0 / 0
83,77927/03/2015

معنى قوله تعالى : ( فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ)

السؤال: 226728

النصارى يحتجون بهذه الآية : ( فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك فاسأل الذين يقرءون الكتاب من قبلك لقد جاءك الحق من ربك فلا تكونن من الممترين ) ، فما هو الرد المناسب لهم ؟ أرجو رفع التوهم الفاسد عن هذه الآية .

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

قال الله عز وجل : ( فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ لَقَدْ جَاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ) يونس/ 94 .
ومعنى الآية : إن كنت يا محمد – صلى الله عليه وسلم – في شك مما أنزلنا إليك أنه الحق ، فاسأل الذين يقرءون التوراة والإنجيل من اليهود والنصارى ، فإنهم يعلمون أنه الحق ، فلا تكونن من الممترين الشاكين ، ولكن كن من المؤمنين الموقنين .
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم من المؤمنين الموقنين ، بل هو أعظم الناس إيمانا ويقيناً ، ولم يشك قط في الذي أنزل إليه من ربه أنه الحق ، ولم يسأل قط عن ذلك أيضا .
وقد صح عن سعيد بن جبير قال : ” ما شك وما سأل ” انتهى من ” تفسير الطبري ” (15/202) .

وتعليق الحكم بالشرط لا يستلزم تحقق الشرط ووقوعه ، كقولك للرجل : إن كنت لا تعرفني فاسأل فلاناً ، فإن هذا لا يلزم منه أنه لا يعرفك .

فمعنى الآية : إن كنت في شك فاسأل ، وإن كنت غير شاك فلا تسأل ، فإنما يسأل الشاك أو الجاهل ، أما العالم الموقن : فكيف يسأل ؟
ففي الآية نفي الشك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأمْرُ الشاكين المرتابين أن يسألوا .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
” النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَشُكَّ وَلَمْ يَسْأَلْ ؛ وَلَكِنَّ هَذَا حُكْمٌ مُعَلَّقٌ بِشَرْطِ ، وَالْمُعَلَّقُ بِالشَّرْطِ يُعْدَمُ عِنْدَ عَدَمِهِ ، وَفِي ذَلِكَ سَعَةٌ لِمَنْ شَكَّ ، أَوْ أَرَادَ أَنْ يَحْتَجَّ ، أَوْ يَزْدَادَ يَقِينًا ” انتهى من ” مجموع الفتاوى ” (4/209) .

وقال ابن جرير رحمه الله :
” فإن قال قائل : أو كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في شكٍّ من خبَرِ الله أنه حقٌّ يقين ، حتى قيل له : ( فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك فاسأل الذين يقرءون الكتاب من قبلك ) ؟
قيل : لا . وكذلك قال جماعة من أهل العلم .
فإن قال : فما وجه مخرج هذا الكلام ، إذنْ ، إن كان الأمر على ما وصفت ؟
قيل : قد بيّنا في غير موضع من كتابنا هذا ، استجازة العرب قول القائل منهم لمملوكه : ” إن كنت مملوكي فانتهِ إلى أمري ” ، والعبد المأمور بذلك لا يشكُّ سيدُه القائل له ذلك ، أنه عبده . كذلك قول الرجل منهم لابنه : ” إن كنت ابني فبرَّني ” ، وهو لا يشك في ابنه أنه ابنه .
وأنّ ذلك من كلامهم صحيح مستفيض فيهم ، وذكرنا ذلك بشواهده ، وأنّ منه قول الله : ( وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ ) سورة المائدة/ 116 ، وقد علم جل ثناؤه أن عيسى لم يقل ذلك .
وهذا من ذلك ؛ لم يكن صلى الله عليه وسلم شاكًّا في حقيقة خبر الله وصحته ، والله تعالى كان عالمًا بذلك ؛ ولكنه جل ثناؤه خاطبه خطاب قومه ، بعضهم بعضًا ، إذْ كان القرآن بلسانهم نزل ” انتهى من ” تفسير الطبري ” (15/201-203) .

وقال ابن القيم رحمه الله :
” أشكلت هذه الآية على كثير من الناس ، وأورد اليهود والنصارى على المسلمين فيها إيرادا ، وقالوا : كان في شك ، فأُمِر أن يسألنا ؟
وليس فيها بحمد الله إشكال ، وإنما أُتِيَ أشباه الأنعام من سوء قصدهم ، وقلة فهمهم ؛ وإلا فالآية من أعلام نبوته صلى الله عليه وسلم وليس في الآية ما يدل على وقوع الشك ولا السؤال أصلا ، فإن الشرط لا يدل على وقوع المشروط ، بل ولا على إمكانه ، كما قال تعالى : ( لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا ) الأنبياء/ 22 ، وقوله : ( قل لو كان معه آلهة كما يقولون إذا لابتغوا إلى ذي العرش سبيلا ) الإسراء/ 42 ، وقوله : ( قل إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين ) الزخرف/ 81 ، وقوله : ( ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ) الزمر/ 65 ، ونظائره ، فرسول الله صلى الله عليه وسلم لم يشك ولم يسأل …
فإن قيل : فإذا لم يكن واقعا ولا ممكنا ، فما مقصود الخطاب والمراد به ؟
قيل : المقصود به : إقامة الحجة على منكري النبوات والتوحيد ، وأنهم مقرون بذلك لا يجحدونه ولا ينكرونه ، وأن الله سبحانه أرسل إليهم رسله ، وأنزل عليهم كتبه بذلك ، وأرسل ملائكته إلى أنبيائه بوحيه وكلامه ، فمن شك في ذلك ، فليسأل أهل الكتاب ، فأخرج هذا المعنى في أوجز عبارة ، وأدلها على المقصود ، بأن جعل الخطاب لرسوله الذي لم يشك قط ، ولم يسأل قط ، ولا عرض له ما يقتضي ذلك . وأنت إذا تأملت هذا الخطاب بدا لك على صفحاته : من شك فليسأل ، فرسولي لم يشك ولم يسأل ” انتهى ملخصا من ” أحكام أهل الذمة ” (1/99-105) .

وقال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء :
” تعليق الحكم بالشرط لا يستلزم تحقق الشرط ووجوده ؛ إذ قد يتعلق الحكم بشرط ممتنع كما في قوله تعالى : ( وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ ) الآيات إلى قوله سبحانه : ( ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) ، فأخبر سبحانه بأن هؤلاء الأنبياء لو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون ، مع انتفاء الشرك عنهم ، بل مع امتناعه منهم ؛ لأنهم قد ماتوا على التوحيد ، ولأنهم معصومون من الشرك .
وقال تعالى : ( وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِين* بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ ) .
فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يشك ولم يسأل أحدا من أهل الكتاب ؛ لأنه لم يفهم من ذلك الخطاب طلب السؤال لإزالة شك ؛ بل فهم أن المقصود بيان أن أهل الكتاب عندهم ما يصدقك ، فيما كذبك فيه الكافرون ، كما في قوله تعالى : ( قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ ) ، وقوله سبحانه : ( قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ) ، وقوله تعالى : ( أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ ) إلى أمثال ذلك من الآيات التي تدل على أن المقصود بيان أن أهل الكتاب عندهم ما يصدق محمدا صلى الله عليه وسلم ، فيما كذبه فيه المشركون من الدعوة إلى التوحيد ، وفي أن الرسل إلى البشر من البشر ، كما هي سنة الله تعالى الحكيمة .
وقد أشار الله إلى ذلك في أول هذه السورة سورة يونس قال تعالى : ( أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ ) ” انتهى من ” فتاوى اللجنة الدائمة – المجموعة الأولى ” (3/345-346) .

والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android