تنزيل
0 / 0

شاب عنده بعض المشكلات التي أثرت على حياته ويسأل عن العلاج .

السؤال: 239409

أنا شاب في العشرين من عمره ، لدي عدة مشاكل : الأولى: أنني من عائلة صوفية تنطبق عليها معظم نواقض الاسلام العشرة ، وأنا سلفي العقيدة أظهر لهم أني معهم ، وعندما بلغت العشرين أوضحت منهجي كأفكار وليس كتطبيق ، فهددت بقطع النفقة والاعتزال ، وأبي متشدد جدا في الصوفية ، ويحبني جدا ، وقد يتأذى إن أنا رفضت الرجوع عن أفكاري ، وأخشى بذلك من عقاب الله. فما واجبي تجاه عائلتي وأبي خاصة ؟

مشكلتي الثانية :

أنني قد أخفيت أمر عائلتي عن أصدقائي والناس فأخشى أن أخسرهم ، وفي المقابل أخشى على عائلتي منهم ومن القدح فيهم ، وكنت أكذب لأخفي ذلك الأمر ، حتى أصبح الكذب عادة لي يعرفني بها جميع أصحابي وذلك يسوؤني جدا ، وحاولت التخلص منها ولكن بلا فائدة ، واقترفت ذنوبا كثيرة وتبت منها لكن آفة الكذب لم أقدر عليها ، فأنا أمازح الناس كثيرا من عرفت ومن لم أعرف ، حتى أفقدني هيبتي أمام الجميع ، فأصبح لا يؤبه لي ، فكون ذلك صورة عند أصحابي أنني طيب ، ساذج ، كذاب ، هذلي ، ولا أحد يرغب أن يتخذني صديقا ، وإن كانوا يحبونني ، فأدركت بذلك أنني شخصية تافهة ؛ فماذا أفعل لعلاج ذلك ؟

مشكلتي الثالثة :

أنني أحفظ القران ، ومتعني الله بقدرات عالية أحس أنها بدأت تندثر ، أحب أهل الدين ؛ درجاتي في المدرسة لا تفارق التفوق ، وأنا الآن أدرس في كلية الطب ، وأهم بتركها لجميع الأمور السابقة وأتوجه إلى دراسة الشريعة فقد متعني الله بفهم جميل لها ، والآن أصبح ليس لدي ثقة بنفسي ، قلبي مشغول دائما بانتقادات أصدقائي لي ، وجرحهم ، لا أستطيع التركيز في الصلاة ولا في الدراسة ، فأرجو منكم المساعدة .

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولا :
الواجب عليك تجاه أهلك أن تجمع بين برهم ونصحهم ، فإن بر الوالدين واجب على الأبناء ، مطلقا ، أيا كان حال الوالدين ، وإن كان مشركين ، بل وإن أمرا ولدهما بالشرك بالله ، فقد حرم الله طاعتهما في ذلك ، ولم يسقط عن الابن حقهما في بره ، قال الله تعالى : ( وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ) العنكبوت/8 .
وقوله تعالى : ( وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ * وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ) لقمان/14-15
وينظر جواب السؤال رقم : (27105)، ورقم: (112006) ، ورقم: (214559) .

ثانيا :
وأما عن خصلة الكذب ، وهي شر ما وقعت فيه ، وشر ما يتصف به العبد من خلق ذميم ، عافا الله وإياك ، بمنه وكرمه ؛ فالواجب عليك أن تقلع عنها تماما ، فالكذب لا يصلح من المسلم في شيء ، لا في جد ولا هزل ، بل الواجب عليه أن ينتهي عنه كله ، ويلزم نفسه الصدق في أمره كله ؛ قال تعالى : ( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ) التورة/119

ومما يعينك على التوبة من هذه الكبيرة ، والتخلص من تلك الخصلة الذميمة أمور :
أولها : الاستعانة بالله جل في علاه ، فقد ورد في الحديث: (وَمَنْ يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ اللَّهُ) متفق عليه.
وقال تعالى : ( إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ * اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ ) سورة الفاتحة/5-7 .

فالتعبد لله بالصدق ، ومثله سائر شعب الإيمان ، وطرائق المهتدين ، لا يسلم للعبد إلا بالاستعانة به سبحانه ؛ فإنه لا حول ولا قوة لنا إلا بالله ؛ أي : أننا لا نتحول من حال إلى حال ، ولا نقوى على فعل من الأفعال إلا بالله الكبير المتعال !

2- التعبد لله سبحانه باسمه [ السميع ] ، ذلك الاسم الرفيع الجليل من أسمائه تعالى الحسنى ؛ قال جل وعلا معاتبا عباده في استفهام إنكاري بديع : ( أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ ) الزخرف/80 .
فالله سبحانه يسمع السر والنجوى ، ويسمع الجهر والعلانية ، ورسله من الملائكة تكتب ما نتلفظ به في الحالين ؛ قال تعالى : ( وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ * إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ * مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ) ق/16-18 .

3- التأمل في عاقبة الصدق ، وأنه في ذاته يهدي إلى الخير كله ، فعن عبد الله بن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( إِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى البِرِّ، وَإِنَّ البِرَّ يَهْدِي إِلَى الجَنَّةِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَصْدُقُ حَتَّى يَكُونَ صِدِّيقًا ، وَإِنَّ الكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الفُجُورِ، وَإِنَّ الفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَكْذِبُ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا) رواه البخاري (6094) ، ومسلم (2607).
قال الإمام النووي في ” شرح مسلم ” ( 16/160 ) :
“قال العلماء: معناه : أن الصدق يهدي إلى العمل الصالح الخالص من كل مذموم ، والبر اسم جامع للخير كله ، وقيل : البر الجنة ، ويجوز أن يتناول العمل الصالح والجنة .
وأما الكذب : فيوصل إلى الفجور ، وهو الميل عن الاستقامة ، وقيل : الانبعاث في المعاصي” انتهى .
ثم قال رحمه الله :
“قال العلماء : هذا فيه حث على تحري الصدق ، وهو قصده والاعتناء به ، وعلى التحذير من الكذب والتساهل فيه ؛ فإنه إذا تساهل فيه : كثر منه ، فعرف به .
وكتبه الله لمبالغته [ يعني :في الصدق ] : صديقا ، إن اعتاده . أو كذابا ، إن اعتاده [ أي اعتاد الكذب] ” انتهى .
وعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
( إِنَّمَا الْعِلْمُ بِالتَّعَلُّمِ ، وَإِنَّمَا الْحِلْمُ بِالتَّحَلُّمِ ، وَمَنْ يَتَحَرَّ الْخَيْرَ يُعْطَهُ ، وَمَنْ يَتَوَقَّ الشَّرَّ يُوقَهُ ) رواه الخطيب البغدادي في ” تاريخ بغداد ” (9 / 127) وصححه الألباني في ” السلسلة الصحيحة “(342) .

فلا تلتمس – يا عبد الله – رضى الناس في سخط رب الناس !
تصالح مع نفسك ، ولا يكن همك رضاهم عنك ، وعن أهلك ، فإنهم لن يغنوا عنك من الله شيئا
فعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
(مَنِ الْتَمَسَ رِضَى اللَّهِ بِسَخَطِ النَّاسِ : رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، وَأَرْضَى النَّاسَ عَنْهُ ، وَمَنِ الْتَمَسَ رِضَا النَّاسِ بِسَخَطِ اللَّهِ ، سَخَطَ اللَّهُ عَلَيْهِ ، وَأَسْخَطَ عَلَيْهِ النَّاسَ) رواه ابن حبان (276)، وصححه الألباني في ” الصحيحة ” (2311) .

ثالثا :
يا عبد الله ، أنعم الله عليك ووفقك للاجتهاد في حفظ القرآن ، ومحبة أهل العلم والدين ، وهذا في ذاته دافع عظيم للتأدب بآداب أهل القرآن ، الذين هم أهل الله وخاصته .
ومن هذه الآداب أن تكون من أهل السكينة والوقار ، والعمل بطاعة العزيز الغفار ، وهذا لا يتعارض مع المزاح والتبسم وملاطفة أقرانك ، بل إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أكثر الناس تبسما
فعن عبد الله بن الحارث قال : “مَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَكْثَرَ تَبَسُّمًا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ” . رواه الترمذي (3641) ، وصححه الألباني .

وأما المزاح المنهي عنه فقال فيه الإمام النووي رحمه الله :
“قال العلماءُ: المزاحُ المنهيُّ عنهُ، هُو الذي فيه إفراطٌ ، ويُداوم عليه ، فإنه يُورث الضحك وقسوةَ القلب ، ويُشغل عن ذكر الله تعالى والفكر في مهمات الدين ، ويؤولُ في كثيرٍ من الأوقات إلى الإِيذاء ، ويُورثُ الأحقاد ، ويُسقطُ المهابةَ والوقارَ، فأما ما سَلِمَ من هذه الأمور، فهو المباحُ الذي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعلهُ ، فإنه صلى الله عليه وسلم إنما كان يفعلهُ في نادرٍ من الأحوالِ لمصلحةٍ ، وتطييب نفس المخاطب ومؤانستهِ ، وهذا لا منعَ منهُ قطعاً، بل هو سنةٌ مستحبةٌ إذا كان بهذهِ الصفةِ ، فاعتمدْ ما نقلناهُ عن العلماء وحققناهُ في هذه الأحاديث وبيان أحكامها، فإنه مما يعظمُ الاحتياجُ إليه ؛ وبالله التوفيق.” انتهى من “الأذكار” (521) .

رابعا :
دراسة الطب فرض من الفروض الكفائية على عموم المسلمين ، إذا قام بها بعضهم سقط عن الباقين ، وهو ـ كذلك ـ باب عظيم من أبواب الدعوة ، وسبب كبير من أسباب قبول الناس لما تحمله من العلم الشرعي ؛ وذلك لأنه جرت عادة الناس بأن يربطوا ذهنيا ونفسيا ، بين التفوق في طب الأبدان والتفوق في طب الأديان ، فكونك طبيبا يمثل لهم في ذاته قدرا من المصداقية في دعوتك وكلامك ، وهذا مشاهد معروف لا يخفى .
ثم إن من أخطر ما يكون على العبد في سيره ، في مصلحة دينه ودنياه ، أن يشرع في أمر مشروع ، أو مباح ، وهو من الأمور الحسنة المحتاج إليها ، ثم هو يقطع شوطه قبل نهايته ، وينصرف إلى غيره .

وبناء عليه : فننصحك أخانا الكريم بالجمع بين طب الأبدان ، وطب الأديان في دراستك ، ولا تلتفت لفكرة التخلي عن دراسة الطب للتفرغ للعلوم الشرعية ، واضرب في كل غنيمة بسهم .
وحذار حذار من ترك ما أنت فيه ، لأجل فكرة عرضت لك ، أو بارق لاح لنظرك ؛ فكم من شباب فعلوا مثل هذا ، فتركوا دراستهم الدنيوية – بالرغم من تفوقهم فيها ، أو تأهلهم لها – على أمل أن يتفرغوا للدراسات الدينية ، فاضطرب دينهم وحالهم ، واضطربت دنياهم ، ولم يحصلوا شيئا في مآل أمرهم ، واكتشفوا في نهاية سعيهم : أن هذا لم يكن إلا بمثابة الهروب من واقعهم ، ومصاعب الطريق التي يسلكونها .

وفقنا الله وإياك لما يحب ويرضى وثبتنا وإياك على الكتاب والسنة وسبيل المؤمنين من سلف الأمة .

والله أعلم .

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

هل انتفعتم بهذه الإجابة؟

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android