ما حكم تعديل تفسير القرآن. وما ضوابط هذا التعديل؟
يسأل عما أسماه “تعديل تفسير القرآن”
السؤال: 244217
ملخص الجواب
ملخص الجواب : أن مراد السائل من "تعديل التفسير" إن كان هو التحرير والإضافة والتحقيق فهذا جهد كبير ومأجور، ولكن بشرط القيام به بحقه الذي هو الالتزام بقواعد التفسير وضوابطه المؤسسة لهذا العلم الكبير ، ثم أن يكون القائم به من أهل العلم المؤهلين لذلك المقام ، والذين استكملوا أدواته ، لا الأدعياء الجهال ؛ فما أحراهم بالخطأ والزلل ، وما أحراهم بالوعيد فيمن فسر القرآن برأيه المجرد ، وأتبعه هواه .
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
لم يتبين لنا تحديد معنى “تعديل التفسير” الذي تقصده في سؤالك، فإن كنت تريد به تحقيق تفسير كلام الله بما لم يُسبق إليه المفسر، أو الاجتهاد في بيان كلام الله على الوجه المشتمل على إضافة جديدة، فهذا مبحث مناطه العلماء والمفسرون المتقنون، فكتاب الله لا تنقضي عجائبه، ولا يخلق عن كثرة الرد، وما زال أهل العلم يستخرجون ما فيه من العلوم والفوائد على مر التاريخ.
يقول العلامة الأمين الشنقيطي رحمه الله – بعد أن قرر قولا معاصرا في تفسير إحدى الآيات -:
“فالآية الكريمة يفهم منها ما ذكرنا، ومعلوم أنها لم يفسرها بذلك أحد من العلماء، بل عبارات المفسرين تدور على أن الجند المذكور : الكفار الذين كذبوه صلى الله عليه وسلم، وأنه صلى الله عليه وسلم سوف يهزمهم، وأن ذلك تحقق يوم بدر أو يوم فتح مكة.
ولكن كتاب الله لا تزال تظهر غرائبه ، وعجائبه متجددة على مر الليالي والأيام، ففي كل حين تفهم منه أشياء لم تكن مفهومة من قبل .
ويدل لذلك حديث أبي جحيفة الثابت في الصحيح أنه لما سأل عليا رضي الله عنه: (هل خصَّهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء؟ قال له علي رضي الله عنه: لا والذي فلق الحبة، وبرأ النسمة، إلا فهما يعطيه الله رجلا في كتاب الله، وما في هذه الصحيفة) الحديث.
فقوله رضي الله عنه: إلا فهما يعطيه الله رجلا في كتاب الله، يدل على أن فهم كتاب الله تتجدد به العلوم والمعارف التي لم تكن عند عامة الناس، ولا مانع من حمل الآية على ما حملها عليه المفسرون ، وما ذكرنا أيضا أنه يفهم منها ؛ لما تقرر عند العلماء من أن الآية إن كانت تحتمل معاني كلها صحيحة، تعين حملها على الجميع، كما حققه بأدلته الشيخ تقي الدين أبو العباس بن تيمية في رسالته في علوم القرآن” انتهى من “أضواء البيان” (2/258) .
غير أن ثمة مجموعة من القواعد والضوابط المهمة التي يجب على كل مشتغل بالتفسير مراعاتها، سواء كان عمله التفسيري اجتهادا جديدا، أم نقلا لما تقرر من قبل.
ومن تلك الضوابط:
أولا:
التزام ما أجمع عليه الصحابة والتابعون وأئمة التفسير في بيان كلام الله تعالى، فإجماعهم حجة في فهم آيات الكتاب الحكيم، ولا يجوز للباحث عن “التعديل” أو “التجديد” في علوم التفسير أن ينقض موارد الإجماع، أو يخالف الاتفاق، فقد قال تعالى: (وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا) [النساء: 115]. والمقصود بهذا الضابط: عدم وقوع التناقض بين “التعديل”، وبين محل الإجماع، أما إذا لم يكن ثمة تناقض، وإنما أضاف التفسير الجديد بعدا آخر، أو احتمالا مكملا ومتمما لتفسير الآية ومعناها، فهذا لا بأس فيه، كما سيأتي مثاله.
ثانيا:
اقتفاء قواعد الدلالة اللغوية السليمة، بعيدا عن التكلف والتمحل في فهم النصوص، وبعيدا عن استعمال مناهج البحث الطارئة على لغتنا العربية الأصيلة، التي يراد من ورائها هدم قوانين اللغة، وطمس جميع الخطوط التي تنظم قواعد الفهم فيها وعلوم الدلالات.
ثالثا:
مراعاة الأدلة الشرعية الأخرى التي تضبط علومنا وأعمالنا، كي لا تخرج المحاولات “التجديدية” – التعديلية- عن المدارك الشرعية، والمعارف الإسلامية، فضلا عن الثوابت والمحكمات.
يقول الدكتور مساعد الطيار حفظه الله:
“كتاب الله تعالى نزل بلسان عربي مبين، وعَلِمَهُ جيل السلف مجتمعين، فلا يمكن أن يقال: إن آية منه لم يقع لهم فيها الفهم الصحيح، ومن قال: إن آية لم يفهمها هؤلاء، فإنه قد زعم النقص في البيان الرباني والنبوي على حدٍّ سواء، فالله سبحانه وتعالى يقول: (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) [يوسف: 2]، ويقول: (إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) [الزخرف: 3]، ويقول: (كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) [البقرة: 242]، ويقول: (اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) [الحديد: 17]، ويقول: (أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا) [النساء: 82]، ويقول: (أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا) [محمد: 24]، ويقول: (أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جَاءَهُمْ مَا لَمْ يَاتِ آبَاءَهُمْ الأَوَّلِينَ) [المؤمنون: 68]، ويقول: (كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الألْبَابِ) [ص: 29]، وغيرها من الآيات التي تدل على أن الله قد بيَّن كلامه بياناً واضحاً لا لبس فيه ولا إلغاز، وأنه يسَّر للناس فهمَه كما قال تعالى: (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) [القمر: 22]، وهذا التيسير لا يمكن أن يكون لجيل متأخر دون الجيل المتقدم من السلف.
إن معرفة تفسير السلف أصل أصيل من أصول التفسير، ومن ترك أقوالهم، أو ضعف نظره فيها، فإنه سيصاب بنقص في العلم، وقصور في الوصول إلى الحق في كثير من آيات القرآن.
وإن من استقرأ تاريخ السلف مع كتاب الله؛ وجد تمام عنايتهم بكتاب الله حفظاً وتفسيراً وتدبراً واستنباطاً، كيف لا؟! وكتاب الله هو العصمة والنجاة، لذا لا تراه خفي على الصحابة شيء من معانيه، ولم يستفصلوا من الرسول صلّى الله عليه وسلّم، فبقي عليهم منه شيء غامضٌ لا يعرفونه.
وكذا الحال بالتابعين، الذين هم أكثر طبقات السلف في التفسير، وعددهم فيه كثير، لقد سألوا عن التفسير، واستفصلوا فيما غمُض عليهم، ولهم في ذلك أقوال، ومن أشهرها ما رواه الطبري بسنده عن الشعبي، قال: والله ما من آية إلا سألت عنها، لكنها الرواية عن الله تعالى.
وروى بسنده عن مجاهد، قال: عرضت المصحف على ابن عباس ثلاث عرضات من فاتحته إلى خاتمته، أوقفه عند كل آية وأسأله عنها.
وبقي الحال كذلك في أتباع التابعين الذين كانوا أكثر طبقات السلف تدويناً للتفسير، وجمعاً لما روي عن الصحابة والتابعين، وفي عصرهم ظهر أول مدوَّن كاملٍ في التفسير، وكان لهم أقوال في التفسير، كما كان لهم اختيارات من أقوال من سبقهم، وهذا يعني أن من استقرأ تفسير السلف وجد أنهم قلَّما يتركون آية لا يتكلمون عنها، ويبينون ما فيها من المعاني، سواءٌ اتفقوا في تفسيرهم، أم كان اختلافهم فيه اختلاف تنوع، أو اختلاف تضادٍّ، والتضاد في تفسيرهم قليل.
لكن مما يحسن ذكره هنا أن يعرف المفسر المعاصر أن اجتهاده في التفسير سيكون في أمرين:
الأمر الأول: الاختيار من أقوال المفسرين السابقين.
الأمر الثاني: الإضافة على ما قاله السلف، ولكن يحرص على أن يكون مضيفاً لا ناقضاً ومبطلاً لأقوالهم.
ومثال هذه المسألة في جملة: (وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لاَ يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ) من قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لاَ يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ) [الحج: 73]
فهذه الجملة واضحة المعنى من حيث التفسير، لكن المراد بيانه : هو ذلك المسلوب، ما هو؟
والمتقدمون يقولون: وإن يسلب الذباب الآلهة والأوثان شيئاً مما عليها من طيب أو طعام وما أشبهه، لا تقدر الآلهة أن تستنقذ ذلك منه، وقد ورد هذا المعنى عن جماعة من السلف؛ منهم: عبد الله بن عباس، والسدي الكبير، وابن جريج، وعلى هذا المعنى سار المفسرون خلفاً.
وفي هذا العصر ظهر اكتشاف غريب في الذباب، وهو أنه إذا ابتلع شيئاً من الطعام، فإنه يتحول في جوفه إلى مواد أخرى لا يمكن استرجاعها إلى مادتها الأولية.
وهذا المعنى المذكور ينطبق على الوصف المذكور في الآية، وهو قوله تعالى: (وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لاَ يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ) [الحج: 73]
لكن من الذي لا يستطيع استنقاذه عند من يذهب إلى هذا التفسير؟
سواء أقال: لا تستطيع الآلهة، أو قال: لا يستطيع الناس، فإن الوصف صحيح منطبق على معنى الجملة، لكن السياق في الآلهة وليس في الناس كما ترى.
وهذا القول – إذا قيل به على أنه احتمال ثانٍ – مما تحتمله الآية، فإنه يصح تفسير الآية به على أنه مثال آخر من أمثلة ما لا يستطيعون استنقاذه ، مما يأخذه الذباب، وليس بمبطل لقول السلف.
وتفسير السلف أولى ؛ لأن ما قالوه ظاهر لجميع الناس يدركونه بلا حاجة إلى مختبرات، بخلاف القول المعاصر الذي لم يره إلا النادر من الناس، ولا يدركه تمام الإدراك إلا القلة منهم، فليس كل الناس عندهم مختبرات يمكنهم أن يروا تحوُّل مادة الطعام التي يأكلها الذباب.
ومع هذا الترجيح يبقى ما قاله المعاصرون قولاً صحيحاً محتملاً يمكن القول به .
لكن القاعدة السليمة في ذلك: أن تثق بمعرفة السلف وتفسيرهم لجميع القرآن، وأنهم لم يخرجوا عن الفهم الصحيح في تفسيرهم، ثم تعرف ما يمكن لمن جاء بعدهم عمله من الاختيار أو الزيادة المقبولة.
وهذا المثال التطبيقي هو المنهج لمن أراد أن يزيد على تفسير السلف، وأن يأتي بجديد من المعاني أو الاستنباطات، فهو لا يترك ما قالوه، ولا يجمد عنده فلا يأتي بجديد.
فإن كل من يقول بقول جديد في تفسير الآية عموماً، وفي التفسير العلمي (أو الإعجاز العلمي) خصوصاً، فإنه يدخل من هذا الباب، وعليه أن يتبع الضوابط العلمية الصحيحة لمعرفة القول الصحيح من غيره، وستأتي هذه الضوابط.
الضابط الأول: أن يكون القول المفسَّر به صحيحاً في ذاته:
إن كل قول يقال في التفسير يمكن أن يُعلم صحيحه من خطئه، والقول الصحيح تُعلم صحتُه من وجوه:
1 – أن تدلَّ عليه لغة العرب، وذلك في تفسير الألفاظ أو الصيغ أو الأساليب.
وهذا يعني أن تفسير ألفاظ القرآن بمصطلحات علمية سابقة له، أو مصطلحات لاحقة ، لا يصحُّ البتة؛ لأن ألفاظه عربية، وتفسيرها يؤخذ من لسان العرب، ولغة القرآن، لا من هذه المصطلحات، كمن يفسر لفظ الأقطار في قوله تعالى: (يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ فَانْفُذُوا لاَ تَنْفُذُونَ إِلاَّ بِسُلْطَانٍ) [الرحمن: 33] بأنه القطر الهندسي، وهو الخط الهندسي المنصِّف للدائرة أو الشكل البيضاوي. والأقطار في اللغة جمع القُطْرُ بالضم، وهو الناحية والجانب، وهو المراد بآية سورة الرحمن.
2 – ألا يخالف مقطوعاً به في الشريعة.
فإن ما لا يوافق الشريعة ، لا يمكن أن تدل عليه آيات القرآن بحال، كمن يفسر العرش أو الكرسي بأحد الكواكب السيارة، وهذا مخالف لما ثبت في الشريعة من كون هذه المخلوقات [أي : العرش والكرسي ] فوق السموات، وأنها أكبر منها بكثير.
الضابط الثاني: أن تحتمل الآية هذا القول الحادث:
ويمكن معرفة ذلك بطرق، منها أن تدلَّ عليه بأي وجهٍ من وجوه الدلالة: مطابقةً أو تضمُّناً أو لزوماً، أو مثالاً لمعنى لفظ عام في الآية، أو جزءاً من معنى لفظ من الألفاظ، أو غير ذلك من الدلالات التي يذكرها العلماء من أصوليين وبلاغيين ولغويين ومفسرين.
وهذا الضابط مهمٌّ للغاية، إذ قد يصحُّ القول من جهة وجوده في الخارج، لكن يقع الخلل في صحة ربطه بالآية، وهذا مجال كبير للاختلاف، بل هو مجال تحقيق المناط في كثير من القضايا التي ثبتت صحتها من جهة الواقع، لكن يقع التنازع في كونها مُرادة في الآية، وهذا الاختلاف لا يصلح أن يكون محطّاً للانتقاص من الأطراف المختلفة.
الضابط الثالث: ألا يبطل قول السلف:
والمراد أن القول المعاصر المبني على العلوم الكونية أو التجريبية ، يُسقطُ قول السلف بالكلية، وقد سبقت الإشارة إلى هذا الموضوع، وذكرت لك الأصل الأصيل في هذا، وهو مبني على أمور:
الأول: أن تعلم أن تفسير السلف شامل للقرآن كله، ولا يمكن أن يخرج الحق عنهم، أو يخفى عليهم فلا يدركونه، ويدركه المتأخرون.
والمعنى أن كل القرآن كان معلوماً لهم بوجه من الوجوه الصحيحة، وأن ما زاده المتأخرون من الوجوه لا يعني نقص علمهم بالقرآن؛ لأن موجب ذلك القول الذي ظهر للمتأخرين لم يكن موجوداً في عصرهم كي يقال بجهلهم به.
وعلى هذا فإنه لا يوجد في القرآن ما لم يعلم السلف معناه، ولا يمتنع أن يظهر للمتأخرين وجوه صحيحة من التفسير؛ يجوز القول بها واعتمادها ، ما دامت لا تناقض قول السلف.
الثاني: أن العصمة لمجموعهم، وليست لفرد منهم، لذا يقع الاستدراك في التفسير فيما بينهم، فترى بعضهم يخطِّئ فهم الآخر، ويرد عليه، ولو كان لقول الواحد منهم عصمة ، لما قُبِل تخطيء من خطَّأ منهم، والعصمة للواحد منهم لم يَدَّعها أحد منهم.
الثالث: أن إضافة الأقوال الجديدة الصحيحة التي تحتملها الآية ممكن.
لكن المشكلة هنا إذا كان القول المعاصر مسقطاً لقول السلف بالكلية؛ لأنه يلزم منه أن آية من الآيات لم يُفهم معناها على مرِّ القرون ، حتى ظهر هذا المكتشَف العلمي المعاصر، وهذا اللازم ظاهر البطلان.
الضابط الرابع: ألا يقصر معنى الآية على ما ظهر له من التفسير الحادث:
وهذا الضابط يشير إلى الأسلوب التفسيري الذي يحسن بمن يريد بيان معنى جديد أن يسلكه؛ لأن الاقتصار على القول الجديد ، اقتصاراً يشعر بصحته وسقوط ما سبقه من الأقوال : يعتبر خطأ في طريقة التفسير.
وبعض هؤلاء لا يحرص على تفسير السلف، ولا على تفهُّمه ودرايته، بل أحسنهم حالاً من يرجع إلى تفاسير المتأخرين وينقل أقوالهم، حتى إنه ينقل أقوال المعاصرين من المفسرين على أنها أقوال المفسرين.
ولا شكَّ أن من يدرس التفسير على أصوله يعلم أن هذا الأسلوب فيه تقصير، لعدم الرجوع إلى تفسير الصحابة والتابعين وأتباعهم أولاً، ثم النظر فيمن وافقهم من المفسرين المتأخرين.
وإن التقصير في معرفة علومهم وأحوالهم كائن فينا نحن المسلمين ، في مجالات متعددة؛ كالتعبد والزهد والمتابعة وغيرها.
فإن قلت: لِمَ تُلزم بذكر أقوال السلف من المفسرين، وعمل الباحث المعاصر يقوم على إثبات ارتباط ذلك المكتشَف المعاصر بالآية؟
فالجواب: أني أطالب بأكثر من ذكر أقوالهم، وذلك بأن يتعرَّف المعاصر على أقوالهم ويفهمها على وجهها؛ لتتحصل له المعرفة بمرتبة القول الحادث على النحو الآتي:
الأول: أن يكون قوله المعاصر مناقضاً لما اتفقوا عليه، فيتوقف في ربطه بين قوله والآية، ولا يتعجل حتى يسأل أهل العلم ، ليبينوا له صواب قوله من خطئه، فلا يجترئ على مخالفة الإجماع الذي هو أصل من أصول الدين، فالأمة لا يمكن أن تجمع منذ سالف دهرها على خطأ، ثم يظهر الصواب لشخص في الزمان المتأخر.
الثاني: أن يعرف أقوالهم المختلفة، ويتأمل قوله بينها، هل يدخل في أحد الأقوال، فإن وجد قوله يندرج تحت قول من الأقوال أدرجه تحته، وبيَّن ما زاد على ذلك القول من تفاصيل عنده.
الثالث: أن يكون قوله ـ مع اختلافهم ـ قولاً جديداً، لا يدخل في أحد هذه الأقوال، فينظر إلى صحته في الواقع، ومدى احتمال الآية له، فيقول به على سبيل الإضافة.
وههنا ملحظ مهم قد أشرت إليه، وهو أنه قد يكون القول الذي يقوله صحيحا في ذاته، لكن الخطأ الذي يقع : في صحة دلالة الآية عليه، فتراه يتعسَّف في حمل الآية عليه، ويجعله تفسيراً لها، وهو ليس كذلك، إذ لا يلزم أن يكون كل قول صحيح في هذه المكتشفات المعاصرة ، أن يوجد ما يشهد لها من الآية، فتفسَّر به، وهذا أمر مهم للغاية” انتهى باختصار من “الإعجاز العلمي إلى أين” (ص109-159) .
والخلاصة : أن مراد السائل من “تعديل التفسير” إن كان هو التحرير والإضافة والتحقيق فهذا جهد كبير ومأجور، ولكن بشرط القيام به بحقه الذي هو الالتزام بقواعد التفسير وضوابطه المؤسسة لهذا العلم الكبير ، ثم أن يكون القائم به من أهل العلم المؤهلين لذلك المقام ، والذين استكملوا أدواته ، لا الأدعياء الجهال ؛ فما أحراهم بالخطأ والزلل ، وما أحراهم بالوعيد فيمن فسر القرآن برأيه المجرد ، وأتبعه هواه .
ينظر للفائدة هذا الرابط
http://almunajjid.com/295
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الاسلام سؤال وجواب