تنزيل
0 / 0

‫هل الأحاديث التي ورد فيها ( خيركم ) و ( خير الناس ) وذكر فيها أعمال مختلفة ، متعارضة؟‬

السؤال: 254247

قال رسول صلى الله عليه وسلم : ( خيركم خيركم لأهله ) ، وقال رسول الله : ( خير الناس أنفعهم للناس ) ، وقال : ( خيركم من تعلم القران وعلمه ) ، وهناك أحاديث أخرى عن خير الناس ، وأنا الآن في حيرة من أمري ، من هو خير الناس ؟ ، وأنا أرى من خلال فهمي القصير أن الأحاديث متعارضة ظاهريا في بيان ذلك .

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

اعلم – أيها الأخ الكريم – أنه لا تعارض على الحقيقة بين نصوص الشرع ، فإنها جميعا
من مشكاة واحدة .
وأما ما ذكرته من الاختلاف الظاهري بين هذه الأحاديث التي ورد فيها خير الناس أو
خيركم وهكذا ، فالحقيقة أنه لا تعارض بينها ، في حقيقة الأمر ، البتة ، وبيان ذلك
كما يلي :-
أولا :
أن النبي صلى الله عليه وسلم قد تختلف أجوبته على السؤال الواحد بِاخْتِلَافِ
الْأَحْوَالِ وَاحْتِيَاجِ الْمُخَاطَبِينَ ، فربما يكون الزمان يستدعي الحث على
عمل ما ، وربما يكون حال السائل خاصة ، هو الذي يستدعي ذلك .
قال الطيبي في “شرح المشكاة” (3/867):” ووجه التوفيق : أنه صلى الله عليه وسلم أجاب
لكل بما يوافق غرضه ، وما يرغب فيه ، أو أجاب علي حسب ما عرف من حاله ، بما هو يليق
به وأصلح له ؛ توفيقاً له على ما خفي عليه .
وقد يقول القائل : خير الأشياء كذا ، ولا يريد تفضيله في نفسه علي جميع الأشياء ،
ولكن يريد أنه خيرها في حال دون حال، ولواحد دون آخر، وذلك مثل قولك في موضع يحمد
فيه السكوت: لا شيء أفضل من السكوت، وقولك حيث يحمد الكلام: لا شيء أفضل من الكلام.

ولقد تعاضدت النصوص على فضل الصلاة على الصدقة ، ثم إن تجددت حال تقتضي مواساة مضطر،
أو إصلاح ذات ، بين فتكون الصدقة حينئذ أفضل … ” . انتهى

ثانيا :
أن جملة خيركم أو خير الناس ، لا يلزم منها الخيرية المطلقة في كل موطن ، وإنما قد
تكون هذه الخيرية مقيدة بوجه ما أو بحال دون حال ، فيكون تقدير الكلام : من خير
الناس ، ومن خيركم ، فيكون المعنى أن من اتصف بتلك الصفات فهو من خير الناس ، كما
يقول أحدنا عن رجل كريم مثلا : أكرم الناس فلان ، فهذا لا ينفي الكرم عن غيره ، وقد
سبق تقرير هذا الوجه في كلام الطيبي السابق نقله .
وقد نقل النووي أيضا عن الإمام القفال الكبير ، من أئمة الشافعية . : ” أَنَّهُ
جَمَعَ بَيْنَهَا بِوَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّ ذَلِكَ اخْتِلَافُ جَوَابٍ
جَرَى عَلَى حَسَبِ اخْتِلَافِ الْأَحْوَالِ وَالْأَشْخَاصِ؛ فَإِنَّهُ قَدْ يُقَالُ
خَيْرُ الْأَشْيَاءِ كَذَا ، وَلَا يُرَادُ بِهِ خَيْرُ جَمِيعِ الْأَشْيَاءِ ، مِنْ
جَمِيعِ الْوُجُوهِ ، وَفِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ وَالْأَشْخَاصِ ؛ بَلْ فِي حَالٍ
دُونَ حَالٍ ، أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ .
وَاسْتَشْهَدَ في ذلك بأخبار ، منها : عن ابن عباس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا : أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( حَجَّةٌ لِمَنْ لَمْ
يَحُجَّ أَفْضَلُ مِنْ أَرْبَعِينَ غَزْوَةً ، وَغَزْوَةٌ لِمَنْ حج أفضل من أربعين
حجة ) .
الوجه الثَّانِي : أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنْ أَفْضَلِ
الْأَعْمَالِ كَذَا ، أَوْ مِنْ خَيْرِهَا ، أَوْ مِنْ خَيْرِكُمْ مَنْ فَعَلَ
كَذَا ، فَحُذِفَتْ مِنْ وَهِيَ مُرَادَةٌ ، كَمَا يُقَالُ : فُلَانٌ أَعْقَلُ
النَّاسِ وَأَفْضَلُهُمْ ، وَيُرَادُ : أَنَّهُ مِنْ أَعْقَلِهِمْ وَأَفْضَلِهِمْ .

وَمَنْ ذَلِكَ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (
خَيْرُكُمْ : خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ ) ، وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَا يَصِيرُ بِذَلِكَ
خِيرَ النَّاسِ مُطْلَقًا .
وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ : أَزْهَدُ النَّاسِ فِي الْعَالِمِ جِيرَانُهُ ، وَقَدْ
يُوجَدُ فِي غَيْرِهِمْ مَنْ هُوَ أَزْهَدُ مِنْهُمْ فِيهِ .
هَذَا كَلَامُ الْقَفَّالِ رَحِمَهُ اللَّهُ” انتهى .
وأيده على ذلك الحافظ ابن حجر في “الفتح” (1/79) فقال :
” وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ : إِنَّ لَفْظَةَ مِنْ مُرَادَةٌ ، كَمَا يُقَالُ فُلَانٌ
أَعْقَلُ النَّاسِ ، وَالْمُرَادُ مِنْ أَعْقَلِهِمْ ، وَمِنْهُ حَدِيثُ : (
خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ ) ، وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّهُ لَا يَصِيرُ
بِذَلِكَ خَيْرَ النَّاسِ”. انتهى
ثالثا :
أن يرد حديث النبي صلى الله عليه وسلم على سبب ما ، أو حدث معين ، يستدعي من النبي
صلى الله عليه وسلم أن يرغب الناس في خصلة من خصال الخير .
فمن ذلك قوله :”خيركم خيركم لأهله ” جاء سبب ذلك عند ابن حبان في صحيحه (4186)
بإسناد جيد عن ابن عباس : ” أن الرجال استأذنوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في
ضرب النساء ، فأذن لهم ، فضربوهن ، فبات فسمع صوتا عاليا ، فقال : ما هذا ؟ قالوا :
أذنت للرجال في ضرب النساء فضربوهن فنهاهم وقال : ( خيركم خيركم لأهله وأنا من
خيركم لأهلي ) ” .
ومنه قوله صلى الله عليه وسلم :”خيركم أحسنكم قضاء ” ؛ فقد جاء فيه عند البخاري
(2305) : ” أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم يَتَقَاضَاهُ ،
فَأَغْلَظَ ، فَهَمَّ بِهِ أَصْحَابُهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم
( دَعُوهُ فَإِنَّ لِصَاحِبِ الْحَقِّ مَقَالًا ) ، ثُمَّ قَالَ ( أَعْطُوهُ سِنًّا
مِثْلَ سِنِّه ) ، قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ لاَ نَجِدُ إِلاَّ أَمْثَلَ مِنْ
سِنِّهِ ، فَقَالَ ( أَعْطُوهُ فَإِنَّ مِنْ خَيْرِكُمْ أَحْسَنَكُمْ قَضَاءً).
وينظر للفائدة : جواب السؤال رقم : (232966).
وختاما : نسأل الله تعالى لنا وللسائل الكريم ولجميع المسلمين أن يجعلنا ممن له
الحظ الأوفر من هذا الخير ، اللهم آمين .
والله أعلم .

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android