أيهما أولى ، الأخذ برأي العلماء المعاصرين في بعض القضايا أم برأي أحد الأئمة الأربعة ؟مثال على ذلك أن المذهب الشافعي يرى أن خلع الخفين مبطل للمسح وبعض علمائنا يرون أنه غير مبطل .
أيهما أولى بالتقليد في مسائل الدين: العلماء المعاصرون أم الأئمة المتقدمون؟
السؤال: 229856
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
لا شك أن المتقدمين من أهل العلم رحمهم الله تعالى, من علماء السلف الكرام والأئمة الأربعة المتبوعين الذين حفظ الله تعالى بهم الدين وكتب لهم القبول بين خلقه, لهم في الجملة مزية وفضيلة على المتأخرين, فقد قال مُجَاهِد المتوفى سنة (104) هــــ : ” ذهب الْعلمَاء فَلم يبْق إِلَّا المتعلمون، مَا المجتهد فِيكُم الْيَوْم إِلَّا كاللاعب فِيمَن كَانَ قبلكُم” .
انتهى من ” أخبار المكيين من تاريخ ابن أبي خيثمة ” (1 / 434).
وقال أبو عمرو بن العلاء أحد أئمة القراء السبعة المتوفى سنة (154) هـــ : “ما نحن فيمن مضى إلا كبقل بين أصول نخل طوال فما عسى أن نقول نحن ، وأفضل منازلنا أن نفهم أقوالهم ، وإن كانت أحوالنا لا تشبه أحوالهم” انتهى.
ومن هنا ذهب المحققون من أهل العلم إلى تتبع أقوال المتقدمين ومصنفاتهم وتأصيلاتهم وتفريعاتهم ، وإدمان النظر فيها وتقديمها على مصنفات المتأخرين ومؤلفاتهم .
وفي ذلك يقول الشاطبي رحمه الله ، وهو يدل أهل العلم وطلابه على طرق تحصيل العلم والرسوخ فيه: “…… والشرط الآخر: أن يتحرى كتب المتقدمين من أهل العلم المراد؛ فإنهم أقعد به من غيرهم من المتأخرين، وأصل ذلك : التجربة ، والخبر.
أما التجربة؛ فهو أمر مشاهد في أي علم كان، فالمتأخر لا يبلغ من الرسوخ في علم ما يبلغه المتقدم، وحسبك من ذلك أهل كل علم عملي أو نظري؛ فأعمال المتقدمين -في إصلاح دنياهم ودينهم- على خلاف أعمال المتأخرين، وعلومهم في التحقيق أقعد ، فتحقق الصحابة بعلوم الشريعة ليس كتحقق التابعين ، والتابعون ليسوا كتابعيهم، وهكذا إلى الآن، ومن طالع سيرهم، وأقوالهم، وحكاياتهم ؛ أبصر العجب في هذا المعنى” انتهى من الموافقات (1 / 149).
ولكن ليس معنى هذا : أن ما ذهب إليه أحد العلماء المتقدمين فهو الصواب قطعا، وما ذهب إليه أحد العلماء المتأخرين فهو الخطأ قطعا, ليس الأمر هكذا ، فإن الله سبحانه قد يفتح على بعض أهل العلم المتأخرين في موافقة الدليل الشرعي ، والهداية والاختيار والترجيح من أقوال المتقدمين واختياراتهم ، بل والاستدراك عليهم في بعض المسائل ما يتقدم به على بعض المتقدمين, ومن طالع – على سبيل المثال لا الحصر- مصنفات شيخ الإسلام ابن تيمية ، وتلميذه العلامة ابن القيم فيما مضى ، ومصنفات الشيخ الألباني والشيخ ابن عثيمين في زماننا المعاصر : تبين له صحة ذلك .
فالمعول عليه إذن ، في إصابة الحق والتعرف عليه : إنما هو موافقة الدليل الشرعي من كتاب أو سنة أو قياس صحيح على نصوصهما المعصومة.
وهذا الذي ذكرنا إنما هو في أهل العلم وطلابه المتخصصين .
أما العوام المقلدون الذين ليسوا من أهل العلم الشرعي فإنهم يقصدون من يثقون به من أهل العلم فيسألونه ، فما أفتاهم به التزموه وعملوا به, وقد سبق بيان هذا مفصلا في الفتوى رقم :(148057).
أما المسألة التي سألت عنها ، وهي ما إذا خلع الشخص الخف أو الجورب بعد أن مسح عليهما : فلا تبطل طهارته على القول الصحيح من أقوال أهل العلم ، وليس القول بهذا هو من خصائص المتأخرين ، بل سبقهم إليه غير واحد من أهل العلم المتقدمين .
وقد سبق بيان هذا في الفتوى رقم : (26343).
والله أعلم .
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب
موضوعات ذات صلة