0 / 0

اشكال حول حديث زواج فاطمة بنت قيس بأسامة بن زيد

السؤال: 236915

في الفتوى رقم : (231208) ، تفضلتم بالإجابة على السائل ، وفي الإجابة قلتم :
“ولذلك ، لما أراد معاوية رضي الله عنه خطبة فاطمة بنت قيس ، وسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم في شأن خطبتها ؛ أشار عليها ألا تتزوج منه ، لأنه فقير !! رواه البخاري ومسلم”
برجاء توضيح الحديث وشرحه ، وهل يتعارض مع حديث : ( … دينه وخلقه فزوجوه )، لأنه لم يذكر الفقر والغني كضابط ؟

ملخص الجواب

وخلاصة هذا الجواب : أن صاحب الدين والخلق ينبغي قبوله زوجا ، ما لم يكن هناك عيب فيه ، أو مانع يمنع من ذلك ، أو يترجح غيره عليه من وجه معتبر شرعا . والله أعلم .

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أما الحديث الأول : فعن فَاطِمَةَ بِنْتَ قَيْسٍ ، قالت : ” إِنَّ زَوْجَهَا طَلَّقَهَا ثَلَاثًا ، فَلَمْ يَجْعَلْ لَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُكْنَى ، وَلَا نَفَقَةً ، قَالَتْ : قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِذَا حَلَلْتِ فَآذِنِينِي ) ، فَآذَنْتُهُ ، فَخَطَبَهَا مُعَاوِيَةُ ، وَأَبُو جَهْم ٍ، وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْد ٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَمَّا مُعَاوِيَةُ فَرَجُلٌ تَرِبٌ ، لَا مَالَ لَهُ ، وَأَمَّا أَبُو جَهْمٍ فَرَجُلٌ ضَرَّابٌ لِلنِّسَاءِ ، وَلَكِنْ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ ) ، فَقَالَتْ بِيَدِهَا هَكَذَا: أُسَامَةُ ! أُسَامَةُ ! ، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( طَاعَةُ اللهِ ، وَطَاعَةُ رَسُولِهِ خَيْرٌ لَك ، قَالَتْ : فَتَزَوَّجْتُهُ ، فَاغْتَبَطْتُ ) رواه مسلم (1480) .

وأما الحديث الثاني :
فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِذَا خَطَبَ إِلَيْكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ ، إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ ، وَفَسَادٌ عَرِيضٌ ) رواه الترمذي (1084) .
، ورواه الترمذي أيضا (1085) ، من حديث أَبِي حَاتِمٍ المُزَنِيِّ رضي الله عنه .

وليس بين هذين الحديثين تعارض ، بحمد الله .
وبيان ذلك :
أن حديث أبي هريرة ضعفه جمع من الأئمة كالإمام البخاري وابن القطان والذهبي .
وبناء على هذا ؛ فلا تعارض بين حديث صحيح وآخر ضعيف ، لأن الحديث الضعيف قد ترجح أن الرسول صلى الله لم يقله ، فلا يستفاد منه حكم ، ولا يعارض به حديث آخر ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم .

وقد ذهب بعض العلماء إلى أن حديث أبي هريرة وإن كان سنده ضعيفا ، إلا أنه يتقوى بحديث أبي حاتم المزنى ، ويرتقى إلى درجة “الحسن” ، ومن هؤلاء : الترمذي ، والألباني .
انظر : ” إرواء الغليل ” (6/266) رقم (1868) .

وعلى هذا القول أيضاً : فلا تعارض بين الحديثين ، لإمكان التوفيق بينها .
فحديث أبي هريرة يأمر بتزويج صاحب الدين والخلق ، وأن يكون الدين والخلق مقدما على المال والنسب … وغير ذلك من الصفات التي يقصدها الناس ويزوجون صاحبها .

وحديث فاطمة بنت قيس ليس فيه ما ينافي هذا المعنى ، لأنه ليس فيه رفض معاوية من أجل فقره ، ثم تذهب فاطمة وتتزوج رجلا غنيا ليس ذا دين وخلق ، مثلا !!
بل حديث فاطمة فيه المفاضلة والاختيار بين ثلاثة رجال ، كلهم ذوو دين وخلق ، فقدم الرسول صلى الله عليه وسلم أسامة لأنه ليس عنده ما يعاب به ، بخلاف معاوية وأبي جهم رضي الله عنهم .
فالمفاضلة كانت بين رجل ذي دين وخلق ولكنه فقير ، وآخر ذي دين وخلق أيضا ، وهو غير فقير ، فلا شك أن الثاني هو المقدم ، وهو ما أشار به الرسول صلى الله عليه وسلم .

وجواب آخر :
أن المرأة لو تقدم لها رجل ذو دين وخلق ، ولكنه كان فقيرا ، فلا يجب على المرأة قبوله ، بل لها أن ترده من أجل فقره ، رجاء أن يتقدم لها رجل ذو دين وخلق وليس فقيرا ، وذلك لأن المرأة تتضرر بفقر زوجها ، ولم يلزمها الشرع بتحمل هذا الضرر أو المشقة .
قال علي القاري في “مرقاة المفاتيح” (5/2176) :
“قوله صلى الله عليه وسلم : (لَا مَالَ لَهُ) : يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ فِي غَايَةٍ مِنَ الْفَقْرِ وَالْفَاقَة ِ، حَتَّى قَالَ فِي حَقِّهِ: (إِنَّهُ صُعْلُوكٌ) …
وَهَذَا إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ الْمُسْتَشَارَ مُؤْتَمَنٌ ، عَلَى مَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ .
وَفِيهِ تَصْرِيحٌ مِنْهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى جَوَازِ ذِكْرِ عَيْبٍ فِي الزَّوْجِ ، لِتَحْتَرِزَ الزَّوْجَةُ مِنْه ُ، لِئَلَّا تَقَعَ الزَّوْجَةُ فِي الْمَشَقَّةِ” انتهى .
وفي “المنتقى شرح الموطأ” (4/106) :
“وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( وَأَمَّا مُعَاوِيَةُ فَصُعْلُوكٌ لَا مَالَ لَهُ ) رَاعَى فِي ذَلِكَ حَاجَةَ النِّسَاءِ إلَى الْمَالِ يَكُونُ عِنْدَ الزَّوْجِ ، لِمَا لَهُنَّ عَلَيْهِ مِنْ النَّفَقَةِ ، وَالْكِسْوَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ ” انتهى .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في “مجموع الفتاوى” (28/230) :
“فَبَيَّنَ لَهَا أَنَّ هَذَا فَقِيرٌ قَدْ يَعْجِزُ عَنْ حَقِّك” انتهى .
وقال الشيخ ابن عثيمن في “لقاءات الباب المفتوح” (14/231) الشاملة .
“وهذا دليل على أن للمرأة أن ترد الخاطب إذا كان فقيراً، ولكن الأفضل إذا كان ذا خلق ودين أن تتزوج به ” انتهى .

ويشبه هذا ما رواه النسائي (3221) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ : ” خَطَبَ أَبُو بَكْرٍ ، وَعُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فَاطِمَةَ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّهَا صَغِيرَةٌ ) ، فَخَطَبَهَا عَلِيٌّ ، فَزَوَّجَهَا مِنْهُ ) رواه النسائي (3221) ، وصححه الألباني إسناده كما في ” صحيح سنن النسائي ” .
قال الشيخ محمد بن آدم الإثيوبيى :
” فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وسلم : ( إِنَّهَا صَغِيرَةٌ ) : أي وكلّ منكما لا يوافقها في السنّ ، والمقصود من النكاح دوام الألفة ، وبقاء العشرة ، فإذا كان أحد الزوجين في غير سنّ الآخر ، لم يحصل الغرض كاملاً ، فربّما أدّى إلى الفُرقة المنافية لمقصود النكاح ” .
انتهى من ” ذخيرة العقبى ” (27 / 57) .

فالثلاثة (أبو بكر وعمر وعلي رضي الله عنهم) كلهم ذو دين وخلق في أعلى الدرجات ، وكانت المفاضلة ترجح عليا لسب آخر ، غير الدين والخلق ، وهو السن ، لأنه أقرب منها سنا.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android