كلنا يعرف محنة الإمام أحمد ـ رحمه الله ـ في فتنة المأمون ، فعندما أمر المأمون أن يُحمل له الإمام أحمد بن حنبل، ومحمَّد بن نوح ، فأرسلاَ مقيَّدَين على بعير واحد ، فأمَّا محمد بن نوح فمات في أثناء الطريق قبلَ أن يصل إلى طَرَسُوس ،َ حيث مقرُّ الخليفة المأمون ، وبقي الإمام أحمد بن حنبل فدَعَا الله – عز وجل – في أثناء الطريق ألاَّ يُريَه المأمون ، وألاَّ يجتمع به ، فاستجاب االله ـ عز وجل ـ دعاء الإمام أحمد، ، فمات المأمون قبلَ أن يصلَ إليه الإمام أحمد ،
لكن قرأت القصة في الفيسبوك وبعض الكتب القصة وفيها أنه : ” فجثا الإمام أحمد على ركبتيه ، ورمق بطرفه إلى السماء ، ثم قال: سيدي ، غرَّ حِلمُك هذا الفاجر حتى تجبر على أوليائك بالضرب والقتل ، اللهم فإن يكُنِ القرآن كلامَك غيرَ مخلوق ، فاكفِنا مؤنته ، قال: فجاءهم الصريخ بموت المأمون في الثلث الأخير من الليل “.
فهل صح قول هذا الدعاء عن إمامنا أحمد رحمه الله ؟ وإذا كان صحيحا ، فهل يجوز دعاء الله تعالى بـ”سيدي” ؟
قصة دعاء الإمام أحمد على المأمون
السؤال: 245010
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولا :
روى أبو داود (4806) عَنْ مُطَرِّفٍ، قَالَ: قَالَ أَبِي: ” انْطَلَقْتُ فِي وَفْدِ بَنِي عَامِرٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : فَقُلْنَا: أَنْتَ سَيِّدُنَا، فَقَالَ: (السَّيِّدُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى).
وصححه الألباني في ” صحيح أبي داود ” .
وقد دل هذا الحديث على أن ” السيد ” من أسماء الله الحسنى ، ومن ثم يشرع دعاء الله به ، كغيره من الأسماء الحسنى .
وخالف في ذلك بعض أهل العلم ، كالإمام مالك وغيره ؛ ولعله لم يبلغه الحديث فيه ، أو بلغه من وجه لا يصح عنده .
وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم : (218910) .
على أننا ننبه هنا إلى أن عامة الأدعية الواردة في الكتاب والسنة، وما روي في ذلك مما صح عن الصحابة والسلف الصالح : إنما كانت تستهل بـ “اللهم” ، “ربنا” ، “رب”.
فالذي يظهر أن الأكمل والأوفق للسنة ، وطريقة السلف : أن يدعو بما جرى عليه العمل ، وعهد الدعاء به فيما صح من الكتاب ، والسنة ، والأثر ،فيقول : يا رب ، اللهم ، ربنا ، ونحو ذلك .
فإن دعا وقال في دعائه : ” يا سيدي ” فهو جائز ، لا حرج فيه إن شاء الله .
ثانيا :
أما هذا الدعاء الوارد عن الإمام أحمد رحمه الله ، فقد رواه الحافظ أبو نعيم رحمه الله في “حلية الأولياء” (9/ 194) قال :
أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ، وَحَدَّثَنِي عَنْهُ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، ثَنَا أَبِي ، ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، قَالَ: قَالَ أَحْمَدُ بْنُ غَسَّانَ : ” حُمِلْتُ أَنَا وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِي مَحْمَلٍ عَلَى جَمَلٍ يُرَادُ بِنَا الْمَأْمُونُ، فَلَمَّا صِرْنَا قَرِيبَ عَانَة ، قَالَ لِي أَحْمَدُ: قَلْبِي يُحِسُّ أَنَّ رَجَاءً الْحَصَّارَ يَأْتِي فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ ، فَإِنْ أَتَى وَأَنَا نَائِمٌ فَأَيْقِظْنِي ، وَإِنْ أَتَى وَأَنْتَ نَائِمٌ أَيْقَظْتُكَ .
فَبَيْنَمَا نَحْنُ نَسِيرُ إِذْ قَرَعَ الْمَحْمَلَ قَارِعٌ ، فَأَشْرَفَ أَحْمَدُ ، فَإِذَا بِرَجُلٍ يَعْرِفُهُ بِالصِّفَة ِ، وَكَانَ لَا يَأْوِي الْمَدَائِنَ وَالْقُرَى ، وَعَلَيْهِ عَبَاءَةٌ قَدْ شَدَّهَا عَلَى عُنُقِهِ ، فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ، إِنَّ اللَّهَ قَدْ رَضِيَكَ لَهُ وَافِدًا ، فَانْظُرْ لَا يَكُونُ وُفُودُكَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وُفُودًا مَشْئُومًا، وَاعْلَمْ أَنَّ النَّاسَ إِنَّمَا يَنْتَظِرُونَكَ لِأَنْ تَقُولَ فَيَقُولُوا، وَاعْلَمْ أَنَّمَا هُوَ الْمَوْتُ وَالْجَنَّةُ .
فَلَمَّا أَشْرَفْنَا عَلَى الْبُذَيذُونَ قَالَ لِي: يَا أَحْمَدَ بْنَ غَسَّانَ إِنِّي مُوصِيكَ بِوَصِيَّةٍ فَاحْفَظْهَا عَنِّي : رَاقَبِ اللَّهَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ ، وَاشْكُرْهُ عَلَى الشِّدَّةِ وَالرَّخَاءِ ، وَإِنْ دَعَانَا هَذَا الرَّجُلُ أَنْ نَقُولَ الْقُرْآنُ مَخْلُوقٌ فَلَا تَقُلْ ، وَإِنْ أَنَا قُلْتُ فَلَا تَرَكْنَ إِلَيَّ ، وَتَأَوَّلْ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى : ( وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ) .
فَتَعَجَّبْتُ مِنْ حَدَاثَةِ سِنِّهِ وَثَبَاتِ قَلْبِهِ ، فَلَمْ يَكُنْ بِأَسْرَعَ أَنْ خَرَجَ خَادِمٌ وَهُوَ يَمْسَحُ عَنْ وَجْهِهِ بَكُمِّهِ وَهُوَ يَقُولُ : عَزَّ عَلَيَّ يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ أَنْ جَرَّدَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ سَيْفًا لَمْ يُجَرِّدْهُ قَط ُّ، وَبَسَطَ نِطْعًا لَمْ يَبْسُطْهُ قَطُّ ، ثُمَّ قَالَ: وَقَرَابَتِي مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا رَفَعْتُ عَنْ أَحْمَدَ وَصَاحِبِهِ حَتَّى يَقُولَا الْقُرْآنُ مَخْلُوقٌ ، قَالَ: فَنَظَرْتُ إِلَى أَحْمَدَ وَقَدْ بَرَكَ عَلَى رُكْبَتَيْهِ وَلَحَظَ السَّمَاءَ بِعَيْنَيْهِ ثُمَّ قَالَ: “سَيِّدِي غَرَّ هَذَا الْفَاجِرَ حِلْمُكَ حَتَّى يَتَجَرَّأَ عَلَى أَوْلِيَائِكَ بِالْقَتْلِ وَالضَّرْبِ ، اللَّهُمَّ فَإِنْ يَكُنِ الْقُرْآنُ كَلَامَكَ غَيْرَ مَخْلُوقٍ فَاكْفِنَا مُؤْنَتَهُ ” .
قَالَ: فَوَاللَّهِ مَا مَضَى الثُّلُثُ الْأَوَّلُ مِنَ اللَّيْلِ إِلَّا وَنَحْنُ بِصَيْحَةٍ وَضَجَّةٍ ، وَإِذَا رَجَاءٌ الْحَصَّارَ قَدْ أَقْبَلَ عَلَيْنَا فَقَالَ: صَدَقْتَ يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ الْقُرْآنُ كَلَامُ اللَّهِ غَيْرُ مَخْلُوقٍ. قَدْ مَاتَ وَاللَّهِ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ “.
وهذا إسناد ضعيف :
عبد الله بن جعفر ، هو عَبْد اللَّه بْن جعْفَر بْن أَحْمَد بْن فارس ، قال الذهبي : “كان ثقة عابدا”
“تاريخ الإسلام” (25/ 196) .
وأبوه لم نجد له ترجمة .
وكذا شيخه أحمد بن عبد الله .
وأحمد بن غسان ترجمه الذهبي في تاريخ الإسلام ، ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا . قال : ” أحد مشايخ العابدين بالبصرة ، كان يقول بالقدر، ورجع عنه ، فلما كانت المحنة أيام المعتصم أبى أن يقول بخلق القرآن ، فحمل إلى بغداد وحبس بها ، فاتفق معه في الحبس أحمد بن حنبل، والبويطي ” انتهى من “تاريخ الإسلام” (16/ 49) .
وقوله في هذا الخبر عن الإمام أحمد : ” فَتَعَجَّبْتُ مِنْ حَدَاثَةِ سِنِّهِ وَثَبَاتِ قَلْبِهِ ” منكر ، يدل على عدم صحة هذه القصة ، لأن بداية المحنة كانت سنة 218 ، وولد الإمام أحمد سنة 164، فيكون عمره في بداية المحنة 54 سنة، فكيف يقال لمن هذا عمره : ” تعجبت من حداثة سنه”؟!
فهذه القصة غير ثابتة .
والله أعلم .
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب
موضوعات ذات صلة