عندما قال أصحاب الكهف:(إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا)سورة الكهف/ 20 ، لماذا ساووا بين شيئين :
1- رجم قومهم لهم .
2- إعادتهم لملتهم
حيث أن بين الشيئين “أو” ، والمساواة بقولهم : إن نتيجة هذين الشيئين هو:
عدم الفلاح أبدا ، بقولهم : ولن تفلحوا إذا أبدا ” ، مع أن المعلوم أن إعادتهم لملتهم الكفرية بالفعل ليس فيه فلاح أبدا لا في الدنيا ولا في الآخرة ، وأن الرجم بل والرجم حتى الموت مع عدم تغيير الملة والبقاء على الإسلام ، وإن لم يكن فلاح في الدنيا فهو بالتأكيد كما علمنا في كتاب الله فلاح في الآخرة ، فلم قيل ولن تفلحوا إذا (أبدا) ؟
بيان آية سورة الكهف : ( إنهم إن يظهروا عليكم يرجموكم أو يعيدوكم في ملتهم ولن تفلحوا إذا أبداً )
السؤال: 259848
ملخص الجواب
ملخص الجواب : أن هؤلاء الفتية خافوا على أنفسهم ، من ظهور القوم عليهم : أحد الأمرين : إما القتل ، وفيه الهلاك . وإما أن يكرهوهم على العود إلى ملة الكفر ؛ وفي هذا العود : خسران الدنيا والآخرة .
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولًا:
لا شك أن التدبر في كتاب الله تعالى مشروع، يؤجر صاحبه عليه، وقد دعا الله تعالى الناس إلى تدبر القرآن وتعقله، فقال سبحانه: (أفلا يتدبرون القرآن) ..
وسورة الكهف من السور العظيمة التي يحسن بكل مسلم أن يتدبرها، ففيها بيان سبيل النجاة من الفتن، وفي أولها طريق للنجاة من الفتنة في الدين بذكر قصة الفتية أصحاب الكهف .
ثانيًا :
معنى الآية الكريمة: ” يقول تعالى: (وَكَذَلِكَ بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَاءَلُوا بَيْنَهُمْ قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلَا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا * إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا ) الكهف/19-20، أي: وكما أرقدناهم ، بعثناهم ، صحيحة أبدانهم وأشعارهم وأبشارهم، لم يفقدوا من أحوالهم وهيئاتهم شيئا، وذلك بعد ثلاثمائة سنة وتسع سنين؛ ولهذا تساءلوا بينهم: (كم لبثتم) ؟ أي: كم رقدتم؟
(قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم) : كان دخولهم إلى الكهف في أول نهار، واستيقاظهم كان في آخر نهار؛ ولهذا استدركوا فقالوا: (أو بعض يوم قالوا ربكم أعلم بما لبثتم) أي: الله أعلم بأمركم، وكأنه حصل لهم نوع تردد في كثرة نومهم، فالله أعلم، ثم عدلوا إلى الأهم في أمرهم إذ ذاك ، وهو احتياجهم إلى الطعام والشراب، فقالوا: (فابعثوا أحدكم بورقكم) أي: فضتكم هذه. وذلك أنهم كانوا قد استصحبوا معهم دراهم من منازلهم لحاجتهم إليها، فتصدقوا منها وبقي منها؛ فلهذا قالوا: (فابعثوا أحدكم بورقكم هذه إلى المدينة) أي: مدينتكم التي خرجتم منها ، والألف واللام للعهد.
(فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا) : أي: أطيب طعاما .
وقوله (وَلْيَتَلَطَّفْ) أي: في خروجه وذهابه، وشرائه وإيابه، يقولون: ولْيتَخَفَّ، كل ما يقدر عليه. (ولا يشعرن) أي: ولا يُعلمن (بكم أحدا * إنهم إن يظهروا عليكم يرجموكم) أي: إن علموا بمكانكم، (يرجموكم أو يعيدوكم في ملتهم) ، يعنون : أصحاب دقيانوس ؛ يخافون منهم أن يطلعوا على مكانهم، فلا يزالون يعذبونهم بأنواع العذاب إلى أن يعيدوهم في ملتهم التي هم عليها أو يموتوا .
وإن واتَوْهُم على العود في الدين : فلا فلاح لهم في الدنيا ولا في الآخرة، ولهذا قال (ولن تفلحوا إذا أبدا) ” انظر تفسير ابن كثير: (5/ 145).
ويقول الشيخ السعدي في بيان الآية: ” يقول تعالى: (وكذلك بعثناهم) أي: من نومهم الطويل (ليتساءلوا بينهم) أي: ليتباحثوا للوقوف على الحقيقة من مدة لبثهم.
(قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ) وهذا مبني على ظن القائل، وكأنهم وقع عندهم اشتباه. في طول مدتهم، فلهذا (قَالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ) فردوا العلم إلى المحيط علمه بكل شيء، جملة وتفصيلا .
ولعل الله تعالى -بعد ذلك- أطلعهم على مدة لبثهم، لأنه بعثهم ليتساءلوا بينهم، وأخبر أنهم تساءلوا، وتكلموا بمبلغ ما عندهم، وصار آخر أمرهم، الاشتباه، فلا بد أن يكون قد أخبرهم يقينا، علمنا ذلك من حكمته في بعثهم، وأنه لا يفعل ذلك عبثا.
ومن رحمته بمن طلب علم الحقيقة في الأمور المطلوب علمها، وسعى لذلك ما أمكنه، فإن الله يوضح له ذلك، وبما ذكر فيما بعده من قوله. (وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لا رَيْبَ فِيهَا) ؛ فلولا أنه حصل العلم بحالهم، لم يكونوا دليلا على ما ذكر .
ثم إنهم لما تساءلوا بينهم، وجرى منهم ما أخبر الله به، أرسلوا أحدهم بورقهم، أي: بالدراهم، التي كانت معهم، ليشتري لهم طعاما يأكلونه، من المدينة التي خرجوا منها، وأمروه أن يتخير من الطعام أزكاه، أي: أطيبه وألذه، وأن يتلطف في ذهابه وشرائه وإيابه، وأن يختفي في ذلك، ويخفي حال إخوانه، ولا يشعرن بهم أحدا.
وذكروا المحذور من اطلاع غيرهم عليهم، وظهورهم عليهم، أنهم بين أمرين :
إما الرجم بالحجارة، فيقتلونهم أشنع قتلة، لحنقهم عليهم وعلى دينهم .
وإما أن يفتنوهم عن دينهم، ويردوهم في ملتم، وفي هذه الحال : لا يفلحون أبدا، بل يخسرون في دينهم ودنياهم وأخراهم “، تفسير السعدي: (473).
ثالثًا:
قوله تعالى: (ولن تفلحوا إذا أبدا) [الكهف: 20]، عائد على الرجوع في ملة الكافرين، ولذلك قال الطبري: ” ولن تدركوا الفلاح، وهو البقاء الدائم والخلود في الجنان، إذن ؛ أي : إن أنتم عدتم في ملتهم “، جامع البيان: (15/ 215).
فالآية الكريمة تتحدث عن هؤلاء الفتية أن أحد الأمرين سيحصل لهم، إما أن يُرجموا (يقتلوا)، أو يرجعوا إلى ملتهم القديمة، ثم رتبوا على الرجوع في ملتهم فقط : نفي الفلاح في المستقبل .
قال الزجاج: “(إذا) : يدل على الشرط، أي: ولن تفلحوا إن رجعتم إلى ملتهم أبدًا” . “معاني القرآن” (13/ 570).
والخلاصة
أن هؤلاء الفتية خافوا على أنفسهم ، من ظهور القوم عليهم : أحد الأمرين : إما القتل ، وفيه الهلاك .
وإما أن يكرهوهم على العود إلى ملة الكفر ؛ وفي هذا العود : خسران الدنيا والآخرة .
والله أعلم .
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب