّهُمْ فِي الْجَنَّةِ إِلَّا فِرْقَةً وَاحِدَةً ) ، قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، مَنْ هُمْ ؟ قَالَ : ( الزَّنَادِقَةُ ، وَهُمُ الْقَدَرِيَّةُ ) . وهذا الحديث بهذا اللفظ موضوع مكذوب على رسول الله صلى الله عليه وسلم .
رواه العقيلي في “الضعفاء” (4/ 201) من طريق مُعَاذ بْن يَاسِينَ الزَّيَّاتُ قَالَ : حَدَّثَنَا الْأَبْرَدُ بْنُ الْأَشْرَسِ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ به مرفوعا ، ثم رواه من طريق يَاسِينَ الزَّيَّاتِ ، عَنْ سَعْدِ بْنِ سَعِيدٍ أَخِي يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ ، عَنْ أَنَسٍ .
ثم قال العقيلي :
” هَذَا حَدِيثٌ لَا يَرْجِعُ مِنْهُ إِلَى صِحَّةٍ ، وَلَعَلَّ يَاسِينَ أَخَذَهُ عَنْ أَبِيهِ ، أَوْ عَنْ أَبْرِدَ هَذَ ا، وَلَيْسَ لِهَذَا الْحَدِيثِ أَصْلٌ مِنْ حَدِيثِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ وَلَا مِنْ حَدِيثِ سَعْدٍ ” انتهى .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
” هذا الحديث لا أصل له ، بل هو موضوع كذب باتفاق أهل المعرفة بالحديث ، ولم يروه أحد من أهل الحديث المعروفين بهذا اللفظ .
بل الحديث الذي في كتب السنن والمساند عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجوه أنه قال : ( ستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة واحدة في الجنة واثنتان وسبعون في النار ) انتهى من
“بغية المرتاد” (ص 337).
وقد ذكره ابن الجوزي في “الموضوعات” (1/ 268) من طرق ، وقال :
” هَذَا الحَدِيث لَا يَصِحُّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ… إلخ ” .
وقال الألباني رحمه الله :
” وهذا المتن المحفوظ [يعني : (كلهم في النار إلا واحدة)] قد ورد عن جماعة من الصحابة ، منهم أنس بن مالك رضي الله عنه ، وقد وجدت له عنه وحده سبع طرق ، وذلك مما يؤكد بطلان الحديث بهذا اللفظ الذي تفرد به أولئك الضعفاء ، وخاصة ياسين الزيات هذا ، فقد خالفه من هو خير منه : عبد الله بن سفيان ، فرواه عن يحيى بن سعيد عن أنس باللفظ المحفوظ ” انتهى .
“سلسلة الأحاديث الضعيفة” (3/ 126)
وقال الألباني أيضا في “سلسلة الأحاديث الضعيفة” (1035) : ” موضوع بهذا اللفظ ” .
أما تصحيح البشاري لهذا الحديث ، فقد ذكره في كتابه “أحسن التقاسيم” (ص 39).
وكان البشاري أحد الرحالة وأشهر علماء الجغرافيا في عصره ، وقد توفي في أواخر القرن الرابع الهجري أو بداية القرن الخامس ، ولم يكن من علماء الحديث حتى يقدم قوله على قول أئمة الحديث .
وينظر للاستزادة إجابة السؤال رقم : (90112) ، والسؤال رقم : (220903).
والله أعلم .