هل طلوع الشمس من مغربها يراها جميع الناس ، وجميع الدول ، بدون استثناء ، وفي نفس الوقت ، مع أن شروقها يختلف من دولة لأخرى ؟
إذا طلعت الشمس من مغربها هل يراها الناس كلهم أجمعون في وقت واحد ؟
السؤال: 240122
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
من علامات الساعة الكبرى: طلوع الشمس من مغربها ، بدلا من طلوعها كعادتها من المشرق ، فإذا رآها الناس: آمنوا كلهم أجمعون، وذلك حين لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل ، أو كسبت في إيمانها خيرا .
قال الله عز وجل :( يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً ) الأنعام/158.
قال الشيخ السعدي رحمه الله :
” وقد تكاثرت الأحاديث الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم أن المراد ببعض آيات الله : طلوع الشمس من مغربها ، وأن الناس إذا رأوها آمنوا ، فلم ينفعهم إيمانهم ، ويُغلق حينئذ بابُ التوبة ” انتهى من ” تفسير السعدي ” (ص281) .
وروى البخاري (4635) ، ومسلم (157) عن أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا ، فَإِذَا رَآهَا النَّاسُ ، آمَنَ مَنْ عَلَيْهَا ، فَذَاكَ حِينَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ ).
وفي رواية للبخاري (3646) : ( لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا، فَإِذَا طَلَعَتْ وَرَآهَا النَّاسُ آمَنُوا أَجْمَعُونَ ) .
فدل قوله : (فَإِذَا رَآهَا النَّاسُ : آمَنَ مَنْ عَلَيْهَا ) وفي الرواية الأخرى : ( فَإِذَا طَلَعَتْ وَرَآهَا النَّاسُ : آمَنُوا أَجْمَعُونَ ) على أن كل من على الأرض من الناس يرونها وهي تطلع من مغربها ، فيؤمنون جميعا.
قال الحافظ رحمه الله :
” قَوْلُهُ (فَإِذَا طَلَعَتْ فَرَآهَا النَّاسُ آمَنُوا أَجْمَعُونَ) : وَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي زُرْعَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي التَّفْسِيرِ (فَإِذَا رَآهَا النَّاسُ آمَنَ مَنْ عَلَيْهَا) أَيْ : عَلَى الْأَرْضِ مِنَ النَّاسِ ” .
انتهى من ” فتح الباري ” (11/ 353) .
وذكر الشيخ ابن عثيمين رحمه الله ، أن من شروط التوبة :
” أن تكون في الزمن الذي تقبل فيه ، وذلك بأن تقع قبل الغرغرة ، قبل حضور الأجل، وهذا زمن خاص باعتبار كل أحد بنفسه .
وكذلك أيضاً تكون قبل طلوع الشمس من مغربها، وهذا زمن عام ، فإن الشمس إذا طلعت من مغربها آمن الناس كلهم ، وتابوا ورجعوا لكن (لاَ يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا) ” انتهى من ” الشرح الممتع ” (5/ 204) .
وإذا كان الناس يرونها ، في جميع البلدان ، بلا استثناء ؛ فمن المحتمل أن الناس يرون في كل بلد ، بحسب مطلعهم ، ووقت شروقهم ، كما كانوا يرونها كل يوم ، وإن كانت قد خالفت بهم هذه المرة ، فخرجت من المغرب ، بدلا من أن تخرج من المشرق ؛ فيكون اختلال النظام إنما هو في جهة طلوعها وشروقها ، وليس في توقيتها المعتاد كل يوم .
وهذا هو الظاهر المتبادر .
ولا مانع ـ أن تظهر لأهل الأرض جميعا ، في وقت واحد ، وقد طلعت من مغربها ، بكيفية لا يعلمها إلا الله ، ويكون ذلك من جملة الآيات ، ومظاهر اختلال نظام الكون كله ؛ والله على كل شيء قدير .
روى أحمد (6881) عن عبد الله بن عمرو قال : سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ( إِنَّ أَوَّلَ الْآيَاتِ خُرُوجًا طُلُوعَ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا، وَخُرُوجُ الدَّابَّةِ ضُحًى، فَأَيَّتُهُمَا كَانَتْ قَبْلَ صَاحِبَتِهَا فَالْأُخْرَى عَلَى أَثَرِهَا ) ، ثُمَّ قَالَ عَبْدُ اللهِ – وَكَانَ يَقْرَأُ الْكُتُبَ -: ” وَأَظُنُّ أُولَاهَا خُرُوجًا طُلُوعَ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا، وَذَلِكَ أَنَّهَا كُلَّمَا غَرَبَتْ أَتَتْ تَحْتَ الْعَرْشِ فَسَجَدَتْ، وَاسْتَأْذَنَتْ فِي الرُّجُوعِ، فَأُذِنَ لَهَا فِي الرُّجُوعِ، حَتَّى أراد الله أَنْ تَطْلُعَ مِنْ مَغْرِبِهَا، فَعَلَتْ كَمَا كَانَتْ تَفْعَلُ: أَتَتْ تَحْتَ الْعَرْشِ فَسَجَدَتْ، وَاسْتَأْذَنَتْ فِي الرُّجُوعِ، فَلَمْ يُرَدَّ عَلَيْهَا شَيْءٌ ، ثُمَّ تَسْتَأْذِنُ فِي الرُّجُوعِ، فَلَا يُرَدُّ عَلَيْهَا شَيْءٌ، ثُمَّ تَسْتَأْذِنُ فَلَا يُرَدُّ عَلَيْهَا شَيْءٌ، حَتَّى إِذَا ذَهَبَ مِنَ اللَّيْلِ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَذْهَبَ، وَعَرَفَتْ أَنَّهُ إِنْ أُذِنَ لَهَا فِي الرُّجُوعِ، لَمْ تُدْرِكِ الْمَشْرِقَ، قَالَتْ: رَبِّ، مَا أَبْعَدَ الْمَشْرِقَ، مَنْ لِي بِالنَّاسِ؟ حَتَّى إِذَا صَارَ الْأُفُقُ كَأَنَّهُ طَوْقٌ، اسْتَأْذَنَتْ فِي الرُّجُوعِ، فَيُقَالُ لَهَا: مِنْ مَكَانِكِ فَاطْلُعِي، فَطَلَعَتْ عَلَى النَّاسِ مِنْ مَغْرِبِهَا “، ثُمَّ تَلَا عَبْدُ اللهِ هَذِهِ الْآيَةَ: (يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا) ” .
وصححه محققو المسند على شرط الشيخين.
والمؤمن يؤمن بما جاء في الكتاب والسنة ، ويترك كيفية حدوث ذلك إلى علم الله وقدرته، ويعلم أن الله على كل شيء قدير ، فينظر فيما جاء من الأخبار ، فيؤمن بها ، ويعمل بمقتضاها، ولا يشغل نفسه بما وراء ذلك من الكيفيات التي لا طائل تحتها .
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب