0 / 0

تفسير قوله تعالى: (وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ)

السؤال: 238949

سؤالي متعلق بالآية رقم 12 من سورة فصلت، هل صحيح أنّ آخر ما خلق الله في الأيام الستة هي النجوم ؟ وهل معنى كلمة “زينا” في الآية يعني خلقنا وجملنا ؟ وهل الشمس تعتبر من النجوم-كواكب- بروج-مصابيح ؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولا :
خلق الله عز وجل السموات والأرض في ستة أيام ، كما قال تعالى : (إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ) الأعراف/ 54
وكان خلق الأرض متقدما على خلق السماوات ، ثم كان دحو الأرض ـ بأن (أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا) ـ متأخرا عن خلق السماوات ، كما قال تعالى : (قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ * وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ * ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ * فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ) فصلت/9 -12 .
انظر : “تفسير السعدي” (ص 745) .
وقال تعالى : ( أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمْ السَّمَاءُ بَنَاهَا * رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا * وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا * وَالأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا) النازعات/27-30 .
ثانيا :
لا نعلم دليلا صحيحا من الكتاب أو السنة يبين لنا متى خلق الله النجوم التي في السماء .
وأما قوله تعالى : (وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا) بعد قوله : ( فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ) فلا يدل على أن النجوم هي آخر ما خلق الله ، وإنما هو إخبار عن الحكمة من خلق النجوم ، وهذا داخل في جملة خبر الله عن السماء وخلقها ، وما جعل فيها من الآيات .
قال العلامة ابن عاشور رحمه الله :
” ووقع الالتفات من طريق الغيبة إلى طريق التكلم في قوله: (وزينا السماء الدنيا بمصابيح) تجديدا لنشاط السامعين لطول استعمال طريق الغيبة ابتداء من قوله: (بالذي خلق الأرض في يومين) [فصلت: 9] مع إظهار العناية بتخصيص هذا الصنع الذي ينفع الناس دينا ودنيا وهو خلق النجوم الدقيقة والشهب بتخصيصه بالذكر من بين عموم (وأوحى في كل سماء أمرها) ، فما السماء الدنيا إلا من جملة السماوات، وما النجوم والشهب إلا من جملة أمرها.
والمصابيح : جمع مصباح ، وهو ما يوقد بالنار في الزيت للإضاءة وهو مشتق من الصباح لأنهم يحاولون أن يجعلوه خلفا عن الصباح ، والمراد بالمصابيح: النجوم، استعير لها المصابيح لما يبدو من نورها.
وانتصب (حفظا) على أنه مفعول لأجله لفعل محذوف دل عليه فعل (زينا).
والتقدير: وجعلناها حفظا. والمراد: حفظا للسماء من الشياطين المسترقة للسمع. وتقدم الكلام على نظيره في سورة الصافات.
(ذلك تقدير العزيز العليم) الإشارة إلى المذكور من قوله: (وجعل فيها رواسي من فوقها) [فصلت: 10] إلى قوله: وزينا السماء الدنيا بمصابيح وحفظا” .
انتهى من “التحرير والتنوير” (24/251) .

والحاصل : أنه لا يوجد دليل واضح بوقت خلق النجوم ، على وجه التخصيص ، وليس في العلم بذلك منفعة للعبد في دينه ، ولا في الجهل به مضرة عليه ، أو نقص من إيمانه ، وإنما الذي ينفعه أن يتأمل في خلقها ، ويتفكر في حكمة الخالق جل جلاله ، ويستدل بذلك على عظمته ، ووحدانيته ، ويخضع لطاعته .
ثالثًا
هذه النجوم التي في السماء- بما فيها الشمس – يطلق عليها ـ في لسان العرب ـ : مصابيح ، ونجوم ، وكواكب ، وسرج ، وإنما التفريق بين هذه الأجناس : هو من اصطلاح أهل العلوم ، الذي لا تستوجبه لغة العرب .
فمن سأل عن إطلاق ذلك : إن كان يقصد في لسان العرب ، وأعرافها : فالأمر في ذلك كله واسع ، سائغ .
وإن كان يقصد الاصطلاح الحادث لأهل العلوم : فلا ، وإنما يرجع في اصطلاح كل علم ، إلى ما تعارف عليه أهله .

قال ابن سيده وغيره : ” الكَوْكَبُ والكَوْكَبةُ : النَّجْم “
لسان العرب (1 /720) .
وقال ابن الجوزي :
” (بِمَصابِيحَ) وهي النًّجوم، والمصابيح: السُّرُج، فسمِّي الكوكب مصباحاً ” .
انتهى من ” زاد المسير ” (4/ 47) .
وتقول العرب : نَجَمَ الشيءُ يَنْجُم نُجوماً: طَلَعَ وظهر، ويقال لكل ما طلع: قد نَجمَ.
وقال أَهل اللغة: النُّجوم تَجمع الكواكب كلها .
“لسان العرب” (12 /568) .
وأصل البروج في اللغة : الظهور .
قال القرطبي رحمه الله :
” أصل البروج الظهور، ومنه تبرج المرأة بإظهار زينتها ، وقال الحسن وقتادة : البروج النجوم ، وسميت بذلك لظهورها. وارتفاعها ” .
انتهى من “الجامع لأحكام القرآن” (10 /9) .
وقد جاء إطلاقها في القرآن على نجوم السماء ، وأيضا على منازل الشمس والقمر.
فمن الأول : قوله تعالى : (وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ) الحجر/ 16
قال السعدي : ” أي: نجوما كالأبراج والأعلام العظام ، يهتدى بها في ظلمات البر والبحر ” انتهى من ” تفسير السعدي ” (ص 430) .

ومن الثاني : قوله تعالى : (وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ) البروج/ 1 .
قال الطبري رحمه الله:
” وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال: معنى ذلك: والسماء ذات منازل الشمس والقمر، وذلك أن البروج جمع برج، وهي منازل تتخذ عالية عن الأرض مرتفعة، ومن ذلك قول الله: (وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ) : هي منازل مرتفعة عالية في السماء، وهي اثنا عشر برجًا، فمسير القمر في كلّ برج منها يومان وثلث، فذلك ثمانية وعشرون منزلا ، ثم يستسرّ ليلتين ، ومسير الشمس في كلّ برج منها شهر ” .
انتهى من ” تفسير الطبري ” (24/ 332).

وينظر للفائدة جواب السؤال رقم : (145324) ، (145809) .
والله تعالى أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android